رسالة حزب “الكتاب” تثير جدلا سياسيا بين إشادات المعارضة وانتقادات الأغلبية
ألقت الرسالة المفتوحة الثانية التي وجهها حزب التقدم والاشتراكية إلى عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، حجرا ثقيلا في بركة السياسة الوطنية؛ فقد أعادت هذه الرسالة، التي تزامنت مع بداية النصف الثاني من الولاية الحكومية الحالية، النقاش وبقوة حول مدى صوابية التوجه نحو هذه الآلية الجديدة من عدمها.
وكرد فعل طبيعي بالنظر إلى مسألة التحالفات والاصطفافات، ثمن قياديون بأحزاب المعارضة هذه الخطوة، معتبرين أن “الواقع السياسي وعدم تجاوب الحكومة مع البرلمان يدفعان إلى ضرورة البحث عن وسائل جديدة لتحقيق الرقابة ومساءلة المؤسسة التنفيذية عن حصيلتها الضعيفة، مادام أن الحكومة لا تجيب على مستوى البرلمان”.
أما في الشق الثاني، فينتقد محسوبون على أحزاب الأغلبية هذه الخطوة الجديدة التي اعتبروها “بدعة سياسية جديدة ومسيئة للعمل السياسي وللنسق السياسي ككل، في وقت كان من الأجدر على حزب “الكتاب” اعتماد القنوات الرقابية الكلاسيكية، كالبرلمان، ما دام أنه يتوفر على ممثلين له بمجلس النواب وعلى مستوى اللجان البرلمانية”، لافتين إلى أن “محاولة إظهار الحكومة كغير الملتزمة ببرنامجها أمر غير صائب”.
ووجه حزب التقدم والاشتراكية، خلال الأسبوع الماضي، رسالة مفتوحة ثانية تتضمن تقييما لحصيلة الحكومة خلال النصف الأول من عمرها، تضمنت ما اعتبرته “فشلا في تدبير الحكومة لعدد من الأوراش الاجتماعية؛ بما فيها الدعم المباشر والحماية الاجتماعية والمسائل الاقتصادية الصرفة”، وذلك في 10 نقاط رئيسية.
“خطوة مسؤولة”
اتفق عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، مع خطوة حزب “الكتاب”، حيث قال إن “هذه المبادرة، التي اتخذها هذا الحزب بكل مسؤولية سياسية، تتقاطع مع الخلاصات والملاحظات وكذا الاقتراحات التي قدمها حزب العدالة والتنمية الشهر الماضي خلال الندوة التي خُصصت لمناقشة حصيلة نصف الولاية الحكومية”.
وأضاف بووانو متحدثا لـ هسبريس أن “موقف حزبنا من الرسالة هو موقف إيجابي”، موضحا أن “مبادرة الأحزاب لتقييم عمل الحكومة أو تسجيل مواقفها السياسية قد تختلف ما بين الرسائل المفتوحة أو الندوات أو حتى البيانات؛ فلكل طريقة الخاصة، وليس من الضروري أن تتبع جميع الأحزاب النهج نفسه دون أن يمنع هذا من وجود مبادرات مشتركة في هذا الصدد”.
وشدد رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية على “ضرورة الفصل بين عمل البرلمان المتمثل في التشريع والرقابة على العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية وبين عمل الأحزاب الذي يؤطره الفصل السابع من الدستور؛ وهو العمل الذي تقوم به، سواء من خلال هكذا مبادرات أو من خلال بيانات هياكلها المركزية أو الجهوية أو المحلية”.
“الواقع يفرض ذلك”
إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، قال إن “السلطة التشريعية تتمتع بحق مساءلة ومتابعة التدبير الحكومي وتقييم السياسات العمومية، من خلال مجموعة من الآليات التي جاء بها نص الدستور ومقتضيات القوانين التنظيمية المنظمة لعمل غرفتي البرلمان”، مضيفا أن “الإشكال هو أن التقييم باعتماد آليتي الأسئلة الشفهية والكتابية أثبت عدم جدواه نتيجة مجموعة من العوامل”.
وفي استعراضه لهذه العوامل، أشار السنتيسي إلى أن “الحصة الزمنية التي تعطى للفرق البرلمانية لطرح الأسئلة الشفهية، سواء العادية أو الآنية، خلال جلسات المساءلة الأسبوعية غير كافية بتاتا”، لافتا إلى أنه “يتم، في بعض الأحيان، جمع الكثير من الأسئلة في إطار وحدة الموضوع؛ ومن ثم تقديم جوابا واحد عنها بما يعطي وقتا أكثر للحكومة مقارنة بالنواب”، مبرزا أن “الأسئلة الكتابية لا تتم عادة الإجابة عنها رغم مرور أشهر على طرحها، ما يوازيه غياب الوزراء عن جلسات اللجان من اجل مناقشة حصيلتهم القطاعية”.
تبعا لذلك، اعتبر رئيس فريق حزب “السنبلة” بمجلس النواب أن “مبادرة الرسالة المفتوحة التي اتخذها حزب التقدم والاشتراكية، وباعتبارها مبادرة خارج الإطار المؤسساتي والبرلماني المؤطّر بموجب القوانين الجاري بها العمل، تبقى مبادرة مستحسنة وناتجة عن أوجه القصور ونقص المعلومة التي تعرفها مراقبة التدبير الحكومي داخل البرلمان”، مشددا على أن “مثل هكذا مبادرات هي من صميم عمل الأحزاب، التي تسعى إلى إبداء ملاحظاتها وتسجيل مواقفها بخصوص ما يهم المواطنين”.
“خطوة غير مفهومة”
محمد صلوح، قيادي بحزب الأصالة والمعاصرة، قال إن “رسالة حزب الكتاب التي وجهها إلى السيد رئيس الحكومة، وإن كانت خطوة غير اعتيادية على مستوى ممارسة المعارضة في المغرب، فإنه في الوقت ذاته لا يوجد في الحياة السياسية والقانونية ما يمنعها، على الرغم من أن الأمر قد ينطوي على قراءة سياسية معنية كون هذا الحزب لا يملك من الفضاءات المؤسساتية ما يكفي للتعبير عن مواقفه من العمل الحكومي”.
وأضاف صلوح، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “السؤال حول مبررات اختيار هذا النهج رغم توفر الحزب على فريق برلماني وممثلين في اللجان وتوفره على آليات متاحة لمساءلة الحكومة والوزراء؛ يجب أن يُطرح على مناضلي الحزب أكثر منهم أحزاب الأغلبية”.
وأشار القيادي بحزب “الجرار” إلى أن “مضمون الرسالة يكشف أن حزب التقدم والاشتراكية يحاول إظهار الحكومة على أنها أخلت بالتزاماتها تجاه المواطن، حيث لا يستقيم هذا المضمون الحاد مع طبيعة وموقع حزب خرج لتوه من التدبير الحكومي وكان جزءا من التحالف السابق”، مسجلا أن “هذه الخطوة غير مفهومة، وكان الأفضل الاقتصار على طرق المساءلة المؤسساتية التي يجب أن تترك لمنظمات المجتمع المدني”.
“بدعة سياسية”
يوسف شيري، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، قال إنه “لا بد أن أسجل، في البداية، فخرنا واعتزازنا بما أنجزته الحكومة خلال 30 شهرا من العمل الجاد والمثمر. كما نؤكد أننا سنسير على النهج نفسه لحصد المزيد من الإنجازات التنموية لتحقيق صورة المغرب الذي يريده جلالة الملك نصره الله، وهو مغرب التنمية والازدهار”.
وأضاف النائب البرلماني، في تصريح لهسبريس، أن “هذا العمل يزعج خصومنا السياسيين ويرشقون شجرتنا المثمرة بالحجارة الهشة.. فهذا ما وقع لحزب طالما ساهم في تعطيل الزمن التنموي على مستوى أوراش مهمة وحساسة، خاصة على مستوى قطاعي الماء والصحة؛ في حين أن الحكومة الحالية تؤدي ثمن أخطائهم وتشتغل لاستدراك الزمن التنموي وتنزيل أوراش كبرى بأجندة معقولة وتنموية تنفيذًا للتوجيهات الملكية السامية”.
وتابع المتحدث: “نرى أن هذه الخطوة تساهم في انحراف في المشهد السياسي وفي الحياة السياسية ما دامت الرسالة فيها تجاوز لمنطق المؤسسات، وتساهم في تعطيل آليات الرقابة على مستوى البرلمان؛ فقد كان حريا بحزب التقدم والاشتراكية أن يراسل الحكومة من بوابة البرلمان باعتبارها المؤسسة الرقابية على العمل الحكومي عوض أن يأتي بهذه البدعة السياسية التي تمس بالمؤسسات وتعطل العمل البرلماني الجاد”.