أخبار العالم

الغلاء في الأسواق المغربية يضع “العيد الكْبير” في كفة الميزان


مناسبةٌ مميزةٌ ينتظرها المغاربةُ مرةً في السنة، تُفتحُ الأسواقُ لبضاعةٍ من نوعٍ خاص، أكباشٌ وأغنامٌ يتم تجهيزها طيلةَ العامِ خِصيصا لهذا اليوم.. عيدُ الأضحى. لكنَ العيدَ تحولَ من مناسبةٍ دينيةٍ إلى استهلاكيةٍ بامتياز.

هذه السنة لا حديثَ إلا عن غلاءٍ قَهر المواطنَ البسيط، أما الأسبابُ فتعددت واختلفت. هسبريس انتقلت إلى عددٍ من أسواقِ البلادِ، فكانت الكلمةُ مُوحدةً، توالي سنوات الجفاف كان له تأثيرٌ كبيرٌ على القطيع.

تكررت شكاوَى مربي وبائعي الأغنام: “الجفاف أدى إلى نقص إنتاج الأغنام، ناهيك عن غلاء الأعلاف بشكل مضاعف جدا”.

وضعيةُ الأسواقِ اليومَ ليست وليدةَ اللحظة، فالإعدادُ لعيدِ الأضحى ينطلقُ قبلَ أشهرٍ طويلةٍ. مساراتٌ مُختلفةٌ تَسلكها الأُضحيةُ قبلَ الوُصولِ إلى المواطن. حاولنا تتبعَ هذا المسارِ، بدايةً من أول الخيط. قبل أسابيعَ زُرنا ضيعة فلاحيةَ تُزودُ عددا من بائعي الجُملة الذين يَنقلون الأضاحي للأسواق.

أحمد الراشيدي، مسير ضيعة فلاحية، قال إن عملية الإعداد لعيد الأضحى تتم عبر مراحلَ، بداية من اقتناء أضاحٍ صغيرةٍ، كان ثمنها مرتفعا هذا العام أكثر من السنوات الماضية، ما سيؤثر على ثمن بيعها.

وقال الراشيدي إن هذه الأغنام يتم تجهيزها طوال أسابيعَ طويلة، وتتطلب أعلافا ومتابعة بيطرية قبل بيعها بالجملة لمن سينقلها إلى الأسواق الوطنية، وزاد: “الكبش ‘الصردي’ مثلا يستهلك من 8 إلى 10 دراهم في اليوم، وبالتالي فمن يقتنيه له أيضا مصاريف ستؤثر على ثمن البيع النهائي”.

وانتقلت الأغنامُ من مكان إلى آخر، وعند كل انتقالٍ يُرتفع ثمنها، فالسوق يتحكم فيها عددٌ من الفاعلينَ، كلهم لهم رغبةٌ في الربح، وقانونُ العرضِ والطلبِ هو الذي يظل مُتحكِمًا في الثمنِ النهائي .

عواملُ مُركبةٌ تتدخل في تحديد أسعارِ الأضاحي، وإن كان للجفافِ التأثيرُ الأكبر فالانتقاداتُ تطالُ أيضا سياساتِ تدبيرِ القطاع بشكلٍ عام، وسط ما يُسميها البعضُ أزمةَ لحومٍ حمراء.
وفي هذا الإطار تحدث بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، عن أن “المخطط الأخضر أعطى نتائج إيجابية في ما يتعلق بالمنتج المصدر، لكن في ما هو داخلي، وخاصة تربية المواشي، كان هناك تهميش غير مقصود”، مؤكدا أن “الأمر انعكس بشكل واضح، إذ تحولت عدد من ضيعات تربية المواشي إلى إنتاج الأفوكادو والفواكه الحمراء”.

وأضاف الخراطي: “هي أزمة لحوم حمراء عاشها المغرب على مدى السنتين الماضيتين، ولا يمكن حلها إلا بعد مرور خمس سنوات على الأقل”.

وانطلقت قبلَ أشهرٍ عمليةُ ترقيمِ المواشي المعروضةِ في الأسواق، التي خضعت لمراقبةٍ من قبلِ مصالحِ المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية؛ فيما أكدت الحكومةُ أكثرَ من مرةٍ أن العرضَ المتوفرَ من الأضاحي يفوقُ الطلبَ بكثير، كما أكدت أن الحالةَ الصحيةَ للقطيعِ الوطني جيدةٌ، بفضل التتبع والمراقبة الصحية وحمايته من الأمراض المعدية؛ فعمليات مراقبة الأعلاف والأدوية البيطرية المستعملة في تغذية أضاحي العيد بلغت أزيدَ من ألفٍ وأربعِ مائة عمليةٍ إلى نهايةِ ماي الماضي.

وأوصى خالد بلفلاح، طبيب بيطري بالمصلحة البيطرية لسيدي سليمان، التابعة لـ”أونسا”، بضرورة اقتناء الأضاحي التي تم ترقيمها وتحمل حلقة صفراء، موردا: “تتم عملية ترقيم الأغنام والماعز المعدة لعيد الأضحى باستخدام حلقة بلون أصفر تحمل رقما تسلسليا وحيدا لكل حيوان، بالإضافة إلى عبارة عيد الأضحى. هذه العملية تمكن المواطن من اقتناء أضحية مرقمة يمكن تتبع مسارها عند الضرورة”.

وأشار بلفلاح إلى أنه “مع اقتراب عيد الأضحى يقوم المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بتعزيز المراقبة التي تشتمل بالخصوص على مراقبة جودة مياه الأضاحي، وجودة الأعلاف، والماشية، وكذلك الأدوية المستعملة في وحدات التسمين؛ بالإضافة إلى مراقبة تنقلات فضلات الدجاج التي تتم عبر ترخيص من طرف المصالح البيطرية”.

وتتحدثُ وزارةُ الفلاحة عن احتمال أن يصل العرضُ الوطنيُ من الأضاحي هذه السنة إلى سبعة فاصلة ثمانية ملايين رأس، منها ستة فاصلة ثمانية ملايين رأس من الأغنام، ومليون رأس من الماعز؛ في حين أن الطلب المرتقب يقدر بحوالي ستةِ ملايينِ رأسٍ، منها خمسة فاصلة أربعة ملايين من الأغنام وستُ مائة ألف من الماعز.

ووصل الاستيراد من الخارج إلى أربعِ مائة وخمسين ألف رأس بنهاية ماي الماضي، في وقت تطمح الوزارة إلى استيراد ما يصل إلى ستِ مائة ألف رأس للرفع من العرض والاستجابة للطلب والتخفيف من الضغط على الماشية الوطنية؛ على أن تتزايد هذه الأرقام خلال الأيام المقبلة.

وفي هذا الإطار قال محمد جدري، خبير اقتصادي، إن “عيد الأضحى يأتي في سياق مختلف، لأن المغرب يعاني من موجة تضخمية منذ أبريل 2021، أثرت بشكل كبير على مجموعة من السلع أو مجموعة من الخدمات، وبالتالي حتى القطيع الحيواني تدهور بشكل كبير منذ سنة 2022”.

وتابع جدري: “العرض من القطيع الحيواني لا يوازي الطلب بالنسبة للسوق المحلية، وهو ما جعل الحكومة تتجه للمرة الثانية على التوالي إلى استيراد مجموعة من الأكباش من الخارج”، معتبرا أن “هذه السنة ستكون هناك زيادة ما بين 500 و700 درهم في الأضحية”.

مناسبة استهلاكية رئيسية تترتب عليها تحملات مالية مهمة، فبحسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط تمثل أضحية عيد الأضحى حوالي ثلاثين بالمائة من إجمالي النفقات السنوية للأسر المغربية المخصصة لاستهلاك اللحوم، ويقدر متوسط الاستهلاك السنوي للأسر المغربية من اللحوم بمختلف أنواعها بمائة وواحد وأربعين كيلوغراما، منها خمسة وخمسين فاصلة ثمانية كيلوغرام من اللحوم الحمراء. ويبلغ متوسط كمية اللحوم المستهلكة من أضحية عيد الأضحى حوالي واحد وأربعين بالمائة من الكمية السنوية من اللحوم الحمراء التي تستهلكها الأسر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى