ارتفاع أسعار الأضاحي في المغرب .. تبريرات معهودة واستغلال للظرفية
رغم تأكيد الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز في مرات كثيرة لهسبريس أن “العرض وفير” وسيناهز 7 ملايين رأس خلال “عيد الكبير” بالنسبة للأضاحي المُرقّمة الموجّهة للذبح، فإن “شرخاً ما” سجله مواطنون ومتتبعون بين العرض والثمن في أسواق الأضاحي؛ لاسيما أن منطق السّوق يستدعي في أحيان عديدة، وفق باحثين في الاقتصاد، أن “تهبط الأسعار إذا كانت كمية العرض أكبر من الطلب”.
وفيما تفيد التوقعات منذ سنوات بأن المغاربة يمكن أن ينحروا صبيحة العيد نحو 5.6 ملايين رأس من الأضاحي فإن وجود 7 ملايين التي تقول بها جمعية المربين يعني أن “الطلب هذه السنة سيكون غير متلائم مع حجم الطلب”؛ وهو ما دفع المواطنين المغاربة إلى طرح أسئلة عديدة حول “الأثمان الخيالية” التي تتجاوز في نسبة لا بأس بها الحد الأدنى للأجور في البلد.
تبريرات معهودة
محمد جبلي، مهني رئيس الفيدرالية المغربية للفاعلين في قطاع المواشي، سجل أن الأسعار المرتفعة في ظل “وفرة كبيرة في العرض” تعود بالأساس إلى “كلفة الإنتاج التي نقلت ‘الكساب’ من عملية تربية شبه مجانية، بالنظر إلى توفر الكلأ وفضاءات الرعي بلا أيّ كلفة، إلى تربية تحتاج أساساً إلى المواد الأولية من شعير وتبن و’فصة’ وعلف، بكل ما للأمر من كلفة مادية”.
هسبريس تدخلت بسؤال: “لكن، كيف تعتبر الأعلاف عاملاً والدولة تدعمها منذ سنة؟”، فرد جبلي: “السلطات العمومية خصصت الجزء الأكبر من الدعم للشعير، وهو مادة أولية لا يعتمد عليها الفلاحون وحدها. وهذه الأعلاف أسعارها مرتفعة حتى على المستوى العالمي”، مبرزا أن “الماشية تحتاج أنواعا عديدة من الأعلاف لضمان نمو صحي وسليم ومتوازن”.
وشدد المتحدث ذاته في توضيحاته على أن “المربي أدخل هذه التكاليف في الثمن النهائي للأضحية؛ ولهذا نجد الأثمان مرتفعة جدا اليوم؛ وهذا يعود أيضاً إلى أن كل ما تأكله النعاج التي تلد الأضحية اليوم محدد للخروف الذي ستضعه كل نعجة”، موردا أن “قضاء الأضاحي 5 أشهر أو 6 على الأقل مع الفلاح سيكون محدداً رئيسيا لسعر بيعها، وهذا طبيعي”.
وجواباً عن سؤال: “هل الأرقام التي تقدمها الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز تتسم بالدقة في ظل وجود تشكيك”، تحفّظ المتحدث قليلا، ثم استرسل قائلاً: “علينا أن ننتظر العيد حتى تتضح الصورة أكثر، فإذا مر بسلام وكانت جميع الأسر المغربية الباحثة عن أضحية عثرت على ما تريد، فهذا يعني أن جمعية مربي الأغنام تقدم أرقاما دقيقة، وإذا وجدنا استنكارا للخصاص خلال العيد فسنتأكد أن تلك الأرقام ‘منفوخة’ ومفبركة”.
“مؤشرات غير دقيقة”
وديع مديح، رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك بالمغرب، قال من جهته إن “جميع المبررات التي يتمّ تقديمها الآن لا تتّسم بالدقة، لكون جمعيات حماية المستهلكين تجدُ اليوم صعوبة كبيرة في تتبع هذا المشكل، بالنظر إلى مبدأ حرية الأسعار الذي نعتمده في المغرب”، معتبرا أن “الراجح في هذه الهوة بين العرض والطلب والأثمان هو استغلال الظرفية بشكل غير أخلاقي من طرف المنتجين والمربين”.
وسجل مديح، في تصريحه لهسبريس، وجود “فوضى حقيقية تتكشف ملامحها كل سنة قبل عيد الأضحى وخلاله، فالدولة تدعم الأعلاف و’الكسابة’ يقولون إن الدعم ليس كافيا، ووسط كل هذه الدوامة يكون الضحية هو المستهلك والمواطن”، معتبراً في هذا السياق أن “وجود فائض في الإنتاج يستدعي منطقيا أن ينعكس إيجابيّا على الأثمان ويساهم في هبوطها”.
وأفاد المتحدث ذاته بأن “الوسيط لم يعد الآن هو المشكل فقط، بل أيضا المربي الذي كان يشهر في السابق أن ‘الشنّاق’ يستغل حاجته للبيع ويتحكم لاحقاً في السعر”، مشدداً على “تغير الوضع، إذ صار المربي هو نفسه يقطع الطريق على السماسرة ويتحكم في الأسعار، إلى درجة أنه أصبح هناك نوع من الاحتكار والانتقال بين الأسواق التي تعرف ارتفاعات لافتة في الأثمان النهائية للبيع”.
وأورد الفاعل في مجال حماية المستهلك أن “الدولة بما أنها تخصص دعما عموميا لهذا القطاع فالأمر يتطلب تدخلات المواكبة والمتابعة للأسواق، من أجل حماية سلسلة الإنتاج إذا كان التدخل في الأسعار صعباُ بالنظر إلى تحريرها”، خاتماً بالتأكيد على أن “وجود عرض كاف وسط أسعار مرتفعة يطرح مشكلا أخلاقيا حقيقيّا يبين حجم الاستغلال الذي يتعرض له المواطن المغربي”.