أحد أكبر بنوك بريطانيا متهم بالمساعدة في “تمويل إرهابيين”
- Author, آندي فيريتي
- Role, مراسل الشؤون الاقتصادية
اتهمت وثائق قضائية أمريكية بنكاً بريطانياً بتنفيذ معاملات بمليارات الدولارات لصالح ممولي جماعات إرهابية، بعد نجاته من ملاحقة قضائية سابقة بتهمة غسيل أموال.
ونجح بنك ستاندرد تشارترد، أحد أكبر البنوك في المملكة المتحدة، في تجنب الملاحقة القضائية من وزارة العدل الأميركية، بعد تدخل حكومة كاميرون لصالحه في عام 2012.
وتزعم وثائق جديدة قُدِّمت إلى محكمة في نيويورك، أن البنك نفذ آلاف المعاملات بقيمة تزيد على 100 مليار دولار أمريكي في الفترة ما بين 2008 إلى 2013، في انتهاك للعقوبات المفروضة على إيران.
وحدد خبير مستقل أن هناك 9.6 مليار دولار أميركي من معاملات الصرف الأجنبي، أُجرِيت مع أفراد وشركات صنفتها الحكومة الأميركية بأنها تمول “الجماعات الإرهابية”، منها حزب الله وحماس والقاعدة وطالبان.
ونفى البنك في بيان له تلك الاتهامات الموجهة له بالمخالفات، قائلاً إن المزاعم السابقة “فقدت مصداقيتها تماماً” لدى السلطات الأميركية.
خرق العقوبات
اتُهم ستاندرد تشارترد علناً بتزوير بيانات المعاملات على سويفت، وهو نظام دفع دولي يستخدمه آلاف المؤسسات المالية، بهدف نقل مليارات الدولارات عبر فرعه في نيويورك، نيابة عن كيانات خاضعة للعقوبات مثل البنك المركزي الإيراني.
وفي سبتمبر/أيلول 2012، تدخل جورج أوزبورن، المستشار آنذاك في حكومة كاميرون، سراً نيابة عن البنك.
وبعد ثلاثة أشهر، قررت وزارة العدل الأمريكية عدم مقاضاة البنك.
ولم يُكشَف بعد عن معاملات الصرف الأجنبي التي حددتها ملفات المحكمة، ولا يُعتقد أن أوزبورن أو كاميرون كانا على علم بتلك المعاملات في ذلك الوقت.
وقد اعترف البنك مرتين بخرق العقوبات المفروضة على إيران ودول أخرى؛ الأولى في عام 2012 والثانية في عام 2019، ودفع غرامات بلغ مجموعها أكثر من 1.7 مليار دولار؛ لكنه لم يعترف بإجراء معاملات لصالح منظمات “إرهابية”.
كانت المعاملات مخفية في مستندات مصرفية سرية، سُلمت لأول مرة إلى السلطات الأمريكية في عام 2012، على يد اثنين من كاشفي الفساد، أحدهما المدير التنفيذي السابق لبنك ستاندرد تشارترد، جوليان نايت.
ويقولان إن وكالات تابعة للحكومة الأمريكية أدلت بتصريحات كاذبة أمام المحكمة، بهدف حرمانهم من المكافأة المستحقة للكاشفين عن الفساد.
وقد نجحت السلطات الأمريكية المشاركة في التحقيق مع البنك في التقدم بطلب لرفض قضيتهما في عام 2019. وقال أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي أمام المحكمة إنه لم يظهر ما “يشير أو يوحي بأن البنك شارك في معاملات غير لائقة بالدولار الأمريكي” بعد عام 2007.
وقالت السلطات الأمريكية إن مزاعم كاشفيْ الفساد “لم تؤد إلى اكتشاف أي انتهاكات جديدة” ورفضت المحكمة القضية على أنها “لا أساس لها من الصحة”.
ويتناقض هذا مع التحليل المستقل الذي أجراه خبير يتمتع بعقود من الخبرة في فحص المعاملات المصرفية غير المشروعة لصالح وكالة الاستخبارات المركزية، ديفيد سكانتلينغ.
ففي ملف قدمه للمحكمة يوم الجمعة الماضي، ذكر سكانتلينغ أن الجداول الإلكترونية تحتوي على سجلات لأكثر من نصف مليون معاملة منفصلة بين عامي 2008 و2013 كانت “مخفيّة”، أي أنها لم تكن ظاهرة على الفور في المستندات الإلكترونية، وكان من الممكن الكشف عنها باستخدام تقنية بسيطة معروفة جيداً للمحللين في مجاله.
ويقول سكانتلينغ إن المستندات تحتوي على العديد من المعاملات التي أجراها بنك ستاندرد تشارترد (SCB)، “مع أو نيابة عن البنوك الإيرانية والشركات الإيرانية وشركات صرافة بالشرق الأوسط، التي، وفقاً [للحكومة الأمريكية]، تمول منظمات إرهابية أجنبية محددة”.
ويقول سكانتلينغ إن بنك “إس سي بي” عالج معاملات لصالح بنك يعمل كواجهة للبنك المركزي الإيراني، بعد أن قال إنه أوقف عملياته مع إيران في عام 2007.
وقد حدث ذلك في نفس الوقت الذي كان يقترض فيه البنك في المتوسط ملياري دولار يومياً من برنامج التسهيلات الائتمانية “مرفق المزاد لأجل” TAF، وهو برنامج طوارئ أنشأته الحكومة الأمريكية لدعم البنوك خلال الأزمة المالية العالمية في الفترة 2007-2009.
ويقول سكانتلينغ: “لا يمكن التوفيق بين البيانات المستخرجة حديثاً وبين تصريحات الحكومة للمحكمة في هذه المسألة، بأن [أدلة المبلغيْن عن الفساد] لا تحتوي على أي دليل على وجود انتهاكات غير معلنة للعقوبات”.
وتشمل تلك المعاملات معاملات خاصة بشركة الأسمدة الباكستانية، وفاطمة للأسمدة، المعروفة ببيع المواد المتفجرة التي استخدمتها حركة طالبان في قنابل الطرق والتي قتلت أو شوهت الآلاف من أفراد الجيش البريطاني والأمريكي في أفغانستان.
وتتهم الوثائق بنك إس سي بي، الراعي الرسمي لقميص نادي ليفربول لكرة القدم، بأنه سهّل أيضاً 73 معاملة لشركة واجهة غامبية مملوكة لممول رئيسي لحزب الله، محمد إبراهيم بزي.
وقال دانييل ألتر، المستشار العام السابق في إدارة الخدمات المالية في نيويورك، التي كانت أول من قاضى بنك إس سي بي لانتهاك العقوبات، إن الكشف الجديد “صادم” و”أسوأ بشكل كبير” مما اعترف به البنك في عام 2012.
وقال ألتر لبي بي سي إن “هذا يظهر ارتباطاً مخيفاً ليس فقط بالكيانات التجارية، بل وبالمنظمات الإرهابية، والشركات التي تعمل كواجهة للمنظمات الإرهابية مثل حماس وحزب الله والقاعدة وطالبان”.
ووصف ألتر ما جاء في الاتهامات بأنها “أمور تُعد بمثابة الكابوس للهيئة التنظيمية، لم نكن نعرفها، ولم يُكشَف عنها لنا أبداً. ولم تكن واضحة في البيانات التي لدينا”.
وأضاف: “إنها قصة مختلفة تماماً”.
يقع المقر الرئيسي لبنك إس سي بي في لندن، وأغلب عملائه في إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا.
وعندما تدخل أوزبورن سراً نيابة عن البنك، كان البنك معرضاً لخطر الملاحقة الجنائية بتهمة غسل الأموال من قبل وزارة العدل الأمريكية.
وفي 10 سبتمبر/أيلول لعام 2012، كتب أوزبورن إلى بن برنانكي، الذي كان آنذاك رئيس البنك الفيدرالي الأمريكي، وإلى تيم جايثنر الذي كان وزير الخزانة الأمريكي في عهد أوباما. وقد التقى بها أوزبورن في الشهر التالي.
وبعد شهرين، فُرِضت غرامة على البنك بـ 300 مليون دولار، لكنه نجا من الملاحقة القضائية بموجِب اتفاق بإرجاء الملاحقة القضائية، وهو شكل من أشكال المراقبة للشركات. ولم يُقَاض أي مسؤول تنفيذي في البنك.
وفي الشهر نفسه، قدم جوليان نايت، المدير التنفيذي السابق لبنك ستاندرد تشارترد، إلى السلطات الأمريكية أدلة على أن سوء إدارة البنك كان أشد فداحة مما اعترف به، وأنه استمر بعد عام 2007.
وفي عام 2019، وافق بنك ستاندرد تشارترد على اتفاق إضافي بإرجاء الملاحقة القضائية فيما يتعلق بالمعاملات بين عامي 2007 و2011 وغُرِّم بمبلغ إضافي قدره 1.1 مليار دولار.
“لا أساس لها من الصحة”
رفض مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل الأمريكية التعليق، ولم يعلق كاميرون ولا أوزبورن على المستند.
وقال بنك ستاندرد تشارترد إنه “واثق من أن المحاكم سترفض هذه الادعاءات”، مضيفاً أن السلطات الأمريكية خلصت في وقت سابق إلى أن مزاعم الكشف عن الفساد “لا أساس لها من الصحة” و”لم تظهر أي انتهاكات للعقوبات الأمريكية”.
ومع ذلك، فإن كافشيْ الفساد اللذيْن أبلغا عن المخالفات، يقولان إن السلطات الأمريكية ارتكبت “احتيالاً هائلاً على هذه المحكمة من خلال إنكارها زوراً” أن المبلغيْن عن المخالفات قدما “أدلة دامغة لم تكن معروفة من قبل”.