هل يستفيد ماكرون من “إستراتيجية الفوضى” في الانتخابات التشريعية الفرنسية؟
يرى الدكتور عبد الله بوصوف أن قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حل البرلمان شكل زلزالا سياسيا قويا داخل الطبقة السياسية والنخبة بفرنسا، موردا أن دعوة ماكرون الشعب إلى الاختيار الديمقراطي ووقف مد اليمين المتطرف كان فيها الكثير من الدهاء، حتى لا نقول المكر.
وأضاف بوصوف، ضمن مقال توصلت به هسبريس، أن “إستراتيجية الفوضى” حملت معها منذ البداية مفاجئات سياسية قوية، معتبرا أنه في ظل تداعيات هذه الإستراتيجية هناك فرصة سانحة لتقول الجاليات المسلمة كلمتها بقوة وتصوت لصالح التيارات الداعمة للتنوع الثقافي والديني واحترام الآخر وللعيش المشترك.
نص المقال:
انقسمت فرنسا بعد إعلان الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” في ليلة التاسع من يونيو عن حل البرلمان وتشريعيات مبكرة، مباشرة بعد النتائج الكارثية التي سجلها حزبه في انتخابات البرلمان الأوروبي، وراء حزب لوبان “التجمع الوطني”.
وتعددت أوصاف ماكرون على خلفية هذا القرار بين المغامر والمتسرع، ومنهم من اعتبره خطوته حالة “انفعال عاطفي” وتحديا شخصيا أمام زعيم التجمع الوطني “جوردان بارديلا”، الذي وصفه بالضعيف، مطالبا بضرورة إعلان تشريعيات مبكرة.
والواقع أن قرار ماكرون حل البرلمان شكل زلزالا سياسيا قويا داخل الطبقة السياسية والنخبة بفرنسا، إذ لم تسلم من تردداته كل الأطياف السياسية؛ ففي معسكر اليسار مثلا أثيرت مسألة الزعامات الأبدية وكان المقصود منها هو “جون لوك ميلونشون”، كما استنجد الاشتراكيون بالرئيس الفرنسي السابق “فرانسوا هولاند”، في ظل ضعف تأثير عمدة باريس الاشتراكية “هيدالغوا”… بالإضافة إلى صعود نجم “حركة الساحات العمومية” “رافييل غلوكسمان”.
ولم يسلم حزب الجمهوريون اليميني من ردات الزلزال عقب إعلان رئيسه “سيوتي” التحالف مع التجمع الوطني اليميني المتطرف، إذ ثار أعضاء المكتب السياسي ضده وجمدوا وضعيته، وهو القرار الذي ألغته محكمة باريس الجمعة الماضي. وهتف سيوتي “العمل من أجل فرنسا”.
كما أعلن “جوردان بارديلا”، الزعيم الجديد لحزب لوبان، عن أخذ مسافة من حزب “إيريك زمور”، لأنه متطرف جدا وخطير جدا.
لقد تحدثت بعض المنابر الإعلامية بألمانيا (Bild) عن “إستراتيجية الفوضى” التي كان يحضرها ماكرون منذ شهر ماي الماضي، وهو ما ينفي كل صفات التسرع والمغامرة عن قراره عقب إعلان نتائج التاسع من يونيو؛ إذ نجد من بين أهداف تلك الإستراتيجية خسارة التجمع الوطني رئاسيات 2027، لكن على نار هادئة… كيف ذلك؟.
حزب التجمع الوطني يتوفر على مقاعد مهمة بالجمعية العمومية الفرنسية بعد تشريعيات 2022، مكنته من تقديم الطعون والعرائض و”عرقلة” العمل التشريعي؛ هذا بالإضافة إلى تحالف اليسار المعارض، لذلك لوحظ توظيف الفصل 49.3 من الدستور من طرف حكومة ماكرون لحل أغلب المحطات التشريعية والسياسية، وفي مقدمتها تعديل قانون التقاعد.
لقد ظل حزب لوبان يلعب دور المعارض “بشكل كلاسيكي” في ظل ملفات اجتماعية سياسية واقتصادية وأمنية عاشها ماكرون منذ العهدة الأولى سنة 2017.
لكن لو فاز حزب لوبان بتشريعيات 2024 كما تشير إلى ذلك مختلف استقراءات الرأي فهذا يعني أولا مشاركة الحزب في صناعة السياسات العمومية على المستوى الوطني من موقع الفاعل الحكومي، برئاسة الشاب “جوردان بارديلا”، ويخرج بذلك من دائرة المعارضة “زون كونفور”؛ ويعني ثانيا الاشتباك السياسي اليومي مع الرئيس ماكرون الذي يستمد بدوره شرعيته مباشرة من الشعب، مع إطلاق حريته في صياغة السياسة الخارجية وموقعه في المجلس الأوروبي ومجموعاته السياسية.
وهو ما يعني إنهاك الخصم السياسي وإشراكه في حل معظلات اجتماعية ومطالب السترات الصفراء وملف قوانين الهجرة والمساجد واللجوء والضواحي والإجهاض والحريات الجنسية والأمن…وغيرها من الملفات التي تشكل الخبز اليومي للفاعل السياسي والإعلامي اليميني المتطرف؛ مع إمساك الرئيس ماكرون بحقه في حل البرلمان وإعلان تشريعيات جديدة.
وبما أن المناسبة شرط فإن دعوة ماكرون الشعب إلى الاختيار الديمقراطي ووقف مد اليمين المتطرف كان فيها الكثير من الدهاء، حتى لا نقول المكر؛ إذ بطريقة أو أخرى فإنه حاول جعل الصراع السياسي ثنائيا بينه وبين حزب لوبان وبارديلا، وهو بذلك يقصي باقي الأطياف السياسية، وفي مقدمتها اليسار والخضر؛ وكأنه يعيد جولات رئاسيات 2017 و2022.
وإذا كانت “إستراتيجية الفوضى” حملت معها منذ البداية مفاجئات سياسية قوية، كتحالف حزب الجمهوريون واليمين المتطرف، والعودة السياسية لفرانسوا هولاند، وزعزعة هرمية حزب ميلونشون وتهميش “إيريك زمور، فإننا ننتظر التوظيف السياسي الجيد لصوت “الناخب المسلم” والناخبين من أصول مهاجرة، إذ لم يعد مقبولا هذا العزوف الانتخابي أمام “جرافة سياسية” لليمين المتطرف تجعل من ملفات الهجرة واللجوء والإسلام والمساجد حصان طروادة!.
أعتقد أن الفرصة سانحة في ظل تداعيات “إستراتيجية الفوضى” لتقول الجاليات المسلمة كلمتها بقوة وتصوت لصالح التيارات الداعمة للتنوع الثقافي والديني واحترام الآخر، وللعيش المشترك…