أخبار العالم

نجمي يوثق لفن العيطة في المغرب


عن دار الثقافة للنشر والتوزيع، صدر للباحث والشاعر حسن النجمي عمله المرجعي المعنون بـ”غناء العيطة: الشعر الشفوي والموسيقى التقليدية في المغرب”، مرفقا بملاحق لما كتب حول هذا اللون الموسيقي وصور لرواده ومحطات عرفها، قدّمه الأكاديمي سعيد يقطين، قائلا إنه كتاب يضم “جهد الباحث العالم المدقق.”

نجمي الذي ناقش بحثَ دكتوراهُ حول فن العيطة، يوضّح الأكاديمي البارز سعيد يقطين أنه قد عاد في كتابه هذا إلى “كتب التاريخ، والتراث الشعبي، والموسيقى، واتصل برواد هذا الفن، وعايشهم، وتعرف على نمط حياتهم، وتمعن في أغانيهم، ووقف على جزئياتها وتفاصيلها. فكان باحثا أنثروبولوجيا، واجتماعيا، ونفسيا، وجماليا، فقدم لنا كتابا يجمع بين تقديم المعلومات التي لا يمكن الوصول إليها إلا بالتحري والبحث الدقيق”.

الأكاديمي يقطين، المهتم بالسرديات العربية والأدب الشعبي، خاصة المغربي منه، ذكر أن تميّز هذا الكتاب يكمن في “التركيز” على فن “العيطة”؛ بوصفه “فنا شعبيا وليد البادية المغربية، وليس المدينة كما نجد مع الملحون، مثلا، أو الطرب الأندلسي أو الغرناطي”، و”لما كانت البادية مهمشة طوال التاريخ المغربي لأسباب متعددة، ظل ما ينتج فيها من فنون قولية وصناعات محلية متصلة بمجالها الفضائي الضيق، عكس الصناعة التقليدية المدينية مثلا”.

لكن، “العيطة”، وفق المقدِّم، ظلت “لسان أهل البادية المغربية، يُعبّرون من خلال هذا الفن عن واقعهم، وآلامهم وأحلامهم. ولم يبدأ في الخروج، وتجاوز الفضاء الذي ظلّ يُنتَج ويُتَلقّى فيه إلا بعد الاستقلال مع التسجيلات الصوتية على الأسطوانات (…) وكان الراديو يقدم بين الفينة والأخرى وصلات غنائية من هذا الفن ذي الطابع البدوي. وساهمت التلفزة في تقديم العيطة، وخاصة المرساوية”.

هذا الخروج “وإن صادف هوى لدى الجماهير الشعبية المدينِية ذات الأصول البدوية، فإنه لم يلق من جانب آخر سوى الشجب والإدانة”، لأسباب كثيرة ثقافية وطبقية ومجتمعية وسياسية، بسطها الباحث، “كانت وراء تهميش فن العيطة”، و”إضفاء صورة سلبية” عليه، تغيّرت باضطراد بعد ذلك بعقود.

و”كانت أطروحة حسن نجمي فاتحة لهذا التغيير، فكشفت الحجاب الذي ظل يلف فن العيطة، ويغشيها منذ الاستقلال إلى التسعينات من القرن الماضي. وهذه هي القيمة الخاصة التي أضفاها هذا الكتاب على العيطة، ومن هنا تتحدد قيمته الطليعية بالقياس إلى أعمال محمد الفاسي وعباس الجراري وهما يشتغلان بالملحون الذي كانت له شرعية فنية متعارف ومجمع عليها. لقد أكسبها شرعية فنية شاملة لأنها كانت ذات شرعية خاصة تقتصر على من كبر في أحضان التمتع بعوالمها الفنية والجمالية والدلالية”، وفق مقدّم العمل الصادر في ما يقرب 700 صفحة.

وذكّر سعيد يقطين، وهو يقدّم للقرّاء هذه الطبعة الجديدة الثانية لأطروحة نجمي المحيطة بفن العيطة، بأجواء مناقشتها: “كانت (…) حدثا تاريخيا لم تشهد رحاب كلية الآداب له نظيرا إلا في الستينات أو السبعينات من القرن الماضي (…) تنوع الجمهور الذي تابع مناقشة أطروحة حسن حول فن العيطة، وكان من بينهم رواده المبدعون، وفنانون عصريون، وفي قطاعات المسرح والسينما، بالإضافة إلى أساتذة وطلبة باحثين. وفرضت كثافة الجمهور نقل فعاليات المناقشة إلى المكتبة الوطنية. وكان انطباع كل من تابع وقائعها أننا كنا أمام حدث تاريخي فعلا، وأطروحة متميزة”.

وبعد الطبعة الأولى التي صدرت في جزأين عن دار توبقال للنشر، ذكر يقطين في تقديمه للطبعة الجديدة عن “دار الثقافة” أن كتاب “غناء العيطة”، “كان، وسيظل، رائدا في بابه، وطليعيا في مجاله”، مردفا: “إني أضعه، بدون مبالغة، في مصاف الدراسات الرائدة التي انشغلت بالثقافة الشعبية المغربية. بل إنه رائد، ومتميز عن الدراسات الشعبية المغربية بسبب خصوصية الموضوع الذي اشتغلت به، وهو فن العيطة”.

كما سجّل أن هذا المرجع “ليس فقط كشفا للحجاب عن غناء شعبي أصيل له خصوصيته، تعرض للتهميش لأسباب غير وجيهة، ولكنه أيضا انتصار للثقافة الشعبية المغربية في تعددها وتنوع روافدها اللغوية، والبيئية والتاريخية”، ثم ختم بالقول: “وبذلك، يمكننا تأكيد أن الثقافة الشعبية المغربية مكون أساسي للثقافة الوطنية، وأن الاهتمام بها والبحث فيها تعزيز للثقافة العالمة، والجماهيرية، والتفاعلية. بل يمكن الذهاب أبعد من ذلك إلى أنها تجسد خصوصية الثقافة المغربية وأصالتها التي تستمدها من تاريخها، وواقعها، وصيرورتها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى