حرب غزة: الهجوم على رفح جزء من استراتيجية الجيش الإسرائيلي “الوحشية والخاسرة” – الغارديان
لا يزال الهجوم الإسرائيلي على مخيمات النازحين في رفح، يلقي بظلاله على الصحف الغربية والعربية، حيث سلطت جميعها الضوء على تداعيات الغارة التي وقعت يوم الأحد وراح ضحيتها ما لا يقل عن 45 فلسطينياً.
ونبدأ جولتنا بمقال من صحيفة الغارديان البريطانية، حيث اختار كاتبه بول روجرز “عنواناً هجومياً”، متهماً الجيش الإسرائيلي بتعمد استهداف المدنيين في الغارة كجزء أساسي من استراتيجيته.
وأوضح الكاتب وأستاذ دراسات السلام في جامعة برادفورد البريطانية، أنه على الرغم من أن تصريحات حكومة نتنياهو المتكررة بأن إسرائيل تستخدم القوة ضد حماس لا المدنيين، إلا أن هذا “يتعارض مع السلوك الفعلي لهذه الحرب وطريقة القتال الإسرائيلية برمتها”.
ولفت المقال إلى حصيلة الحرب المستمرة منذ أكثر من سبعة أشهر، والتي أسفرت حتى الآن عن مقتل ما يقدر بنحو 35 ألف فلسطيني وإصابة نحو 80 ألفاً آخرين، بالإضافة إلى ما يصل إلى 10 آلاف في عداد المفقودين، يُرجّح أنهم لقوا حتفهم.
ويشرح المقال ما جاء في عنوانه، بأن الجيش الإسرائيلي كان منذ البداية يوسع هجماته إلى ما هو أبعد من حماس؛ حيث استهدفت غاراته المدارس والجامعات والمستشفيات ومحطات معالجة المياه والصحفيين وعمال الإغاثة والطواقم الطبية.
ورغم أن “التدمير المتعمد للبنية التحتية المدنية” أمر شهدته الحرب في أوكرانيا، ومن قبلها العراق، إلا أن المقال يرى أن ذلك لا يضاهي “التدمير المطلق” على الطريقة الإسرائيلية في إدارة الحرب.
ويحاول روجرز شرح هذا الاستخدام “للقوة المفرطة” بالقول إنه قد يكون امتداداً لـ”عقيدة الضحية”، التي يعتقد أن الجيش الإسرائيلي بدأ تطبيقها خلال حرب عام 2006 ضد حزب الله في لبنان، حين رأى أن هزيمة “المسلحين” شبه مستحيلة في المناطق الحضرية في بيروت، لاسيما وأنهم كانوا على استعداد للموت من أجل قضيتهم.
ويرجع المقال السبب وراء هذه العقيدة إلى التجارب السابقة للجيش الإسرائيلي، سواء خلال حصار بيروت عام 1982، أو حرب عام 2006 في لبنان، أو حتى في حروب غزة الأربع التي سبقت الصراع الحالي؛ فالجانب الإسرائيلي لا يقبل بالخسائر الكبيرة التي يتكبدها في عملياته في المناطق الحضرية “حتى لو كانت الخسائر الفلسطينية أكبر بعشر مرات أو عشرين مرة”.
وبموجب “عقيدة الضحية”، يستخدم الجيش القوة على نطاق واسع وطويل الأمد ضد المدنيين لتحقيق هدفين محددين وفق المقال: الأول قصير المدى وهو تقويض الدعم المقدم لـ”المسلحين”، والثاني طويل المدى ويتمثل في ردع الحركات المسلحة في المستقبل، سواء في غزة أو الضفة الغربية المحتلة أو جنوب لبنان.
وأوضح روجرز أن إسرائيل تعيش في حالة من التناقض الأمني منذ زمن طويل؛ حيث “تبدو إسرائيل منيعة ولكنها غير آمنة على الدوام”، الأمر الذي سيستمر إلى أجل غير مسمى، حال غياب التوصل إلى تسوية عادلة مع الفلسطينيين.
“نتنياهو وائتلافه المعادي للسامية”
ننتقل إلى صحيفة هاآرتس الإسرائيلية، ومقال للكاتب مايكل بريزون، يُحمّل فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه “الكابوسي” مسؤولية معاداة السامية، بل ويصفهم بها.
ويرى بريزون أن العلاقة بين إسرائيل ومعاداة السامية هي “نموذج للعلاقات المتناقضة الناجحة التي تخدم كلا الجانبين بكفاءة”؛ فهي توفر الحجة للممارسات الإسرائيلية المثيرة للجدل، وفي الوقت ذاته “تساعد في تغذية جنون العظمة والهستيريا لدى الإسرائيليين”، ما يراه المقال أمراً حيوياً للسيطرة على الإسرائيليين والحفاظ على “الحكومة الفاسدة”.
ولتعزيز معاداة السامية لدى الأجيال القادمة، يرى المقال أن الحكومة الإسرائيلية سعت لعدم التفرقة بين الدولة وبين الأمة اليهودية بأكملها، وبالتالي جعلت اليهود طرفاً في جميع أفعال الدولة وأخطائها.
وعقد المقال مقارنة بين تعريف معاداة السامية “القديمة” التي كان يُقصد بها معاداة اليهود ومضايقتهم لكونهم يهوداً، وبين معاداة السامية “الجديدة” التي يرى كاتب المقال أن نتنياهو اختزلها في شخصه وائتلافه.
وذكر المقال بعض الأسماء المثيرة للجدل مثل بن غفير وسموترتش وستروك وكارهي وغيرهم، ممن وصفهم بريزون بأنهم “المعادون الجدد للسامية” الذين تتسبب أفعالهم في “تشويه سمعة الأمة اليهودية بأكملها”.
فبسبب “معاداة السامية الجديدة”، يُنظر إلى اليهود جميعاً على أنهم طرف في “جرائم” الحكومة الإسرائيلية، رغم أنهم ليسوا مسؤولين عن قتل 35 ألف فلسطيني، أو تجويع الناس أو تدمير البنية التحتية أو تهجير الناس من منازلهم.
كما أدى “المعادون الجدد للسامية” إلى تضخيم “الحق في الدفاع عن النفس” حتى بلغوا أبعاداً “وحشية” يُسمح فيها بكل شيء، وشكّلوا ما وصفها المقال بـ”إمبراطورية مفترسة ظلت تمارس طغياناً دموياً لعقود من الزمن”.
وختم بريزون مقاله آملاً في القبض على نتنياهو وائتلافه ومحاكمتهم على أفعالهم التي تُعرّض حياة اليهود للخطر، و”تلطخهم بوصمة عار” سيستغرق محوها سنوات عديدة.
الكل تغيّر… إلا واشنطن!
بهذا العنوان نختتم جولتنا مع صحيفة القدس العربي، ومقال للصحفي محمد كريشان، بعنوان “الكل تغيّر… إلا واشنطن!”.
يرى الكاتب أن كل المواقف الدولية مما يجري في غزة يرجى تغيّرها إلا الموقف الأمريكي، ويقول إن إصرار الولايات المتحدة “عجيب” لمواصلة البحث عن الأعذار، حتى عندما يكون واضحاً كقصف مخيم للاجئين في رفح.
“تغيرات طفيفة أو كبيرة حدثت في كل المواقف الدولية من الحرب الإسرائيلية يمكن أن تلمسها هنا أو هناك، إلا الموقف الأمريكي فهو يلف ويدور ويراوغ ليعود دائماً إلى نفس النقطة”، بحسب كريشان.
ويستعرض الكاتب بعض الأمثلة لبلدان عدلت عن موقفها الداعم لإسرائيل، ويقول: “حتى كندا التي ظلت لأشهر ملتصقة بالموقف الأمريكي، طالبت خارجيتها بوقف إطلاق النار. ألمانيا تتغير وتقول وزيرة خارجيتها إن حكم محكمة العدل الدولية بشأن غزة وإسرائيل ملزم ويجب بالطبع احترامه. هولندا تتغير هي الأخرى ويقول رئيس وزرائها إن الصور المروعة القادمة من رفح تسلط الضوء مرة أخرى على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة.”
ويضيف: “رئيس المجلس الأوروبي يوضح أكثر ويقول «أذكّر إسرائيل بأن اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل يجب أن تستمر على أساس احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي بما يتماشى مع قيمنا» مع إشارات صدرت بإمكانية فرض عقوبات أوروبية على إسرائيل تحرمها من ميزات اقتصادية عديدة في علاقاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
يرى الكاتب أن كل الدول الغربية تستعيد بدرجة أو بأخرى “الحد الأدنى من الإنصاف والعدالة” في الحكم على ما يجري في غزة، وأن من لم يتجرأ على الأقل على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فالمظاهرات في بلاده عارمة ومستمرة.
وينهي بقوله: “الكل تقريباً يسير في هذا الاتجاه بسرعة متفاوتة إلا الولايات المتحدة، التي يمعن مسؤولوها والمتحدثون باسمها من رئيسها إلى وزير خارجيتها إلى المتحدث باسم مجلس أمنها القومي إلى المتحدثين باسم خارجيتها إلى معظم نوابها وأعضاء مجلس شيوخها فهم مصممون إلى الآن وبتعسف، على البقاء على تحيزهم.”