رحلات أبولو: من هم رواد الفضاء الذين مشوا على سطح القمر ولا يزالون على قيد الحياة؟
- Author, بين فيل
- Role, بي بي سي
شهدت فترة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي مشاركة 24 من رواد الفضاء في رحلات “أبولو” التي أطلقتها وكالة ناسا الأمريكية بهدف استكشاف القمر.
والآن، بعد مرور ما يزيد على 50 عاما، تحتدم المنافسة من جديد من أجل إعادة إرسال البشر إلى سطح القمر.
وتعتزم شركات خاصة إرسال مركبات علمية إلى القمر في عام 2024، من بينها شركة تعرف باسم “بيريغرين”، واجهت مشكلة بعد وقت قصير من إطلاق مركبتها، وبينما وصلت مركبتها الثانية إلى سطح القمر، كُسر واحد من أعمدتها أثناء الهبوط.
وكانت وكالة “ناسا” قد وضعت خطة تهدف إلى إطلاق مهمة أطلقت عليها “أرتميس 2″، وهي أول رحلة استكشافية تحمل رواد فضاء إلى القمر منذ رحلة “أبولو 17″، في وقت لاحق من العام الجاري، بيد أن الموعد تأجل إلى عام 2025، وتقول “ناسا” إنها تحتاج إلى مزيد من الوقت للاستعداد.
يأتي ذلك في وقت تواصل فيه شركات مثل “سبيس إكس” و”بوينغ” تطوير تكنولوجيا خاصة بها.
وتأمل ناسا أن يكون برنامج أرتميس بداية مرحلة تتميز بإقامة رواد فضاء على سطح القمر خلال هذا العقد، كما تهدف الصين إلى وصول روادها إلى سطح القمر بحلول عام 2030، بعد هبوط مسبار على الجانب البعيد من القمر في يونيو/حزيران.
وسلط هذا التأخير الضوء على حقيقة مؤسفة وهي قلة عدد رواد الفضاء الذين شاركوا في رحلات أبولو ولا يزالون على قيد الحياة.
وتوفي رائد فضاء رحلة “أبولو 8” ويليام “بيل” أندرس في يونيو/حزيران 2024 الجاري بعد أسابيع فقط من وفاة توماس ستافورد، الذي تولى قيادة رحلة “أبولو 10″ في عام 1969 ومشروع اختبار” أبولو-سويوز” في عام 1975.
ويقال إن أندرس كان يقود الطائرة التي تحطمت وتوفي فيها، عن عمر ناهز 90 عاما، هو دليل على أن روح المغامرة التي دفعته إلى استكشاف الفضاء لم تضعف مع تقدمه في السن.
ولم يتبق حاليا سوى ستة أشخاص فقط، استطاعوا الهروب من الأمان النسبي لمدار الأرض وغامروا في رحلات استكشافية عميقة في الفضاء، فمن هم وما هي قصصهم؟
باز ألدرين (أبولو 11)
في 21 يوليو/تموز 1969، خرج الطيار المقاتل السابق إدوين “باز” ألدرين من مركبة الهبوط على سطح القمر وأصبح ثاني شخص تطأ قدماه سطح القمر، بعد أن سبقه قبل 20 دقيقة تقريبا، قائده نيل أرمسترونغ، الذي اشتهر بأنه أول شخص يطأ سطح القمر.
كانت كلمات ألدرين الأولى: “منظر جميل”.
وسأل أرمسترونغ “أليس كذلك؟ إنه منظر رائع هنا”.
أجاب ألدرين: “عزلة رائعة”.
لم تكن حقيقة أنه ثاني شخص يطأ سطح القمر مريحة بالنسبة له، وقال زميله مايكل كولينز إن ألدرين “استاء من عدم وجوده الأول على القمر أكثر من تقديره لكونه ثاني شخص”.
بيد أن ألدرين ظل فخورا بإنجازه، وبعد سنوات عديدة، عندما ادّعى رجل أن أبولو 11 كانت كذبة متقنة، وجه ألدرين، البالغ من العمر 72 عاما في ذلك الوقت، لكمه إلى وجه الرجل.
وبعد وفاة نيل أرمسترونغ عام 2012، قال ألدرين: “أعلم أن ملايين آخرين من جميع أنحاء العالم يشاطروني الحداد على وفاة بطل أمريكي حقيقي وأفضل قائد عرفته على الإطلاق”.
وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهها في حياته لاحقا، لم يفقد ألدرين مطلقا تعطشه للمغامرة، وشارك في رحلات استكشافية إلى القطبين الشمالي والجنوبي، وكانت آخر تلك الرحلات وهو في عمر 86 عاما.
ظل ألدرين مدافعا عن برنامج الفضاء، لا سيما الحاجة إلى استكشاف المريخ.
ويقول: “لا أعتقد أنه ينبغي لنا الذهاب إلى هناك والعودة فحسب، لقد فعلنا ذلك مع أبولو”.
وأصبح اسم ألدرين معروفا للأجيال الجديدة باعتباره مصدر إلهام لفيلم “باز لايتيير Buzz Lightyear ” ضمن سلسلة أفلام “قصة لعبة Toy story”.
تزوج ألدرين في يناير/كانون الثاني عام 2023، للمرة الرابعة، وهو يبلغ من العمر 93 عاما.
تشارلز ديوك (أبولو 16)
لا يوجد سوى أربعة أشخاص فقط على قيد الحياة ساروا على سطح القمر، من بينهم تشارلز ديوك عندما كان يبلغ من العمر 36 عاما، لذلك يعد أصغر رائد فضاء تطأ قدمه سطح القمر.
وفي مقابلة لاحقة مع بي بي سي، تحدث عن “تضاريس مذهلة”.
وقال: “جمال رائع… تناقض حاد بين سواد الفضاء وأفق القمر… لن أنساه أبدا، المنظر دراماتيكي للغاية”.
بيد أن ديوك لعب بالفعل دورا مهما آخر في استكشاف ناسا للقمر، فبعد هبوط مركبة “أبولو 11” في عام 1969، كان ديوك – الذي تولى مراقبة المهمة – ينتظر بعصبية على الطرف الآخر من الخط عندما قال نيل أرمسترونغ: “هيوستن، القاعدة هنا، المركبة (نسر) هبطت”.
وقال ديوك لبي بي سي في وقت لاحق: “كنت أحبس أنفاسي في اللحظة الأخيرة أو نحو ذلك”.
وفي عام 2022، قال ديوك لبي بي سي إنه متحمس لمهمة أرتميس التابعة لوكالة ناسا، لكنه حذر من أن المهمة لن تكون سهلة على الجيل الجديد من رواد الفضاء.
وأضاف: “اختاروا موقعا بالقرب من القطب الجنوبي للهبوط، لأنه إذا كان هناك أي جليد على القمر، فسيكون موجودا في تلك المنطقة. لذلك سيكون الأمر صعبا، لأن الجو بالغ الصعوبة حقا هناك، لكننا سننجح في ذلك”.
ويعيش تشارلز ديوك الآن على مشارف سان أنطونيو، في تكساس، مع زوجته دوروثي، التي تزوجها منذ 60 عاما.
فريد هايز (أبولو 13)
كان فريد هايز أحد أفراد طاقم “أبولو 13” الذين نجوا بأعجوبة من كارثة في عام 1970 بعد أن أدى انفجار على متن المركبة إلى إلغاء المهمة، وكانت المركبة على بعد ما يزيد على 200 ألف ميل (321 ألف كيلومتر) من الأرض.
وشاهد العالم كله بتوتر محاولة وكالة ناسا إعادة المركبة الفضائية المتضررة وطاقمها بأمان، وبمجرد عودتهم، أصبح هايز وزملاؤه جيمس لوفيل وجاك سويغيرت من المشاهير.
وقال هايز لمقدم البرنامج الحواري، جوني كارسون، الذي استضاف الطاقم في برنامج “تونايت شو”: “أشعر أنني ربما فاتني شيء ما أثناء وجودي هناك”.
لم يذهب هايز إلى سطح القمر على الإطلاق، على الرغم من أنه كان من المقرر أن يكون قائد مركبة “أبولو 19″، إلا أن تلك المهمة ألغيت بسبب خفض الميزانية، كما حدث مع جميع الرحلات الأخرى بعد “أبولو 17”.
عمل هايز لاحقا كطيار اختبار على النموذج الأولي لمكوك الفضاء “إنتربرايز”.
ومثل العديد من زملائه الذين شاركوا في برنامج أبولو الفضائي، واصل هايز، بعد تركه وكالة ناسا، العمل في مجال الطيران حتى تقاعده.
جيمس لوفيل (أبولو 8، أبولو 13)
صنع لوفيل وبورمان وأندرس التاريخ عندما قاموا بأول رحلة للقمر على متن مركبة “أبولو 8″، واختبروا وحدة القيادة/الخدمة وأنظمة دعم الحياة الخاصة بالمهمة استعدادا لهبوط مركبة أبولو 11 لاحقا.
استطاعت مركبتهم بالفعل إتمام 10 مدارات حول القمر قبل العودة إلى الأرض، وكان من المفترض لاحقا أن يكون لوفيل خامس شخص يمشي على سطح القمر كقائد لمركبة “أبولو 13″، لكن ذلك لم يحدث إطلاقا.
بيد أن فيلم سينمائي بعنوان “أبولو 13″، بطولة توم هانكس، خلّد قصة مواجهته للموت.
وبعد تقاعده من وكالة ناسا عام 1973، عمل لوفيل في مجال الاتصالات، وتوفيت زوجته مارلين، بعد زواج دام ما يزيد على 60 عاما، في أغسطس/آب 2023.
ويعد جيمس لوفيل واحدا من ثلاثة رجال فقط سافروا إلى القمر مرتين، وبعد وفاة فرانك بورمان في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أصبح أكبر رائد فضاء على قيد الحياة.
هاريسون شميت (أبولو 17)
على نقيض معظم رواد الفضاء الآخرين في ذلك الوقت، لم يكن شميت تابعا للقوات الأمريكية.
كان جيولوجيا وأكاديميا، عمل في البداية في إرشاد رواد فضاء وكالة ناسا بشأن ما يجب البحث عنه أثناء رحلاتهم الميدانية الجيولوجية على سطح القمر قبل أن يصبح هو نفسه عالما ورائد فضاء في عام 1965.
كان شميت عضوا في آخر مهمة مأهولة إلى القمر “أبولو 17” ومعه القائد يوجين سيرنان، أحد آخر رجلين تطأ قدماه سطح القمر، في ديسمبر/كانون الأول 1972.
أنتُخب شميت، بعد تركه وكالة ناسا في عام 1975، عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية نيو مكسيكو، مسقط رأسه، لكنه خدم لفترة ولاية واحدة فقط، عمل بعدها مستشارا في قطاعات مختلفة فضلا عن استمراره في المجال الأكاديمي.
ديفيد سكوت (أبولو 15)
ديفيد سكوت، قائد “أبولو 15” واحد من أربعة رجال فقط على قيد الحياة ممن مشوا على سطح القمر، كما يعد من أوائل الذي قادوا طوّافة على سطحه.
ففي عام 1971، اختبر سكوت وزميله جيمس إيروين المركبة القمرية الطوّافة، “عجلات الإنسان الأولى على القمر” كما كان يطلق عليها في ذلك الوقت، وتحركا بها بسرعات وصلت إلى 8 ميل في الساعة (12 كم / ساعة)، وسمحت الطوّافة لرواد الفضاء التنقل لمسافات كبيرة من مركبة الهبوط على سطح القمر بشكل أسرع بكثير من المشي.
ويتذكر سكوت لاحقا: “في المهمة الأولى، لا تعرف إطلاقا إذا كانت ستنجح أم لا، كانت أعظم لحظة هي إخراجها وتشغيلها وقد نجحت المهمة بالفعل”.
بعد عودته من القمر، عمل سكوت في مناصب إدارية مختلفة داخل وكالة ناسا، قبل أن يعمل في القطاع الخاص، كما عمل مستشارا في العديد من مشاريع الأفلام والتلفزيون، بما في ذلك فيلم “أبولو 13” ومسلسل “من الأرض إلى القمر” من إنتاج قناة “إتش بي أو”.