أخبار العالم

“كحول الفقراء” .. عائلات تبكي الضحايا وتروي تفاصيل فاجعة علال التازي


الساعة تشير إلى التاسعة ليلا من يوم الثلاثاء 4 يونيو والأهالي مازالوا مرابطين أمام مستشفى الإدريسي أو “صبيطار الغابة” كما يحلوا لسكان القنيطرة تسميته، وسط ترقب شديد، تكسر صمته صرخات أم ونحيبها على ابنها الذي أحضرته توّاً إلى المستشفى في وضع صحي حرج بسبب مضاعفات ما ارتشف من كؤوس “الماحيا” المسمومة خلال نهاية الأسبوع رفقة زملاء له بالجماعة القروية علال التازي التابعة لإقليم القنيطرة مترامي الأطراف.

حال هذه الأم التي تضرب خدها وتصرخ بأعلى صوت “ولدي مبغيتوش يموت” و”ياربي تشافيه وتعافيه”، لخص مشهد الحزن ورائحة الموت التي تعم المكان، وأنسى النسوة اللائي يعشن على أحر من الجمر ترقبا لمصير أولادهن الذين ضاقت بهم غرف وأسرة مستشفى الإدريسي “البئيس”، حالهن ودفع بعضهن للتعاطف مع الأم المفجوعة والمبادرة إلى مواساتها والتخفيف عنها.

وجوه شاحبة وعيون شاخصة تبين حجم الصدمة وهولها على القرويين الذين حملوا أبناءهم وإخوانهم وأفراد عائلاتهم في سيارات الإسعاف والسيارات الخاصة، على أمل إنقاذ أرواحهم من السم الذي يفتك بدواخلهم، بعدما جعلت “الماحيا” المسمومة جماعتهم القروية وأحوازها محط أنظار المغاربة، المترقبين للعدد النهائي للضحايا المحتملين.

بداية القصة

بداية الكابوس الذي استفاقت عليه مدينة القنيطرة وضواحيها، كانت يوم السبت الماضي، حيث قرر العديد من شباب المناطق القروية المجاورة لقرية علال التازي أن يحتسوا “شراب الفقراء” أو “الماحيا” كما العادة بالنسبة للبعض، وبدافع التجربة والاكتشاف بالنسبة لآخرين، من دون أن يخطر ببال أحدهم أنها ربما تكون “سكرة” الوداع.

مصطفى، شاب في عقده الرابع صادفته هسبريس أمام المستشفى مهموما ينتظر معرفة مصير عزيز عليه، بادرنا بسؤاله عن سبب قدومه إلى المستشفى، فأجاب: “جئنا بابن أختي بعدما اشتكى من آلام شديدة في بطنه”، وأضاف: “نحن في وضع لا نحسد عليه، هذا الابن الوحيد لأختي ولا يتجاوز عمره عشرين سنة. جئنا جميعا لنرى ما سيحدث؟”.

وسجل مصطفى أن الإقليم بأكمله يعيش تحت هول “الصدمة” والفاجعة التي ألمت بعشرات الأسر، قائلا: “لا نعرف كيف حصل ذلك، الكثير من الشباب وجدوا أنفسهم يصارعون الموت بسبب الماحيا”، معتبرا أن هذا الأمر غريب بعض الشيء لأن الكثير منهم تعودوا على استهلاك “ماء الحياة” من الموزع نفسه، قبل أن يختم والتوجس بادٍ على محياه: “ليس باليد حيلة سوى الدعاء لهذا الشاب وأمه على أمل أن نستفيق على خبر تحسن وضعه”، وهو حال العديد من العائلات التي وفدت على مستشفى الإدريسي.

مستودع الأموات

في الجهة المقابلة للمستشفى ينتصب مستودع الأموات الذي يحوي جثث من قضوا في الفاجعة الأليمة، امرأة رفقة زوجها وأبنائها الثلاثة تستعطف رجال الأمن وموظفي المستودع من أجل التأكد من جثة أخيها، ذي الـ22 ربيعا، الذي بلغهم أنه كان من بين ضحايا الشراب “القاتل”.

بعد أخذ ورد، سمح للمرأة بإلقاء نظرة على الجثث التي ضاق بها المستودع من أجل التعرف على أخيها، لتتأكد أن الموت خطفه بعيدا عن أهله وأسرته التي تستقر في “العوامرة” قرب مدينة القصر الكبير، وتنهار باكية حزينة على فراق أخيها الذي استقر معها منذ مدة في مدينة القنيطرة.

يحكي زوج أخت الهالك بحسرة لهسبريس: “كان مثل ابني، يشتغل بائعا للخضر والفواكه، قبل أن يقرر المغادرة والالتحاق بسوق حْد وْلادْ جلول المعروف بالإقليم ويمارس نشاطه مع بعض الشباب”.

تبكي أخت الضحية وأبناؤها بحرقة على وفاته، وتقول: “ذاك أخي، قبلته ولمسته بيدي وملابسه ملقاة بجانبه، وهي التي شوهد بها في سوق الحد، يارب صبرني يا رب صبرني.. آش غادي نقول لدارنا”، وذلك في عتاب منها لنفسها على جلبه ليستقر معها في عاصمة الغرب.

مخاوف متنامية

الصدمة البادية على وجوه الأهالي أمام المستشفى أدخلت بعضهم في حالة من الصمت المطبق، وجعلت آخرين يخوضون في نقاشات تحكي تفاصيل الواقعة والأحداث التي مازالت لم تتضح ملامحها النهائية بعد.

يقول رجل خمسيني مخاطبا أحد أقاربه: “ضحايا هذه الكارثة مرشح للارتفاع أكثر وأكثر، نسأل الله السلامة والعافية، 4 وفيات بالتازي و2 بسوق الحد والعشرات (لي جاو للصبيطار) بعضهم حالتهم سيئة جدا، لم نعرف حقيقة هذا البلاء”.

لم ينه الرجل حديثه حتى قاطعه أحد أقاربه: “هناك عدد من الأشخاص خافوا من الفضيحة أمام عائلاتهم وذويهم، وظلوا صابرين للألم حتى ساءت حالتهم وجاؤوا بهم إلى المستشفى، مثل ابن عمي الذي يرقد بداخله”، مردفا: “الولد شرب الماحيا يوم السبت كما قال ولم يستهلك كمية كبيرة، واليوم أحس بألم شديد في بطنه، قبل أن نأتي به إلى هنا مثله مثل العشرات من الذين استهلكوا الماحيا التي قضت على 15 ضحية كما يقال”.

المتهم في القضية

القرويون الحائرون في مصابهم، تداخلت عليهم الأمور بخصوص مصدر الخمر الفاسد الذي أسقط العشرات من فلذات أكبادهم بين ميت ومصارع للموت، نتيجة حالات التسمم الحاد الذي أخبرهم به الأطباء لدى تشخيص حالات بعض الإصابات.

يحكي الشاب الذي جاء في وقت متأخر يستفسر عن حال أخيه الذي نقل إلى المستشفى رفقة 4 أشخاص من قريتهم القريبة من “التازي”، بعد عودته من العمل: “لما عدت من العمل أخبروني بأن أخي بين الموت والحياة بسبب الماحيا، فجئت مباشرة إلى هنا وها نحن ننتظر”.

“أحد الشباب من الذين احتسوا معه الماحيا بلغنا أنه فقد بصره وأخي غسلوا معدته وأجروا له بعض التحاليل، نتمنى خيرا”، يورد الشاب المتحسر على وضع أخيه السيئ.

يقول الشاب: “الأخبار متضاربة، هناك من يقول إن شركة تقف وراء صنع هذا المشروب الذي أدى للكارثة، وآخرون يقولون إن أحد الأشخاص هو الذي أعدها معتمدا على مادة ينتجها أحد المعامل بالمنطقة، مبْقيناشْ عارفينْ شْنو وْقعْ”.

وعن مصير مروج “الماحيا” القاتلة، أكد أكثر من شخص من أهالي الضحايا تحدثت إليهم هسبريس، أنه يوجد في “حالة فرار، والسلطات الأمنية ورجال الدرك يبحثون عنه، في الوقت الذي تجري عملية حصر وتعقب الماحيا ومروجيها بالمنطقة، من أجل الحد من وقوع ضحايا جدد”.

وكان فؤاد عرشان، مدير المركز الاستشفائي الإقليمي بالقنيطرة أكد لهسبريس أن حصيلة الوفيات جراء فاجعة الماحيا بلغ “10 وفيات داخل المستشفى، و5 وفيات خارجه، من بينها حالة جدلية تم التأكد منها بعد التشريح الطبي”.

وأعلنت المديرية الجهوية للصحة والحماية الاجتماعية بجهة الرباط-سلا-القنيطرة أنه تم ما بين الساعة السادسة مساء من يوم الاثنين 3 يونيو والساعة الثامنة صباحا من يوم الأربعاء 05 يونيو 2024، تسجيل حالات إصابات تسمم بمادة “الميثانول” في صفوف 114 شخصا من جماعة سيدي علال التازي، التابعة ترابيا لإقليم القنيطرة، تم تأكيدها مخبريا من طرف المركز المغربي لمحاربة التسمم ولليقظة الدوائية بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى