أخبار العالم

“الكنز” في الذاكرة الشعبية المغربية .. أمل جني الثروة يخلط التنقيب بالخرافة



يفسر مقال بحثي سردية التنقيب عن “الكنوز” في الذاكرة الشعبية المغربية، قائلا إنها “ظاهرة عابرة للثقافات؛ فلكل مجتمع سردياته مع الكنوز تحت أرضية، ومن بينها نجد المجتمع المغربي”، مضيفا أن هذا الموضوع وإن كان “سهلا من حيث التناول العام النظري”، إلا أنه “ليس بالموضوع العادي في التناول الميداني، فتحيط به طلاسم، وأسرار وخبايا جد معقدة، وحساسة، وتتشابك فيه عدة خيوط الاحتجاب والسرية والحذر، فمن يشتغل في هذا المجال لا يمكن أن يفشي سرا من أسرار الحرفة التي تجد صداها في السنوات الأخيرة في وسائل الإعلام مرتبطة بالجرم والجريمة”.

جاء هذا في دراسة للباحث في علم الاجتماع إسماعيل الراجي، صدرت في الدورية المغربية المحكمة المتخصصة في التاريخ والعلوم الإنسانية “مجلة ليكسوس” في عددها الجديد 53، وورد فيها أن الكنز بالرغم مما يحيط به من خرافات واعتقادات، بين السحري والديني، والعمل العلمي حولها، يبقى “حقيقة”.

وقال الراجي: “لا يمكن القول في العديد من المجتمعات، ومنها المغرب، إنه لا توجد فئات اجتماعية، سواء فقيرة أو غنية، لا تتعاطى البحث عن المطالب/الكنوز، وهذا ما تؤكده أخبار أحداث المجتمع المغربي في الجرائد المغربية خلال السنوات الأخيرة”.

وتابع: “الظواهر المرتبطة بالكنوز أضحت معقلنة في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى، حيث دخلت التكنولوجيا على الخط، ففي سوق أدوات التكنولوجيا، تباع اليوم آليات بأثمنة متفاوتة، يقتنيها ‘الكنزيون’، حيث من خصائص بعض الآليات المعلنة في شبكة التسويق عبر الإنترنت تعقب المعادن النفيسة تحت الأرض بعديد الأمتار”.

وزادت الورقة: “شبكة الإنترنت توفر وصلات تعليمية في قراءة الإشارات الكنزية القديمة جدا ونحوها، وهذا البعد التكنولوجي مما لا شك فيه غير الكثير من قواعد ‘اللعب’، من قواعد البحث عن الكنوز، كاستدعاء السحر والتمائم”.

وأوضح الباحث أن من المعالم الكبرى لسردية الكنز في التراث الشعبي بالمغرب، اقترانها بـ”عوالم الجن التي تحرس الكنوز، وتجعل كل من يقترب منها بدون فقه في خطر داهم”، في معنى “متوارث منذ سنين من جيل لجيل”، له صدى في “الثقافة الشعبية في تحليل المعيش لبعض الأفراد في المجتمع الذين غيّر حظهم في ثروة الكنوز واقعهم السوسيو اقتصادي”، مستحضرا في هذا السياق كتابات ابن خلدون، وحسن الوزان، ثم بول باسكون في القرن العشرين.

وبيّنت الورقة أن مصادر الكنوز، من بينها “المدافن، وهي قبور شخصيات وأسر مرموقة من أمم الروم ونحوه، تشير عاداتها وتقاليد إلى دفن موتها بدفن ثروتها معها التي قد تقدر بعشرات ومئات الأرطال من الذهب والتحف، تعود لآلاف السنين، بطرائق جد معقدة، وتترك شواهد منحوتة على الصخور، مثل رسمة العين والحصان والعجلة والدوائر… وغيرها (…) ومن يبحثون عن هذه الأمارات ويقرؤونها هم في الحقيقة ليسوا أشخاصا عاديين (…) هؤلاء أشبه بأركيولوجيين (علماء آثار) خبراء في عادات وتقاليد الدفن للمجتمعات القديمة، كالرومان ونحوهم”.

كما استحضرت الدراسة ما أورده ابن خلدون حول مؤلفات قديمة، هي “تقييدات” توصف فيها أمكنة دفن ثروة أسرة من الأسر، بعد وفاة مالكها الذي خبّأها في الطريق إلى الحج مثلا، ويوجد مختصّون في البحث عنها وفكّ إحداثياتها ورموزها.

وتقدر الورقة أن المدافن “حقيقة لها سجل تاريخي في جميع المجالات التي وصلت لها الحضارات القديمة، ونهب وسرقة هذه المدافن ليس بالأمر الجديد، فهي ظاهرة جد منتشرة في الأقطار العربية، وتصل سرقة المآثر القديمة ونفائسها مستويات عدة، ولعل الاستعمار لم يترك في جل الأقطار العربية التي احتلت إلا القليل من تلك المدافن التي كان لهم علم بها أكثر من سواهم… بل إن بعض المتاحف في العالم الغربي مليئة بتحف ومآثر تعود للعديد من مجالات الدول العربية والإسلامية؛ كالعراق وسوريا ومصر والمغرب وتونس… (ثم أمريكا بعد غزو العراق) وتعد أهمية هذه المدافن العلمية أكثر من قيمتها المادية، لكن الجهل المركب، وغشاوة طلب الثراء، تجعل الكنزيين مستعدين أن يبيعوا كل ما وجدوا ولو كانت قيمته خرجت من سلم الثمن العادي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى