خبراء يتوقعون ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة في المغرب
توقّع باحثون مغاربة في المناخ والتنمية المستدامة أن مناطق مغربية من المرتقب أن تشهد ارتفاعا قياسيا في درجة الحرارة هذا الصيف؛ الأمر الذي يحيل على أن حالة المناخ خلال “فصل الحرارة” لم تعد “جدولا غامضا”، بالنسبة لهؤلاء الباحثين الذين صارت “صناديق توقعاتهم” ممتلئة ومكتظة بالعديد من المؤشرات والمعطيات التي تسعفهم في بناء تصورات “موضوعية” عن الوضع المناخي لكل فصل من فصول السنة.
وبالنظر إلى توفر بيانات رسمية ودولية تؤكد أن المغرب شهد درجات حرارة غير مسبوقة السنة الماضية، إذ كانت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية كشفت أن مدينة أكادير سجلت “أعلى درجة حرارة مئوية في العالم” سنة 2023 (50.4 درجات سيلسوس)؛ كما أن تقرير المنظمة الموسوم بـ”مؤشرات تغير المناخ بلغت مستويات قياسية عام 2023″ منح الباحثين “ذخيرة” تفضي بأنه إذا كانت السنة الفارطة “الأكثر سخونة”، فإن درجة احترار الأرض “ستواصل الارتفاع لسنوات مستقبلية عديدة”.
توقعات وتحذيرات
رشيد فاسح، باحث في المناخ والتنمية المستدامة، قال إن “الثابت هو أن درجة الحرارة صارت تواصل الارتفاع سنة بعد سنة؛ بالنظر إلى الاضطرابات التي تسبب فيها الاحترار الكوني”، متوقعا أن تعرف مناطق مغربية درجة حرارة قياسية مثلما حدث في أكادير السنة الماضية، ولكن “تحديد المدينة ومتى يمكن تسجيل ذلك فهذا ما زال صعبا لكونه يتحدد أساسا حسب الظروف المناخية والظروف الطبيعية”.
وأورد فاسح، في قراءته للطقس الصيفي التي قدمها لهسبريس، أن “الأصل أصبح هو ارتفاع الحرارة، حتى في المدن الساحلية والمناطق الرطبة التي كانت تعرف نوعا ما مناخا معتدلا في الفترة الصيفية”، مرجعا هذا الارتباك المناخي الذي يشهده المغرب نتيجة تداخل الفصول إلى التطرف المناخي والاحترار الكوني الذي أصبح واقعا نعيشه ونلمسه في حياتنا بعدما كان أشياء نظرية يتم تداولها في الدراسات والأبحاث والمختبرات في سنوات خلت.
وعاد الباحث في المناخ والتنمية المستدامة للتأكيد على أن إجراء مقارنات للخرائط السنوية للحرارة يتضح أنه من المحتمل هذه السنة أن نسجل محرارا قياسيا، داعيا إلى تتبع النشرات الإنذارية والجوية التي تحتاج أن يواكبها نوع من التوعية والتحسيس للمواطنين لأخذها بالجدية اللازمة واتخاذ الإجراءات اللازمة تفاديا للإغماءات وضربات الشمس وحالات الاجتفاف، إلخ، خصوصا أننا دخلنا أزمة ماء حادة.
ولفت المتحدث عينه إلى نقص الموارد المائية في الصيف الذي يعد مشكلا متصلا أساسا بدرجة الحرارة جراء الضغط على الموارد المائية”، مبرزا أن مناطق عديدة من التراب المغربي ستعرف خصاصا وإجهادا مائيين؛ وهو ما يسائل الفاعل العمومي في حصيلة منجزاته لضمان وصول الماء بكيفيات عادلة لجميع المواطنين أينما كانوا، لأن التزود بالماء حق دستوري وكوني مكفول للمغاربة طيلة شهور السنة”.
ارتفاع غير مسبوق
مصطفى العيسات، باحث في المناخ والتنمية المستدامة، توقع بدوره ارتفاعات “غير مسبوقة” في درجات الحرارة تستأنف ما بدأته السنة الماضية، حين لاحظنا أن مدنا ساحلية مغربية وصلت لأول مرة إلى ما يقارب الـ50 في درجة الحرارة، والحديث هنا ليس عن أكادير بل عن مدن أخرى مثل الرباط وتمارة وغيرهما، مرشحا دخول الحرارة هذه السنة منعطفا جديدا في التحولات المناخية.
وضمن توقعاته التي قدمها لهسبريس، رجح المتحدث تعرض النظم البيئية للمزيد من التدهور، نتيجة الحرارة غير الاعتيادية التي ستؤثر كذلك على الإنسان وباقي الكائنات الطبيعية، مسجلا أن هذه الحرارة ستساهم في تبخر ملايين الأمتار المكعبة للضايات والبحيرات والأودية والأنهار والمياه السطحية التي تشكل جزءا من الحفاظ على التوازنات البيئية؛ وهي ثروة طبيعية نحتاجها في أيام الندرة المائية التي نعيشها، إلى درجة أصبحنا نصف المرحلة بـ”الجفاف الهيكلي”.
وأورد المتحدث أن الصيف الذي ندخله “لن يكون عاديا”، وعلينا أن “نستعد له”؛ لأن ارتفاع ثاني أكسيد الكربون على مستوى الغلاف الجوي ما زال مقلقا، خصوصا أمام تعنت الدول الصناعية الكبرى وتهربها من الالتزام بمسار العمل المناخي العالمي الذي يروم حماية ما تبقى من الكوكب وإعادة التوازنات البيئية إلى شكلها الطبيعي، وهو ما سيتطلب سنوات ضوئية، ما يعني أن الكوارث البيئية التي يمكن أن نشهدها من حرائق للغابات، هي “معضلة أخلاقية كبرى تعود إلى تهاون العقل الصناعي العالمي”.