الحيوانات ترقص أيضاً والإنسان يقلّدها
يحطّ طائر الجنّة على الأرض، يفتح جناحيه بشكل دائري، ويبدأ بالتمايل والدوران يميناً ويساراً بخطوات متناسقة. وبالتزامن، يهزّ رأسه، ثم يقف مكانه ويهزّ عنقه. جميع الحركات متسقة كأنها تتبع إيقاعاً في مخيلته.
هذه حصة تدريبية. يمارس طائر الجنّة (bird of paradise – lophorina superba) هذا الطقس بمفرده أولاً، ليس للخروج إلى حفل راقص، بل تحضيراً لمواجهة الأنثى والسعي إلى جذبها، مع حلول موسم التزاوج في موطن هذه الطيور في جزيرة “بابوا غينيا”.
وفي كوستاريكا، صمّم طائر “الماناكين” خطوات مختلفة ومميّزة أيضاً. واختار أن يقدم عرضاً إغوائياً على طريقة مايكل جاكسون، في رقصة “مون واك” أو السير على القمر.
أثناء أداء الماناكين للخطوات التي عُرف فيها أيقونة البوب الأمريكي، يصدر أصواتاً نقر أظافره على الأغصان، ليلفت نظر الأنثى.
تبدي بعض الحيوانات، ولا سيما أنواع محددة من الطيور، سلوكاً غريباً يشبه لوحات راقصة مصمّمة، في مناسبات مثل التزاوج، أو عند شعورها بالخطر والاستعداد لمعركة مع الخصم.
نحن لا نتحدث هنا عن تدريب الحيوانات لتقوم بخطوات راقصة كما درجت العادة مع الأحصنة والإبل أو الكلاب، أو مع الحيوانات التي تشارك في ألعاب السيرك، بل عن سلوك طبيعي غرائزي.
البشر أيضاً مارسوا أنواعاً من الرقص عبر التاريخ، كان هدفها إحياء مناسبات مختلفة مثل الزواج والاحتفال بهطول المطر وقدوم موسم الحصاد.
وابتكر البشر رقصات بغرض التواصل مثل الترحيب بضيف، أو التعارف أو المبارزة أو استعراض القوة أو المفاتن.
واستوحوا أيضاً من عروض رقص الحيوانات والطيور، وقلدوا خطواتها وحركاتها وأدخلوها أنواع من الرقص التقليدي أو التراثي.
في ديسمبر/كانون الأول 2019، رجّح باحثون من جامعة “وارويك” البريطانية أن يكون الإنسان قد تعلّم أولى خطواته في الرقص من قردة الشمبانزي.
وراقبوا حينها قردَتَي شمبانزي في حديقة حيوانات، تفاعلتا مع الموسيقى بمستوى عال من التنسيق الحركي والتزامن والإيقاع، يتطابق مع مستوى عازفي أوركسترا يعزفون الموسيقى ذاتها.
وقال الدكتور أدريانو لاميرا من قسم علم النفس في “وارويك” إنّ الدراسة قد تساعد على اكتشاف الحلقات الناقصة في تاريخ بدايات الرقص لدى الإنسان أثناء تطوّره.
وأشار إلى أنّ الرقص يتطلب من الأفراد، “مزامنة إيقاع الجسم بالكامل بشكل تفاعلي مع إيقاع شريكهم، بدقة شبه مثالية”.
وأضاف أنّه لم يعثر بعد على دليل قطعي للربط بين حركة إيقاع الجسم بأكمله، لدى القردة الأولى، ونشأة المراحل الأولية المحتملة للرقص البشري.
نماذج من رقصات استوحاها البشر من الحيوانات والطيور
الصقرية أو رقصة الحرب – السودان
بعض القبائل في السودان مثل قبائل البجا، تقلّد صقر الجديان عند الانقضاض على فريسته. ويُصنّف صقر الجديان الذي يطلق عليه أيضاً اسم “الكاتب” أو طائر “السكرتير” رمزاً لدولة السودان.
والطائر معروف بقوته وشكله الفريد، ويتميّز بساقين طويلتين يستخدمهما لضرب فريسته خاصة الأفاعي والثعابين.
ويقلّد الشبان هذا الصقر في حركاته ورفسه وفرد جناحيه وطيّ عنقه عند الانتهاء من قتل فريسته.
ويأتي هذا الرقص في إطار التعبير عن القوة. وتستخدم فيه أحياناً السيوف والخناجر والرماح.
إسكيستا (رقص الكتفين) – أثيوبيا وأرتريا
رغم أنّ حركة الكتفين في هذا النوع من الرقص التقليدي لدى عرق الأمهارا في أثيوبيا، تبدو تقليداً للطيور، إلا أنّ الأثيوبيين يعيدون رقصة الأستيكا إلى تقليد حركة الأفعى، وبشكل خاصّ “ثعبان الجرس”.
يشارك في هذا العرض الرجال والنساء، وهو شائع لدى قبائل “تيغرينيا” في أرتريا أيضاً.
الأهم والأساس في الإسكيستا، هزّ الكتفين بقوة وبسرعة إلى الأمام وإلى الخلف.
شوا أورومو – أثيوبيا
أحد أنواع الرقص لدى سكان عرق الأورومو في أثيوبيا، يعتمد على هزّ الرأس بدل من الكتفين، ويطلق عليه أيضاً “رقصة رأس الدجاجة”.
وتتميز النساء عن الرجال في هذا الرقص، في أنهن يؤدين حركة دوران رأس قوية وسريعة، وهو التحدي الذي تتفاخرن فيه أثناء تأدية هذا الطقس الراقص.
رقصة البقرة – قبائل الدينكا جنوب السودان
لا يمكن لأحد من قبائل الدينكا، تناول خيرات الحصاد الزراعي، ما لم يشارك في “رقصة البقرة”.
تعيش هذه القبائل على الزراعة وتربية المواشي، في جنوب السودان.
وتعيش حتى اليوم في غابات وخيام من قشّ.
يرتدي الرجال قرون البقرة ويدخلون إلى ساحة محاطة بالمتفرجين، ويقلّدون مع النساء خطوات البقرة داخل الحقل.
تعتمد القبيلة رقصة البقرة مع بداية كل موسم حصاد، كنوع من مباركة للمحصول.
رقصة الكنغارو – السكان الاصليون في أستراليا
تبدأ هذه الرقصة بالجلوس تماماً كما يجلس حيوان الكنغارو الأسترالي في فترة راحته.
ثمّ يقف الراقص وهو أحد السكان الأصليين في أستراليا، بزيّه التاريخي مقلداً حركات الكنغارو على صوت الآلة التقليدية “دجي ريدو” والإيقاع.
يرى السكان الأصليون في هذا الرقص دعوة للإيمان بالمضي قدماً، فحيوان الكانغارو يتحرك دائماً إلى الأمام، ولا يخطو عائداً إلى الخلف.
ويشيع في دول آسيا الرقص الفولكلوري الذي يرتبط بالميثولوجيا أيضاً، ويعتمد تقليد الحيوانات، مثل رقصة الأسد أو التنين أو النمر في الصين، وهنا يتنكر يرتدي راقص أو أكثر، بزيّ ضخم للحيوان ويبدأون بتقليد حركاته وخطواته.
وهناك مثل آخر من كمبوديا، تخليداً للثعبان المقدس أو الإله “ناغا” الذي ينسب له الفضل في ولادة كمبوديا وشعبها. وتؤدى هذه الرقصات كنوع من صلاة لطلب المطر والخير.
مع خروج الرقص من عباءة الفولكلور والتقاليد الموروثة، وتحوّله إلى واحد من الفنون الاستعراضية، ساهم البعض في توسيع حركة الرقص المستوحاة من الطبيعة وكائناتها.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك، باليه “بحيرة البجع” الشهير، للمؤلف الموسيقي الروسي تشايكفوسكي.
واستعان المؤلف بلوحات تشكلها طيور البجع حين تعوم مع بعضها بتناغم، لرواية قصة عاطفية.
وذهبت المصممة والراقصة ميلينا سيدوروفا الأوكرانية-الهولندية إلى تصميم رقصة تقلّد العنكبوت ببراعة ملفتة، وفازت من خلالها بجوائز عالمية.
وفي الشرق، تسمّى حركة مدّ ولوي الذراعين لدى الراقصة، بحركة الحيّة (أو الأفعى) في مصر.
ونستطيع أن نميّز حركة “الذراع الأفعى” أيضاً لدى الراقصات في الهند، وبشكل خاص حركة اليد، التي تشكل رأس الأفعى.