كلوديا شينباوم: من هي العالمة الخجولة التي أصبحت أول رئيسة للمكسيك؟
في يناير/كانون الثاني لعام 1987، أعلن طلاب جامعة نانم، أكبر جامعة حكومية في المكسيك، الإضراب احتجاجاً على خطط فرض رسوم دراسية.
ونادى قادة الاحتجاج على الحشد: “من سيعلق علم الإضراب في مكتب العميد؟”
فتقدمت طالبة فيزياء تبلغ من العمر 24 عاماً إلى الأمام قائلة: “أنا!”
وبعد أكثر من أربعين عاماً، انتُخِبَت تلك الطالبة، كلوديا شينباوم باردو، رئيسة للمكسيك عن حزب مورينا اليساري.
يطلق عليها المكسيكيون ببساطة اسم “كلوديا”، وهي أم لطفلين، وتحمل درجة الدكتوراه في الهندسة البيئية، وكانت عمدة سابقة لعاصمة البلاد، مكسيكو سيتي، التي يزيد عدد سكانها على تسعة ملايين نسمة.
واعتباراً من الأول من أكتوبر/تشرين الأول، ستصبح أول رئيسة للبلاد.
وتقول شينباوم عن تلك اللحظة في احتجاج الطلاب: “لقد كنت دائماً على هذا النحو، مغامِرة للغاية. لكنني لم أعد كذلك حالياً. لقد أصبحت أتحمل المزيد من المسؤوليات”.
وستتولى شينباوم رئاسة الدولة التي يبلغ عدد سكانها 130 مليون نسمة، ويبلغ معدل الفقر فيها 36 في المئة، وتحدها الولايات المتحدة، وتعاني من معدل مثير للقلق لجرائم قتل النساء والعنف من قبل الجريمة المنظمة.
حتى مع هذه المسؤوليات، تقول ديانا ألاركون، صديقتها ومستشارتها السياسية، إن شينباوم ستظل ثابتة على أفكارها.
وأوضحت ألاركون: “ليس الأمر أنها توقفت عن ثوريتها. بل إن وضعها في الحركة [السياسية] قد تغير، لكن قناعتها بالكفاح من أجل الشعب، والتي اعتنقتها منذ صِغرها، لا تزال كما هي”.
على مدى السنوات الست الماضية، حكم المكسيك أندريس مانويل لوبيز أوبرادور المنتمي للحزب ذاته. والمعروف بأحرف اسمه الأولى، أملو، وأنهى ولايته بنسبة تأييد بلغت 60 في المئة، بعد أن حقق اقتصاداً مستقراً وأورث معظم المكسيكيين شعوراً بالتفاؤل، وهو ما تأمل شينباوم في الحفاظ عليه.
وتقتصر الرئاسة في المكسيك على فترة ولاية واحدة مدتها ست سنوات، ما يعني أن أوبرادور أو (أملو) لا يمكنه الترشح مرة أخرى. وقد وُصِف بأنه مرشد شينباوم، وهو ما يفسر إلى حد ما انتصارها.
ومع ذلك، فإن شينباوم تتمتع بمقوّم إضافي مختلف؛ فهي عالمة حائزة على جوائز، وقد طبقت أبحاثها على سياسات عامة ناجحة.
طفولة سياسية
ولدت شينباوم في الرابع والعشرين من يونيو/حزيران عام 1962 في مدينة مكسيكو، لأبوين من المناضلين اليساريين ورواد العمل الأكاديمي.
كان والدها كارلوس شينباوم رجل أعمال وكيميائياً، وكان والداه من اليهود الأشكناز، وقدِما إلى المكسيك من ليتوانيا في عشرينيات القرن العشرين. وكانت والدتها آني باردو عالمة أحياء وطبيبة، وكان والداها من اليهود السفارديم، وقدما من بلغاريا في أربعينيات القرن العشرين.
نشأت شينباوم في حي من أحياء الطبقة المتوسطة العليا في جنوب العاصمة، حيث كانت السياسة تُناقَش على مائدة الإفطار والغداء والعشاء. وكان والداها يصطحبانها في كثير من الأحيان لزيارة أصدقائهما المناضلين في السجن.
التحقت شينباوم الصغيرة بمدرسة علمانية عززت استقلالية الطلاب، وهو أمر غير معتاد في بلد كاثوليكي. ويقال إنها اكتسبت من هناك شخصية دقيقة ونشطة، وكانت معروفة بتحليل الأفكار قبل الوصول إلى الاستنتاجات.
وتقول ألاركون صديقتها منذ سبعينيات القرن العشرين: “إنها خجولة. ولهذا السبب قد تعطي انطباعاً بالجدية، لكن بمجرد الجلوس معها، تشعر أنها دافئة ومرحة وعطوفة”.
غالباً ما تعرّف شينباوم نفسها قائلة: “أنا ابنة عام 1968″، في إشارة إلى حركة الاحتجاج العالمية التي كان والداها جزءاً منها.
ولقد كانت الثمانينيات كذلك فترة محورية في حياتها؛ حيث بدأت فضائح الفساد في تشويه الطبقة السياسية القديمة في المكسيك، وبدأ تطبيق النموذج الاقتصادي النيوليبرالي، الذي يفضل نقل الأمور الاقتصادية من الحكومة إلى القطاع الخاص. وكان هذا بالنسبة لشينباوم بمثابة عدم مساواة وإفقار لشعب المكسيك.
ولطالما كانت السياسة قريبة من حياة شينباوم؛ فقد كان زوجها الأول كارلوس إيماز، وهو سياسي يساري. وقد انفصلا بعد ذلك، قبل أن تتزوج من خيسوس ماريا تاربيا في عام 2023، وهو محلل للمخاطر المالية، التقت به لأول مرة في الجامعة.
وقد كرست شينباوم الكثير من وقتها للوسط الأكاديمي، بالإضافة إلى حصولها على درجة الدكتوراه، وألّفت العديد من الأطروحات حول مواضيع مثل الأفران الفعالة لحرق الأخشاب في مجتمعات الشعوب الأصلية.
كيف دخلت شينباوم عالم السياسة؟
شهد عام 2000 حدثين سياسيين في المكسيك، ساعدا في تمهيد الطريق أمام رئاسة شينباوم اليوم.
فقد خسر الحزب الثوري المؤسسي الانتخابات الرئاسية لأول مرة منذ أكثر من 70 عاماً أمام التحالف من أجل التغيير. وفي مدينة مكسيكو، فاز متشدد يساري من تاباسكو، في الجنوب الفقير، بمنصب عمدة المدينة، وكان الفائز هو (أملو)، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، الرئيس الحالي.
في هذا الوقت أيضاً التقى أملو وشينباوم بعد تزكية من أستاذ رياضيات وناشط في جامعة المكسيك الوطنية المستقلة، لتتولى شينباوم منصب وزيرة البيئة في إدارته.
وعيّن (أملو) شينباوم وعهِد إليها بمهمتين: تنظيف واحدة من أكثر المدن تلوثاً في العالم، وبناء الطابق الثاني من طريق بريفيريكو، وهو أكبر طريق سريع في المدينة. وقد نجحت شينباوم في إنجاز المهمتين.
وعندما خسرت إدارة (أملو) انتخابات عام 2006، عادت شينباوم مرة أخرى إلى الأوساط الأكاديمية، وأصبحت جزءاً من فريق حائز على جائزة نوبل للسلام للتحقيق في تغير المناخ.
ومع ذلك، حافظت شينباوم على وجود قدمٍ لها في عالم السياسة، وأصبحت المتحدثة باسم الحملات الرئاسية التي لم تنجح لـ(أملو) في عامي 2006 و2012.
وفي عام 2015، دخلت دائرة الضوء السياسية، بعد أن ترشحت وفازت بمنصب عمدة تلالبان، أكبر أحياء مدينة مكسيكو، المكان الذي نشأت فيه شينباوم.
وبعد ثلاث سنوات، عندما أصبح (أملو) رئيساً للمكسيك، أصبحت شينباوم عمدة مدينة مكسيكو، الأمر الذي سرعان ما جعلها واحدة من المتنافسين على خلافته.
ومع ذلك، لم تسلم من توجيه أصابع الاتهام والتدقيق.
أثناء زلزال بويبلا عام 2017، الذي قُدِّرت قوته بنحو 7.1 درجة، انهارت مدرسة في تلالبان بُنيت رغم وجود مخالفات، ما أسفر عن مقتل 17 طفلاً. وألقت المعارضة وبعض العائلات باللوم على شينباوم لعدم إغلاق المدرسة منذ الإبلاغ عن المشكلات لأول مرة.
وفي عام 2021، أسفر حادث مترو أنفاق عن مقتل 27 شخصاً. وأطلقت شينباوم تحقيقاً كشف عن أوجه قصور في البناء بين عامي 2014 و2015، عندما كان حزبها يحكم المدينة، ما دفع الكثيرين إلى إلقاء اللوم عليها من جديد.
وخلال هذه الحملة الرئاسية، طفت هذه الاتهامات على السطح، فضلاً عن اتهامات أخرى غير مثبتة بالسرقة الأدبية في عملها الأكاديمي، إلى جانب اتهام آخر بأنها “دُمية” أملو.
وتقول ألاركون صديقة شينباوم: “سألتها مرتين في حياتي لماذا تضع نفسها تحت رحمة هذا الشيء الصعب المتمثل في السياسة. وفي كلتا الحالتين، قالت “لأنه الشيء الصحيح الذي يجب القيام به”.
وأضافت: “لهذا السبب، يراها الناس جديرة بالثقة، لأنها لا تسعى إلى السلطة من أجل السلطة، بل لأنها تشعر بالمسؤولية تجاه المجتمع”.
شينباوم رئيسة
على الرغم من المآخِذ والاتهامات، وافق أكثر من 60 في المئة من موطني مدينة مكسيكو على إدارة شينباوم؛ وذلك بعد أن تناقص لديهم الشعور بعدم الأمان، الذي كان مرتبطاً بالعنف جزئياً، وزادت مسارات الدرّاجات في المدينة، وبُني فيها أطول تلفريك في العالم، يبلغ امتداده 4.8 كيلومتر.
وعلى الرغم من ذلك، فإن أبرز ما حققته شينباوم سياسياً حتى الآن، كانت الطريقة التي تعاملت بها مع جائحة فيروس كورونا في مدينة مكسيكو، وهي ما أظهرت اختلاف طريقتها في إدارة الأمور عن (أملو).
فقد أغلقت شينباوم مدينة مكسيكو مع انتشار كورونا، في حين كان (أملو) ينفي خطورة الوباء. وكانت شينباوم ترتدي كمامة، على عكس (أملو)، كما روّجت لتلقي اللقاح الشامل، الذي كان (أملو) متشككاً فيه.
ومع ذلك، فإن هذه الاختلافات لم تغير شيئاً في كونها خليفة (أملو) المفضلة لديه.
ويقول خورخي زيبيدا باترسون، الصحفي والمعلق السياسي الذي أجرى مقابلة مع كليهما، “لقد تعلم أملو، بمرور الوقت، أن يحترمها. وأدرك أنها جديرة بتحمل المسؤولية، فربما لا تكون سياسيّة، لكنها إدارية رائعة”.
ولقد تصاعدت الكثير من التكهنات بشأن رئاستها، حول إن كان (أملو) سيكون صاحب القرارات الفعلية، وإن كانت ستتمكن من إبقاء كبار العسكريين والحكام تحت السيطرة، بالإضافة إلى تكهنات بشأن استمرارها في انتهاج سياسة سلفها البراغماتية تجاه الولايات المتحدة.
وتقول ألاركون، صديقتها القديمة: “ما أستطيع أن أؤكده لكم هو أنها ستكون كما عهدتموها. ففي الثمانينيات جاء دورها لتعليق العلم [الخاص بالإضراب] على مكتب رئيس جامعة نانتير الوطنية في المكسيك، وقد نجحت في ذلك، والآن جاء دورها لبناء الجامعات.
وأضافت: “ليس لدي أدنى شك في أنها ستفعل ذلك، ستظل كما هي، ستظل كلوديا”.