أخبار العالم

الذكاء الاصطناعي من رافعات التحول في منظومة التربية والتكوين


شكلت تحديات الذكاء الاصطناعي محور حديثِ أغلب الشخصيات الساهمة في إغناء نقاش جلسات “المنتدى الأول رفيع المستوى حول الذكاء الاصطناعي”، برحاب جامعة محمد السادس المتعددة التخصصات التقنية في الرباط، المنعقد تحت شعار “الذكاء الاصطناعي كرافعة للتنمية في إفريقيا” إلى غاية يوم غد الأربعاء.

وفي كلمة خطابية ألقاها على مسامع الحاضرين، أكد الحبيب المالكي، رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أمس الإثنين، بمناسبة مشاركته في أشغال المنتدى، “إمكانية استفادة المدرسة والمنظومة التربوية المغربية برمتها في إطار دينامية جارية لإصلاح قطاع التعليم، بشكل كبير من التكنولوجيات الحديثة للذكاء الاصطناعي، باعتبارها من رافعات التحول”.

وبحيّز وافر استأثرت الأدوار التي يمكن أن يؤديها الذكاء الاصطناعي في تسريع تحول قطاع التعليم ضمن مداخلة المالكي، الذي أثار إيجابيات “تحليل المعطيات المتعلقة بأداء التلاميذ واختياراتهم التفضيلية”، بشكل يفضي إلى “إمكانية الوصول إلى التعلم وتكييفه مع وتيرة وأسلوب المتعلِّمين، وكذا تكوين المدرِّسين”.

“اهتمام المجلس بهذه التكنولوجيات الحديثة جزء من انخراطه الكامل في مشروع إصلاح النظام التربوي بجميع مكوناته لتحقيق أهداف ‘الرؤية الإستراتيجية 2030′”، يورد المسؤول ذاته متحدثا عن “الدعم القيّم” المتوفر من قبل حلول الذكاء الاصطناعي للمدرّسين، وقال بهذا الشأن: “يمكننا رقمنة المهام الإدارية، وتحليل المعطيات حول أداء التلاميذ، وتقديم اقتراحات لتحسين التدريس”، لافتا إلى أن “المدرسين قد يستطيعون بفضل ذلك تخصيصَ المزيد من الوقت للتفاعل مع التلاميذ وتطوير المهارات غير المعرفية؛ مثل الإبداع وحل المشاكل”.

وأضاف المتحدث نفسه: “الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يغيّر طريقة تقييم المهارات والمعارف، من خلال توفير تحليلات دقيقة ومعمقة لأداء التلاميذ، ورقمنة عملية التقييم، من أجل الحصول على تغذية راجعة (feedback) سريعة ومخصصة (psersonnalisée) حول أنشطتهم”.

المسؤول الأول عن “مجلس التربية والتكوين والبحث العلمي” أقـرّ بأنه “مِن الضروري الاعتراف بأن الدمج الناجح للذكاء الاصطناعي في التعليم يتطلب نهجاً مدروساً وأخلاقياً”، حسب وصفه، مشددا على “أهمية التحقق من أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم بطريقة تعزز قدرات المدرسين، وتُشجع التعليم المُركِّز على التلميذ، بدلاً من نهج استبدال المعلمين بشكل كامل، أو استدامة الفشل وغياب المساواة في المنظومة”.

“الصناعات الثقافية في عصر الذكاء”

من جانبه، ألقى محمد مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، خلال فعاليات اليوم الأول من المنتدى، مداخلة “بليغة” من حيث تشبيهاتها ودلالاتها، لافتا إلى أن “التحدي الكبير الذي يشكلّه الذكاء الاصطناعي يمس في الصميم قضايا ومسائل “الثقافة والتراث”، متسائلا: “الرهان هو كيف تُحافظ على الثقافة حيّة وإنسانية، في عصر روبوتات الذكاء ‘ChatGPT’ و’Open AI’ في انتظار تطبيقات أكثر تقدماً؟”.

وفي هذا السياق العالمي “المضطرب” يرى وزير الثقافة أن مكانة إفريقيا والمغرب على وجه الخصوص خاصة؛ لأن إفريقيا والذكاء الاصطناعي والثقافة تشكل “ثلاثية خاصة”، وفق توصيفه، وزاد: “في الواقع تمتلك قارتُنا ثروة ثقافية ضخمة، لكنها مازالت غير معروفة إلى حد كبير في مختلف ربوع العالم، بينما يمكن لتسارع مستجدات الذكاء الاصطناعي أن تسهم سلباً في السطو على موسيقانا وإنتاجاتنا التراثية ذات الخصوصية المحلية”.

وبعد أن عاد بالحاضرين إلى “سنواتٍ خلت كان الحديث فيها عن الثقافة والذكاء الاصطناعي يعني ربط عالميْن مُختلفيْن تماماً؛ من ناحية كانت هناك التكنولوجيا والعلوم التطبيقية والتقدم الصناعي، ومن ناحية أخرى التراث والإبداع والقيم الإنسانية”، رصَد بنسعيد تحولاً نحو “الانعكاس الكامل لهذا الوضع، لِيَصير الذكاء الاصطناعي، الآن، يتعلق للإنسان”، وتابع: “لقد أصبح –أو يتظاهر بكونه– تكنولوجيا خلّاقة ومبتكرة وخيالية”، قبل أن يتوقف بالسؤال: “كيف يمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي لإطلاق ثورة في الصناعات الثقافية؟”.

الوزير تحدث أمام خبراء أفارقة ودوليين عن “كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لاستعادة التراث التاريخي دون تعرضه للوحشية، ودون الإضرار به، ودون تكرار أخطاء الماضي”، مضيفا: “أدعُوكم إلى رؤية المشاريع نواحي منطقة سيجلماسة، أو الأفكار المستمرة في التبلور حول ترميم التراث الذي تضرر جراء زلزال الحوز”.

“يمكن أيضا استخدام الذكاء الاصطناعي للانفصال عن منطق «التراث الصامت»، ما يجعل «المعالم التراثية تتحدّث» مع تحريكها وتلبيسها بقصة تمنحُها الحياة”، أضاف بنسعيد موصياً، قبل أن يؤكد “صياغة الصناعات الثقافية والإبداعية لمستقبَل الصناعة العالمية، لأنها أكثر استدامة، وأكثر دقة، وأكثر تطلُّبا في المهارات، وهي الأفق الجديد للاقتصاد… وحدَه الذكاء الاصطناعي يُمكنه مرافَقة التصنيع الثقافي الذي ننشدُه”.

وفي هذا السياق خلص الوزير إلى أن إفريقيا، والمغرب على وجه الخصوص، يستفيدان من «عائد ديمغرافي كبير»؛ وهذا، وفقه، هو “مفتاحُ الارتباط بين الذكاء الاصطناعي والصناعات الثقافية والإبداعية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى