تقدم في العمر أم نقص هرمونات.. لماذا يصاب بعض الرجال بالسمنة والاكتئاب؟
- Author, سمية نصر
- Role, بي بي سي نيوز عربي
“منذ حوالي عامين، بدأت أشعر بحالة من الخمول والكسل وانخفاض الطاقة بصورة غير مسبوقة، كما صرتُ أعاني من الاكتئاب وعدم الاكتراث بأي شيء. وبدأت أعاني من السمنة بشكل متزايد، ولا سيما في منطقة الخصر”.
هكذا أخبرنا “كمال” (اسم مستعار)، وهو من سكان العاصمة المصرية القاهرة ويبلغ من العمر 47 عاما. يسلّم “كمال” بأن ما يشعر به هو نتاج طبيعي لبلوغه ما يطلق عليه فترة منتصف العمر أو مرحلة الكهولة، ويصر على أنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا للتخلص من تلك الأعراض.
كمال ليس الوحيد، فبعض الرجال يصابون بتلك الأعراض وغيرها، مثل فقدان الرغبة الجنسية والهبات الساخنة والتقلبات المزاجية عند بلوغ منتصف الأربعينات أو أوائل الخمسينات من العمر.
وباتت وسائل الإعلام الغربية في الأعوام الأخيرة الماضية تتحدث عن Male Menopause (“الإياس الذكوري”) على غرار الـ Menopause وهو مرحلة انقطاع الطمث عند المرأة.
فهل يمر الرجل بالفعل بمرحلة مشابهة لتلك التي تمر بها المرأة مع اقترابها من نهاية سنوات الخصوبة والإنجاب؟ وهل يعني تشابه الأعراض أن الأسباب في الحالتين متعلقة بتغييرات هرمونية؟
حقيقة أم خرافة؟
يقول البروفيسور فرانكلين جوزيف استشاري الغدد الصماء بمدينة ليفربول بإنجلترا إن بعض الرجال بالفعل يمرون بمرحلة شبيهة بمرحلة انقطاع الطمث لدى النساء، وإن كان يرى أن مصطلح male menopause مضلل إلى حد ما، وإن “الأدق وصفها بكلمة andropause، وهي متلازمة مرتبطة بانخفاض المتعة الجنسية والشعور العام بتدهور الصحة والرفاهة مع انخفاض مستويات هرمون التستوستيرون لدى الرجال مع تقدمهم في السن”.
هذه الحالة لم تكتشف حديثا، فقد تحدث عنها المختصون منذ عقود طويلة مضت، ولطالما كان هناك جدل حول المسميات وحول ما إذا كان ينبغي اعتبارها حالة مرضية، كونها أقل شيوعا مقارنة بأعراض انقطاع الطمث عن النساء، أو تشبيهها بهذه المرحلة من الأساس.
في عام 1946، نشر أوغست فرنر ورقة علمية رائدة في دورية رابطة الطب الأمريكية بعنوان The Male Climacteric (الإياس الذكوري)، وتحدث فيها عن أن هذه الحالة تجعل الرجل يصاب بالعصبية وضعف القدرة على ممارسة الجنس وضعف الرغبة الجنسية والشعور بالإرهاق وسرعة الانفعال والاكتئاب وضعف الذاكرة واضطرابات النوم والهبات الساخنة.
هل يطابق ذلك ما يحدث للمرأة عند انقطاع الطمث؟
يصف موقع الخدمات الصحية الوطنية البريطانية (المعروفة اختصارا بـ NHS) مصطلح Male Menopause بأنه “غير مفيد” و”مضلل لأنه يوحي بأن الأعراض هي نتيجة لانخفاض مفاجئ للتستوستيرون في منتصف العمر، على غرار ما يحدث في مرحلة انقطاع الطمث عند النساء، وهذا غير صحيح”.
يشار إلى أن انقطاع الطمث يتسبب لبعض النساء في أعراض حادة بسبب التوقف المفاجئ للوظائف الهرمونية للمبيضين بسبب نضوب مخزونهما من البويضات ما بين سن الـ45 والـ55.
لكن الانخفاض المفاجئ والكبير لهرمون الإستروجين عند المرأة لا يقابله انخفاض مفاجئ لهرمون التستوستيرون عند الرجال، إذ يتناقص الأخير بنسبة مستقرة تبلغ حوالي 1 في المئة سنويا ابتداء من الثلاثينات أو الأربعينات من العمر. كما أن نسبة انخفاض ذلك الهرمون الذكوري تتفاوت من رجل إلى آخر، بعكس انقطاع الطمث الذي يحدث لكافة النساء.
لكن هناك حالة مرضية يصاب بها الرجال ويطلق عليها اسم late-onset hypogonadism (قصور الغدد التناسلية في مرحلة متقدمة من العمر)، وهو “مصطلح علمي عام يشير إلى المتلازمة الإكلينيكية التي يتسبب فيها قصور هرمون الذكورة، وهو ما قد يكون له أثر سلبي على العديد من وظائف الأعضاء وجودة الحياة”، كما يقول البروفيسور جوزيف.
تحدث هذه الحالة المرضية بسبب ضعف الهرمونات التي تُنتَج في الخصيتين أو انعدامها، وفي أغلب الأحيان يصاب بها الرجال الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما ولا سيما هؤلاء الذين يعانون من السمنة أو النوع الثاني من مرض السكري. ويلفت موقع الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا إلى أن قصور الغدد التناسلية في مرحلة متقدمة من العمر “حالة مرضية محددة وغير شائعة ولا تعتبر نتاجا طبيعيا للكبَر”.
ما أعراض ما يطلق عليه “الإياس الذكوري”؟
يقول البروفيسور جوزيف إن الأعراض تشمل ما يلي:
- الإرهاق وانخفاض مستويات الطاقة
- الاكتئاب وتقلبات المزاج
- ضعف الرغبة الجنسية والأداء الجنسي
- عدم حدوث الانتصاب الصباحي
- فقدان كتلة العضلات وضعف القوة الجسدية
- زيادة الدهون في الجسم
- انخفاض كثافة العظام
- اضطرابات النوم
- ضعف الوظائف المعرفية
الأسباب
وفقا لموقع الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، فإن الأعراض التي يعاني منها بعض الرجال في مرحلة منتصف العمر وما بعدها نادرا ما تكون ناتجة عن تغيرات هرمونية، بل في أغلب الأحيان تكون عوامل نفسية أو عوامل تتعلق بنمط حياة الشخص.
ويقول البروفيسور جوزيف إن هناك أربعة أسباب رئيسية للـ”إياس الذكوري”:
- التقدم في السن.
- الحالات المرضية: بعض الحالات الطبية مثل مرض السكري والسمنة والاكتئاب وقصور الغدة الدرقية من الممكن أن تؤدي إلى الإسراع بانخفاض مستويات التستوستيرون.
- تناول بعض العقاقير الطبية: العديد من الأدوية الطبية مثل الكورتيكوستيرويدات والسيميتيدين [الذي يستخدم في علاج قرحة المعدة والأمعاء] وسبايرونولاكتون [الذي يستخدم لوقف احتباس السوائل في الجسم] ومضادات الاكتئاب وبعض مضادات الفطريات، قد تؤدي إلى انخفاض مستويات التستوستيرون.
- عوامل تتعلق بنمط الحياة: النظام الغذائي غير الصحي وعدم ممارسة التمرينات الرياضية والإفراط في تناول المشروبات الكحولية والتوتر من الممكن أن تؤثر كذلك على مستويات التستوستيرون.
التشخيص والعلاج
تحليل عينات من الدم لقياس مستويات التستوستيرون وحده لا يعد تشخيصا، على حد قول البروفيسور جوزيف. “في الوقت الحالي، يتطلب تشخيص اضطرابات الغدد التناسلية في سن متقدمة وجود أعراض ودلائل تشير إلى وجود نقص في التستوستيرون. وتستخدم بعض الاستبيانات مثل استبيان Androgen Deficiency in Aging Males (نقص هرمون الذكورة عند الذكور في مرحلة الكهولة وما بعدها، وتعرف اختصارا بـ ADAM) لتحديد تلك الأعراض.
“ثم يضاف ذلك إلى اختبارات الدم لقياس مستويات التستوستيرون الكلي (يشار إليه اختصارا بـ TT) والتستوستيرون الحر (يعرف اختصارا بـ FT)”.
ويعد عدم الوعي والشعور بالحرج من الحديث مع الطبيب من أبرز العقبات التي تقف في طريق التشخيص الصحيح والعلاج.
“إجراء تغييرات على نمط الحياة، مثل اتباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة بشكل منتظم والسيطرة على مستويات القلق والتوتر” من الممكن أن تكون لها فائدة كبيرة في العلاج، بحسب جوزيف، الذي يضيف أن العلاج بهرمون التستوستيرون البديل (TRT) من الممكن أيضا أن يخفف من حدة تلك الأعراض، “لكن من المهم معرفة المخاطر المحتملة لذلك العلاج وليس فقط فوائده”.
العلاج بالتستوستيرون: الفوائد والمخاطر
يقول جوزيف إن “العلاج بهرمون التستوستيرون فعال وآمن، وهناك أدلة تشير إلى أن تثبيت الهرمون عند مستويات طبيعية قد يؤدي إلى تخفيض نسبة انتشار الأمراض والوفيات. كما أن ما يؤدي إليه العلاج من تحسن في الصحة الجسدية والجنسية والعقلية من الممكن أن يعطي للرجال فرصة جديدة لعيش حياة أفضل”.
لكنه ينبه في الوقت ذاته إلى أن هذا النوع من العلاج قد تكون له آثار جانبية، بما في ذلك ” زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وتوقف التنفس أثناء النوم ومشكلات في البروستاتا”، ومن ثم يجب أن يتم العلاج تحت إشراف طبي جيد لمراقبة أي آثار جانبية محتملة والسيطرة عليها.
ويضيف أن ” الفحص والإشراف الدوريين وتصميم خطة علاجية تلائم كل مريض على حدة أمور ضرورية لضمان أمان وفعالية العلاج. عندما يتم العلاج بالشكل الصحيح، فإنه من الممكن أن يغير حياة الكثير من الرجال إلى الأفضل”.
أغراض تجارية؟
ويرى خبراء أن تركيز الاهتمام على “الإياس الذكوري” أحيانا ما تكون له أغراض تجارية، ولا سيما في الولايات المتحدة، إذ يتم عقد مقارنات بينه وبين ما يحدث للإناث في فترة انقطاع الطمث بغية بيع منتجات تحتوي على التستوستيرون بدون أن يكون هناك دليل علمي على فوائدها.
ويعرب الدكتور جوزيف عن قلقه إزاء وجود “ما يشبه السوق السوداء” في هذا المجال.
“هناك استخدام متزايد للمنشطات وبدائل التستوستيرون غير المصرح بها في صالات الجيمنازيوم، وهو أمر مثير للقلق لأن الرجال عادة لا يحصلون على النصائح والإرشادات الطبية اللازمة فيما يتعلق بالآثار الجانبية المحتملة لتلك العقاقير غير الخاضعة للرقابة”.
من الواضح أن ثمة خلافا على تشخيص “إياس الذكور” وعلاجه، وعلى التسمية ذاتها، وعلى ما إذا كان من الدقة المقارنة بينها وبين أعراض مرحلة انقطاع الطمث عند النساء. ولكن ما يتفق عليه الجميع هو أنه بغض النظر عما إذا كانت الأعراض التي يعاني منها الرجل هرمونية أم لا، فإن لها في نهاية المطاف تأثير سلبي على صحة الرجل وجودة حياته، ومن ثم ينبغي أن يستشير طبيبا مختصا للتوصل إلى تشخيص ملائم والسيطرة على تلك الأعراض أو التخلص منها.