لماذا ينتظر سكان المدن الحدودية في ليبيا وتونس فتح معبر رأس جدير؟
- Author, نورة مجدوب
- Role, بي بي سي نيوز عربي
أبرمت ليبيا وتونس اتفاقا لإعادة تشغيل منفذ رأس جدير الحدودي بشكل كلي بدءً من الخميس المقبل، ما بعث ارتياحا في أوساط سكان عشرات المدن الحدودية على الجانبين، ممن يتكسبون من التجارة البينية غير الرسمية التي تمر عبره والتي تقدر بنحو نصف مليار دولار.
بعد أكثر من شهرين ونصف من غلق رأس جدير بقرار من الجانبين التونسي والليبي، وقع وزيرا الداخلية التونسي خالد النوري والليبي عماد الطرابلسي، الأربعاء الماضي، الاتفاق الأمني لإعادة تشغيل معبر رأس جدير في العاصمة الليبية طرابلس.
ورغم أن الاتفاق نص على تشغيل جزئي للمعبر الخميس 13 يونيو/ حزيران، وذلك لعبور الحالات الإنسانية والمستعجلة والطارئة والدبلوماسية، إلا أن هذا التشغيل الجزئي لم يحدث بسبب ما قيل عنه إنه “مشاكل تقنية على الجانب الليبي من المعبر”، بحسب مصادر مطلعة.
ويقع معبر “رأس جدير” في مدينة “بنقردان” بمحافظة مدنين جنوب شرقي تونس، ويبعد نحو 30 كيلو مترا عن مركز المدينة، وقرابة 180 كيلو مترا عن العاصمة الليبية طرابلس، ويمثل بوابة لنقل البضائع ومرور المواطنين.
ولن يبدأ مرور الشاحنات مع بدء تشغيل المعبر الخميس المقبل، ولكن سيعلن عن ذلك في وقت لاحق بعد الافتتاح الكلي للمنفذ، بحسب بيان الداخلية الليبية التي أوضحت أن معبر وازن البري مفتوح حالياً أمام حركة السفر للمواطنين وتنقل البضائع، لحين إعادة فتح منفذ رأس جدير.
وأوضحت السلطات الليبية أنه جاري العمل على انتهاء أعمال الصيانة والتجهيز للمعبر، وإجراء تغيير الكوادر الأمنية العاملة به والارتقاء بمستوى العمل وفق المعايير الدولية للمعابر.
وتضمن الاتفاق بين الطرفين فتح البوابات الأربع المشتركة بالمنفذ لدخول المسافرين وحل مشكلة تشابه الأسماء لمواطني البلدين، إضافة إلى الالتزام بفتح ستة مراكز للتسجيل الإلكتروني لسيارات المواطنين الليبيين، وعدم فرض أي رسوم أو غرامات مالية غير متفق عليها، وضبط المنفذ، وعدم وجود أي مظاهر مسلحة، حسب نص البيان.
وأغلق معبر رأس جدير منذ التاسع عشر من شهر مارس/ آذار الماضي لأسباب أمنية، بعد نشوب اشتباكات مسلحة على الجانب الليبي من قبل “خارجين على القانون”، حسب مصادر من كلا البلدين.
وتواصل الإغلاق إثر ذلك من الجانب الليبي، بسبب أعمال توسعة وتهيئة حسب نص بيان ليبي آنذاك.
تجارة غير رسمية
يقول رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير، لبي بي سي إن حجم المبادلات التجارية بين ليبيا وتونس تناهز 130 مليون دولار وإن حجم المداخيل من الجباية في المعبر يفوق 30 مليون دولار سنويا.
ويضيف عبد الكبير أن حجم المداخيل التي يدرها المعبر للخزينة التونسية هام للغاية.
ولا تتعلق خصوصية المعبر فقط بجانب السفر، بحسب عبد الكبير، إنما “يمثل إغلاقه أزمة حقيقية، فبغلقه يُحال الآلاف من الليبيين والتونسيين إلى البطالة”.
ويقول الناشط المدني التونسي إن حوالي 50 ألف تاجر “شنطة” يعملون عبر المعبر في التجارة البينية، عبر المسالك غير الرسمية بين تونس وليبيا، سنويا وهو مصدر رزق لعشرات الآلاف من العائلات في البلدين.
وأشار عبد الكبير إلى أن بعض التجار الصغار أو المواطنين يحملون بعض المواد الاستهلاكية لبيعها في ليبيا، ويجلبون مواد أخرى من الجانب الليبي ويكون التنقل في ذات اليوم، مبينا أن 70 مدينة تونسية و30 مدينة على الحدود الليبية تؤمن رزقها من التجارة البينية، التي تعد مصدر عيش لنصف مليون مواطن.
وقد تسبب إغلاق هذا المعبر في توقف حركة التجارة وتعطل حركة المسافرين، وهو ما تسبّب في اندلاع احتجاجات على الجانب التونسي، تطالب بإعادة فتح هذا المعبر الذي يعد أهم منفذ بري بين ليبيا وتونس، ما جعله عرضة للتنافس بين مجموعات مسلحة ليبية تسعى دوما للسيطرة عليه.
وأشار رئيس مجلس الأعمال التونسي الليبي، منير قزم، في وقت سابق إلى أن الحركة في المعبر توفر سنويا مداخيل بقيمة 90 مليون دينار (30 مليون دولار) لميزانية الدولة التونسية، تتنوع بين رسوم الجمارك على البضائع وتنقل الأشخاص عبر المعبر، الذي يستخدمه يوميا ما بين خمسة إلى عشرة آلاف مسافر، فضلا عن أربعة آلاف مركبة، وأكثر من 250 شاحنة ثقيلة لنقل البضائع يوميا كمعدل عام.
وفي السياق ذاته، يقول الصحفي الليبي المتخصص في الشأن الاقتصادي، محمد الحجاج، إن معبر رأس جدير يمثل أهمية كبيرة للبلدين على الأصعدة الانسانية والاجتماعية والاقتصادية إذ يستحوذ المعبر على 80 في المئة من حجم التجارة البينية بين البلدين، التي يسعى البلدان أن تبلغ 1.6 مليارات دولار مع حلول سنة 2025.
وأشار الحجاج إلى أن افتتاح معبر رأس جدير سيسهم في نشاط الحركة التجارية، للمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة القريبة على الحدود، بعد ما يتم إعادة فتح المعبر كليا وسط توقعات بزيادة حركة السياحة العلاجية والترفيهية، بالتزامن مع بداية فصل الصيف.
وساهم إغلاق رأس جدير في نشاط الحركة التجارية لمعبر ذهبية القريب من وازن في أقصى الجنوب التونسي، بحسب الحجاج.
“مكاسب للجميع”
يشير الناشط في المجتمع المدني في “بنقردان”، عادل ناجي، إلى فرحة السكان بالمدينة الحدودية بعودة نشاط المعبر لتعود من خلاله تجارتهم وعودتهم إلى العمل من جديد.
ويؤكد ناجي أن حالة من الركود سادت المدينة بسبب إغلاق المعبر، حيث تزامن معه إغلاق عديد من المحال التجارية أبوابها مؤقتا وبات الكثيرون من دون عمل، ما ترك أثرا اقتصاديا واجتماعيا سلبيا كبيرا.
ويعمل السكان في “بنقردان” في التجارة البينية التي تعد غير قانونية بسبب غياب التنمية أو المشروعات الاقتصادية التشغيلية، فيما تتغاضي السلطات عن ذلك لعجزها عن توفير فرص عمل بالمنطقة، بحسب ناجي.
ويعمل صغار التجار في المدينة على جلب البضائع، من ملابس وأجهزة إلكترونية وغيرها، من المدن الليبية وبيعها في المدن الحدودية لتجار آخرين قادمين من شتى المدن التونسية، أو للمواطنين المتنقلين عبر المدن في سوق حدودي يسمي “سوق ليبيا”، دون رقابة جمركية.
وأدى غلق المعبر إلى حالة من الشلل التجاري في مدن الجنوب التونسي، ومدن غرب ليبيا أيضا، التي منيت بخسائر اقتصادية كبيرة جراء توقف البضائع والسلع الحيوية إلى مدن زوارة والجميل وصبراتة والزنتان، فضلا عن توقف عبور المرضى للعلاج في تونس.
وبحسب المرصد التونسي لحقوق الإنسان، فإن نحو ثلاثة أرباع الليبيين يثقون في قطاع الصحة في تونس، وينتظرون إعادة فتح المعبر للقدوم للمصحات ومباشرة العلاج فيها.
وقدر تقرير للبنك الدولي المبادلات التجارية بين تونس وليبيا بـ 1.5 مليار دينار تونسي سنويا. وتمثل التجارة البينية أكثر من نصف المبادلات التجارية مع ليبيا، حيث تمر غالبية السلع بشكل غير رسمي عبر معبر رأس جدير.