أخبار العالم

زعنون ينبش تحديات “إدارة الهجرة”



“تدفقات المهاجرين أتاحت منافذ مهمة للمغرب لتحقيق عدة مكاسب إستراتيجية واقتصادية في علاقته بدوَل المنشأ والاستقبال، لكنها تُرتِّب في المقابل مخاطر شتّى على أمنه الحدودي”، كانت تلك أبرز خلاصات مقال تحليلي قارب من خلاله الباحث في القانون الإداري والسياسات العمومية عبد الرفيع زعنون “تدفقات الهجرة غير النظامية وتحديات إدارة الحدود بالمغرب”، لافتا إلى أنه “رغم الرهان على المبادرة الأطلسية التي أطلقها المغرب في يوليوز 2023 مع بعض دول الساحل لتدعيم المسارات القانونية للهجرة، فإنها قد تُحفِّز أكثر تيارات الهجرة غير النظامية انطلاقا من السواحل الجنوبية للمملكة نحو جزر الكناري”.

ورصد الباحث، في مقاله المنشور ضمن نشرة “صدى” (تندرج في صلب برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة ‘كارنيغي للسلام الدولي’)، أن “تسارع تدفقات المهاجرين غير النظاميين نحو المغرب أدى إلى تكثيف عمليات مراقبة الحدود مع دول المَصدر كما بلدان الاستقبال”، مستدلا في الصدد ذاته بـ “تصدّي السلطات المغربية في السنوات الخمس الأخيرة لقرابة 366 ألف محاولة للهجرة غير النظامية نحو أوروبا”، مع تسجيل أرقام قياسية سنة 2023 باعتراض أكثر من 75 ألف مهاجر بزيادة 6 في المائة مقارنة بسنة 2022”.

وفي تقدير زعنون، الذي يشغل أيضا مهمة أستاذ زائر بكلية العلوم القانونية والاجتماعية بتطوان (جامعة عبد المالك السعدي)، فالأمر عبارة عن “منحى آخذ في التصاعد في ظل تجذّر الأصول المُغذِّية للهجرة، كتفاقم وضعيات اللاستقرار السياسي والأمني في خضم موجة جديدة من الانقلابات والصراعات بدول الساحل والصحراء، وأمام الانسداد الذي تعرفه مسالك الهجرة نحو أوروبا عبر ليبيا وتونس”.

وزاد الأستاذ ذاته شارحا الأسباب السابقة بالقول إن هذا جعل المغرب “وجهة مُثلى للآلاف من الأشخاص المنحدرين من مناطق النزاع بإفريقيا، وبعض الدول العربية، كاليمن وسوريا والسودان، ناهيك عن تداعيات التغير المناخي”، قبل أن يتوقف موردا: “يتوقع البنك الدولي أن تتسبَّب الكوارث الطبيعية في نزوح حوالي 86 مليون شخص بحلول سنة 2050 في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما سَيُعقِّد من مسؤولية المغرب وغيره من الدول الواقعة ضمن طريق الهجرة نحو أوروبا”.

“فضلا عن هذه العوامل الموضوعية”، يسترسل كاتب المقال مبرزا أن “ثمّة تأثيرات جانبية لسعي المغرب نحو تعميق علاقاته مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، التي تفرض الالتزام بالبروتوكولات الخاصة بحرية التنقل وحقوق الإقامة والاستقرار كشرط لقبول عضويته”، معتبرا أن الأمر نفسه منسحِبٌ على “استحقاقات تنفيذ اتفاقية منطقة التبادل التجاري القاري الإفريقي (ZLECAF) التي تنص على ضمان الحق في تنقل الأشخاص بين الدول الأعضاء، وغيرها من المحاولات التي ستجعل من المغرب قِـبلة لأفواج جديدة من المهاجرين الراغبين في الاستقرار به، أو كمحطة توقف في انتظار توافر فرص العبور نحو ‘الإلدورادو’ الأوروبي”.

“أمْنَنة السياسات الأوروبية للهجرة”

بحسب الباحث “يُقابَل تنامي تدفقات المهاجرين بتزايد ‘أمْننة’ السياسات الأوروبية للهجرة في خضم متغيرات جديدة ترخي بظلالها على حقوق المهاجرين”، أبرزها، وفق ما عدّده زعنون، “تعمُّق الأزمات الاقتصادية، وتنامي المواقف المعادية للمهاجرين، وصعود اليمين المتطرف إلى منصات القرار السياسي في العديد من دول الاتحاد الأوروبي، خاصة مع تزايد الاهتمام بدور المغرب كـ’حارس للحدود الأوروبية من تيارات الهجرة’”، وذكّر بما تضمّنه الاتفاق الأوروبي لإصلاح نظام الهجرة من “قيود أكثر صرامة في تدبير الحدود، كإقامة مراكز مغلقة بالقرب من الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي بتعاون مع دول العبور”.

كما قدّر الباحث ذاته أن “لجوء المغرب المتزايد إلى خبرات الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (frontex) قد يؤثِّر على مصداقيته في تدبير الهجرة كطرف وسيط بين دول المنشأ والمَقصد، وعلى سيادته في إدارة الحدود في ظل تصاعد الأصوات الداعية إلى نشر عناصر الوكالة وآلياتها بالسواحل المغربية”.

“فرص تُقابلها تداعيات”

بالتبع، استنتج صاحب التحليل أن “تنامي هذه التدفقات يشكل فرصاً ثمينة للمغرب لتعزيز دوره في تدبير الهجرة بين أوروبا وإفريقيا، بما يسهم في تحصين مصالحه الجيوسياسية، وفي تعظيم مكاسب الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، بتحسين شروط اتفاقيات التبادل الحر والصيد البحري”.

“لكن في المقابل تُرتِّب الديناميات الجديدة للهجرة غير النظامية تداعيات وخيمة على أمن المغرب الحدودي؛ فالقبول بالحلول الأوروبية سيجعل معظم الدعم المخصص لبرامج الهجرة يذهب إلى تسييج الحدود وتعلية الجدران، في ظل السعي نحو تحميل دول العبور مسؤولية إدارة تدفقات الهجرة في إطار ما أصبحت تسمى سياسة ‘تصدير الحدود’، ما يُهدِّد بتغذية بؤر الهجرة بالمناطق الحدودية واتساع المخيمات الداخلية للمهاجرين وما تُثيره من تأثيرات اجتماعية وحقوقية”، يستدرك الباحث في القانون العام.

ونبه زعنون إلى أن “تنفيذ اتفاقيات إعادة القبول قد تُحوِّل المغرب من دولة عبور إلى دولة استقرار دون أن يكون مُستعدا لتحمُّل التكلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذا الخيار؛ والأمر ذاته لتدابير العودة والترحيل القسري التي قد تُؤثِّر سلبا على علاقاته الآخذة في التعقد مع دول إفريقيا جنوب الصحراء، في ضوء تغير الأوضاع السياسية وتقلب خريطة التحالفات الإستراتيجية بهذه المنطقة الحيوية في السياسة الخارجية للمملكة”.

وأجمل كاتب المقال بأن “التدفق المهول للمهاجرين غير النظاميين له تحديات جِسام على المغرب في تدبير حدوده مع الدول الإفريقية والأوروبية، وهو ما يُحتِّم ضرورة الموازنة بين المصالح السياسية والاقتصادية وبين الاعتبارات الإنسانية والحقوقية في ضوء ‘الإطار المعياري الدولي لتدبير التنقلات البشرية’ (خاصة الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية الذي تم اعتماده بمراكش أواخر 2018، وخاصة في ما يتعلق باحترام حقوق الإنسان على الحدود، وحظر الطرد الجماعي والإعادة القسرية للمهاجرين، وضمان عودة آمنة وكريمة لهم)”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى