“البوليساريو” تغرق في رواسب الماضي بالتمسك بخيار “الاستفتاء” في الصحراء

يبدو أن جبهة البوليساريو مازالت ترفض مواجهة حقيقة أن حل “الاستفتاء” الذي تتشبث به لحل النزاع المفتعل حول الصحراء أضحى خيارا متجاوزا ومستحيل التطبيق، بإقرار من الأمم المتحدة ذاتها التي توصلت إلى وجود صعوبات عملية وموضوعية مرتبطة بهذا الحل، أهمها تلك المتعلقة بالكتلة الناخبة، في وقت أصبحت تكرس سمو مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها نموذجا فريدا يضمن للصحراويين المغاربة تسيير شؤونهم بأنفسهم في إطار السيادة التاريخية للمغرب على الصحراء.
مناسبة هذا القول هي تأكيد المسمى سيدي محمد عمار، عضو أمانة البوليساريو و”ممثلها” لدى الأمم المتحدة، خلال ندوة بالعاصمة اليونانية أثينا، أن “مجلس الأمن من المهم أن يدرك أن استفتاء تقرير المصير مازال هو الحل الوحيد القائم على التوافق الذي قبله الطرفان”، بتعبيره، مضيفا أن “المجلس الأممي مطالب بامتلاك الإرادة السياسية اللازمة لتمكين المينورسو من الوفاء الكامل بولايتها وإجراء استفتاء يمارس فيه الشعب الصحراوي حقه في تقرير المصير والاستقلال بطريقة حرة وديمقراطية”، بتعبيره دائما.
ولم يفت المسؤول الانفصالي أن يحمل مسؤولية فشل قيادات البوليساريو في تحقيق أي نجاح دبلوماسي أو عسكري، منذ إعلانها ما أسمته “العودة إلى الكفاح المسلح”، لمجلس الأمن الدولي الذي قال إن “المقاربات التي ينتهجها ساهمت في إطالة أمد حالة الجمود التي تحولت في نهاية المطاف إلى نزاع طويل الأمد قد تكون له عواقب وخيمة على السلم والأمن الإقليميين”.
رواسب الماضي ومؤثرات خارجية
في هذا السياق قال محمد فاضل الخطاط، المنسق الجهوي للمركز الدولي للدفاع عن الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، إن “مصطلح تقرير المصير الذي تستعمله البوليساريو يحمل في طياته أكثر من معنى، ولو وسعت دائرة النقاش لتفكيك هذا المصطلح لوجد الباحث الحاذق والجاد عن حل حقيقي ومنصف يضمن التوافق، ذلك أن الهدف الحقيقي من تقرير المصير هو الظفر بالحقوق”.
وأضاف الخطاط في تصريح لهسبريس أن “التحرر من رواسب الماضي والمؤثرات الخارجية والانصياع للغة العقل والمنطق سنكتشف معهما أن حل الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب لحل هذا النزاع يضمن الحق في تقرير المصير”، مسجلا أن “مجلس الأمن الدولي، كونه يضمن كوكبة من العقلاء السياسيين، يحاول أن يُفهم للطرف المتعنت أن تقرير المصير بالشكل الذي تريده البوليساريو أصبح غير ممكن ولا تتوفر شروط تحقيقه سواء السياسية أو الأمنية”.
وأشار المتحدث إلى أن “جميع قرارات مجلس الأمن دائما ما كرست سمو مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها أرقى أنواع تقرير المصير، إذ إن العالم اليوم أصبح يؤمن بضرورة تقوية التكتلات الإقليمية وصيانة سيادة الدول ووحدة أراضيها، خاصة أن تجارب إنشاء دولة جديدة أبانت عن فشلها في العديد من المناطق، أضف إلى ذلك أن زرع كيانات جديدة في مناطق مقبلة على تحديات جمة هو عامل مزعزع للاستقرار”.
وشدد المنسق الجهوي للمركز الدولي للدفاع عن الحكم الذاتي في الصحراء المغربية على أن “قيادات الجبهة الانفصالية لم تستوعب بعد هذه المعطيات وبالتالي فهي ترمي في كل مرة بمسؤولية الجمود الذي يشهده هذا النزاع من جانبها على مجلس الأمن”.
حل واقعي وفشل انفصالي
من جهته قال محمد سالم عبد الفتاح، باحث في شؤون الصحراء، إن “ما ورد على لسان ممثل البوليساريو هو إقرار ضمني بفشل ويأس الجبهة الانفصالية أمام تغير المقاربة الأممية التي أقبرت مقاربة الاستفتاء، مقابل تبنيها المقاربات الواقعية والعقلانية التي تتقاطع مع مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الأساس الجدي لأي مفاوضات حول هذا النزاع”.
وأضاف عبد الفتاح في تصريح لهسبريس أن “ممثل البوليساريو أقر بتغير المركز القانوني لقضية الصحراء في التعاطي الأمني مع هذا الملف، إذ تغير من مبدأ الاستفتاء إلى تبني مبدأ احترام سيادة الدول والحفاظ على وحدتها الترابية، وهو ما يتعارض مع الطرح الانفصالي وينسجم مع السيادة المغربي على الأقاليم الجنوبية”.
وبين المتحدث ذاته أن “ما أقبر مبادرة الاستفتاء هي المناورات التي عكف عليها خصوم الوحدة الترابية للمملكة، عبر إقحام عدد من غير المنتمين إلى المناطق المعنية بالنزاع من جنوب الجزائر وشمال موريتانيا ومالي، والتلاعب في لوائح إحصاء ساكنة مخيمات تندوف، وهو ما يستحيل معه تطبيق هذا الحل”.
وخلص الباحث نفسه إلى أن “الجبهة الانفصالية لا تكتفي فقط بتحميل مجلس الأمن مسؤولية فشلها في تحقيق أي تقدم في هذا الملف، وإنما تعمل أيضا على عرقلة عمل بعثة المينورسو وتقويض المساعي الأممي للوصول إلى حل سلمي لهذا النزاع من خلال التصريحات التصعيدية وعودتها إلى حمل السلاح، وهذا ما تؤكد عليه قرارات مجلس الأمن وتقارير المبعوث الشخصي الأممي إلى الصحراء”.