أسر ميسورة لا تمارس شعيرة عيد الأضحى .. أرقام مندوبية التخطيط تثير جدلا
بينما أكدت أرفعُ مؤسسة إحصائية وطنية بالمغرب أن “ممارسة شعيرة عيد الأضحى مازالت سائدة في المجتمع المغربي”، مستدلة بنتائج “البحث الوطني حول مستوى معيشة الأسر الذي أجرته مندوبية التخطيط سنة 2022″، الذي خلُص إلى أن “حوالي 13% فقط من الأسر المغربية لا تمارس هذه الشعيرة”، مع “ارتفاع هذه النسبة بعدما كانت مستقرة في 4,7% سنة 2014″، (أي قبل 10 سنوات)، وبينما يطفو، خلال الأسبوع الأخير الذي يسبق عيد الأضحى، نقاش قديم–متجدّد حول “توازنات السوق بين العرض والطلب” و”غلاء الأضاحي”، أماط العدد 30 من “مختصرات التخطيط brefs du plan”، الذي طالعته جريدة هسبريس، (المنجَز من طرف 3 باحثين بالمندوبية هم سھام الزراري، سناء الإدريسي البوزيدي وخلید السودي) عن معطيات دالة تؤشّر على “تغيّر عادات المغاربة” خلال واحدة من أكثر المناسبات الدينية–الاجتماعية قداسة.
ومن بين أبرز هذه المعطيات “ارتفاع” لا تخطئه العيون لـ”نسبة الأسر التي لا تضحّي في ‘العيد الكبير’ بشكل رئيسي بين سكان المدن والأسر المكونة من شخص واحد”؛ بينما تبلغ هذه النسبة 14,3% في المدن مقابل 8,7% في القرى، (مقابل 5,9% و2,5%، على التوالي، سنة 2014).
وفي ما يشبه “علاقة جدلية”، يستحضر باحثو الـHCP “انخفاض ممارسة الأسر شعيرة الأضحية مع ارتفاع مستوى المعيشة والمستوى التعليمي لربّ الأسرة”، (25,1% من الأسر الأكثر يُسراً لا تقوم بممارسة شعيرة عيد الأضحى، مقابل 7,8% بين الأسر الأقل يسرا، كما تنتقل نسبة عدم الممارسة من 20,1% بالنسبة لأرباب الأسر الذين يتوفرون على مستوى تعليم عالي إلى 11,7% بالنسبة للذين ليس لديهم أي مستوى تعليمي).
هكذا ينفق المغاربة على اللحوم
أضحية عيد الأضحى، المحتفى به يوم 17 يونيو هذه السنة بالمغرب، تمثل بحسب التقديرات الرسمية “حوالي 30% من إجمالي النفقات السنوية للأسر المغربية المخصصة لاستهلاك اللحوم (41% بين الأسر التي تنتمي إلى %10 الأقل يُسرا و23% من بين الأسر الأكثر يسرا)”.
أما متوسط الاستهلاك السنوي للأسر المغربية فقدّرَته المندوبية بـ 55,8 كيلوغرامات من اللحوم الحمراء، بينما يبلغ متوسط كمية اللحوم المستهلكة من أضحية عيد الأضحى 22,8 كيلوغرامات لكل أسرة، وهو ما يمثل حوالي 41% من الكمية السنوية من اللحوم الحمراء التي تستهلكها الأسر. وتبقى هذه النسبة ثابتة حسب وسط الإقامة، وتبلغ 65,4% بين 20% من “الأسر الأقل يُسرا” و31,3% بين الأسر “الأكثر يسرا”.
“رقعة العزوف تتّسع”
تعليقا على الموضوع وتفاعلا مع الأرقام أكد عبد العالي رامو، رئيس “الجمعية الوطنية لبائعي اللحوم الحمراء بالجملة”، معطى “العزوف المستمر من طرف بعض شرائح المغاربة الذين ليسوا بالضرورة ميسورين، بل من الطبقات الهشة أيضا”.
وقال رامو، مصرحا لهسبريس، إن “رقعة الأسر التي لا تمارس شعيرة الأضحى من المحتمَل بقوة أن تكون في اتساع مستمر، خاصة بعد موجات جفاف حاد متواصل للسنة السادسة على التوالي، وعدم تغطية الاستيراد للطلب بالشكل الكافي وعوامل أخرى متراكمة أبرزها تداعيات التضخم متعدد الأبعاد الذي أدى إلى غلاء الأغنام وكذا غلاء اللحوم الحمراء”.
واستدل المهني ذاته بأن “دينامية رفع الأجور بالبلاد لم تُواكب ارتفاعات متتالية شهدتْها أسعار اللحوم الحمراء، خاصة من الأغنام، ثم الأبقار، في العامين الأخيرين؛ أي بعد آخر بحث وطني منجز حسب الأرقام المقدمة من طرف المندوبية”، واصفاً في تجاوبه مع هسبريس الأمر بـ”عزوف حتى عن شراء اللحوم الحمراء، وهو ما لمسناه كمهنيين”، حسب إفادته.
وناقش المهني ذاته ما وصفه بأن “التناقض يتكشف خاصة عند الحديث عن ارتفاع متوسط استهلاك اللحوم الحمراء بالمغرب لكل فرد من 11 كيلوغراما سنوياً في 2006 إلى 18 كلغ وصلنا إليها مؤخرا، بينما كان طموح سياسات ومخططات فلاحية أعلنتها الحكومات المتعاقبة هو نطاق بين 20 إلى 22 كيلوغراما لكل فرد”، رافضاً أن يكون “الجفاف هو المبرّر أو المشجب الذي يعلّق عليه فشل سياسات عمومية” ومخططات قال إن “العمل مازال جاريا لتحقيقها”.
وباستحضاره أرقام المندوبية دعا رئيس الجمعية الوطنية لبائعي اللحوم الحمراء، التي تشغل عضوية “الفدرالية البيمهنية للحوم الحمراء بالمغرب” إلى “تقييم حصيلة المخطط الأخضر بمختلف مراحله السابقة 2008–2014 و2014-2020، خاصة في ما يخص أهداف عقد البرنامج المتعلق باللحوم الحمراء، إنتاجاً واستهلاكاً وتسويقاً”.
وختم المتحدث بأن “معطيات وفرة العرض في سوق أضاحي هذه السنة، المعلن عنها من طرف الجهات الرسمية وجمعية مربّي الأغنام، تطرح سؤال جدوى الاستيراد الذي تم للعام الثاني توالياً، في ظل توقعات بزيادة سعر الأضحية بحوالي 20% عن سعر أضحى 2023 فقط”.
حماة المستهلك: “تقديرات نسبية”
عبد الرزاق بوقنطار، رئيس جمعية حماية المستهلك بالمحمدية، نسجَ تعليقه غيرَ بعيد عن التصريح السابق، مسجلا في البداية ملاحظة حول “منهجية الإحصائيات التي لا تكون معبّرة دائماً عن حقيقة الواقع، بل هي أرقام ناتجة وفق تقديرات نسبية بناءً على عيّنات إحصائية لا يمكن أن تعكس الوضع الراهن، خاصة في ظل عدم تحيينها أو ضعف تغطيتها التراب الوطني”.
ولفت بوقنطار، الذي يشغل مهمة الكاتب العام للجامعة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك بالمغرب (FNAC Maroc، إلى أن “الدخل السنوي للأسر أو للفرد بالمغرب وإنْ كان عرف تطوّرا تدريجياً في العقد الأخير خصوصا إلا أن تزامن مناسبات ‘العيد الكبير’ وعطلة الصيف والدخول المدرسي، دون نسيان رمضان، أثقل فعليا جيوب المغاربة المستهلِكِين، خاصة من ذوي الدخل المحدود والمتوسط”.
وتابع المتحدث معلّقا، في حديث لهسبريس، بأن “نسبة 13 في المائة ممن لا يمارسون الشعيرة ربما تكون ممثِّلة لفئات متوسطة الدخل بعدد من المدن الكبرى والأحياء، غيرَ عاكسة واقع حال معظم المغاربة الذين عانوا مع تضخم رهيب في العامين الماضيين”، مُقدّرا أن “رقعة التفاوتات السوسيو-اقتصادية قد تزداد اتساعاً إثر ارتفاع مصاريف خدمات صارت من الضروريات، فضلا عن الأضحية”.
هذا النوع من “التضخم الشامل”، بحسب وصف بوقنطار، دفع المستهلك إلى أن “يصير أكثر ليبرالية، إلى درجة أن يعزُف عن شعيرة دينية لأن قوته الشرائية تنعدم؛ ما يضطرّه ليُضحّي بالشعيرة في سبيل مواكبة متطلبات/توازنات الميزانية السنوية لأسرته”.
وأثار الفاعل في مجال حماية الاستهلاك ما سماها “مسؤولية الحكومة في مراقبة وتوجيه أهداف عملية استيراد الأغنام”، قائلا إن “الأصل والمفروض أن تتم من أجل تقوية وتحسين القطيع الوطني، وليس توجيهها للذبح”.