حرب غزة: غياب الاستراتيجية يثير الانتقادات لحكومة نتنياهو
- Author, سمية نصر
- Role, بي بي سي
أثارت عودة الجيش الإسرائيلي إلى مناطق انسحب منها سابقا شمالي قطاع غزة الكثير من التساؤلات بخصوص استراتيجية الحكومة للحرب، ومدى واقعية هدفها المعلن بقضاء على حركة حماس في القطاع.
وتجددت المعارك الشرسة في مخيم جباليا للاجئين شمالي القطاع، وكذلك في حي الزيتون جنوبي مدينة غزة، قبل أن ينسحب منها الجيش الإسرائيلي في وقت لاحق.
ويأتي ذلك في الوقت الذي دخلت فيه الحرب في غزة شهرها الثامن، ما أدى لمقتل أكثر من 35 ألف فلسطيني، بحسب إحصاءات وزارة الصحة في قطاع غزة، وتدمير ما يزيد عن نصف مباني القطاع.
ولا زالت حماس تحتجز أكثر من 100 إسرائيلي منذ هجوم عناصرها على بلدات إسرائيلية في غلاف غزة، والذي أدى إلى مقتل 1200 شخص على الجانب الإسرائيلي بحسب التصريحات الإسرائيلية.
ولا توجد أي دلائل حتى الآن على نجاح محاولات الوساطة للتوصل لوقف لإطلاق النار بين الجانبين وإنهاء الحرب المسنمرة في القطاع.
“أهداف ضبابية واستراتيجية غير دقيقة”
ويعتقد كثير من معارضي الحكومة الإسرائيلية أن الاستراتيجية العسكرية التي اتبعتها إسرائيل غير واضحة المعالم، وهو ما أدى لعدم قدرتها على تحقيق الأهداف المعلنة، وعلى رأسها القضاء على حركة حماس في القطاع، وتحرير جميع المحتجزين.
ويقول الخبير العسكري البريطاني مايكل كلارك إن الاستراتيجية الإسرائيلية في الحرب “ضبابية وغير متماسكة”.
ويضيف كلارك لبي بي سي أن “الانسحاب من بعض المناطق لم يفعل شيئا باستثناء إعادة بعض جنود الاحتياط إلى أعمالهم لدعم الاقتصاد المتردي، والآن حماس تعود للسيطرة على هذه المناطق التي أعلنت إسرائيل السيطرة عليها في السابق، وهو ما يعني أن الاستراتيجية الأصلية المعلنة تفشل، وعالقة بين الهجمات والهجمات المضادة”.
ونزح اللاجؤون الفلسطينيون من مخيم جباليا إلى غربي مدينة غزة الأسبوع الماضي إثر غارة جوية إسرائيلية.
ويرى المحللون أن انسحاب إسرائيل من بعض المناطق التي أعلنت السيطرة عليها في القطاع سابقا، يوضح فشلها في تحقيق أهدافها، وأن هناك أيضا بعض الخوف بين سكان القطاع ما يعطي حماس القدرة على الانتشار مرة أخرى في تلك المناطق.
وبدأت الولايات المتحدة أقرب حلفاء إسرائيل في انتقاد زيادة عدد القتلى المدنيين خاصة من النساء والأطفال في القطاع، وقال أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي إن الاستراتيجية الإسرائيلية أدت إلى “خسائر فظيعة بين المدنيين الأبرياء” كما أنها آلت أيضا إلى الفشل في تحييد قيادات حركة حماس وهو ما قد يؤدي لزيادة أمد الحرب.
وأشار نائب وزير الخارجية كيرت كامبل إلى أن واشنطن لا تعتقد أن الاستراتيجية الإسرائيلية الحالية ستؤدي إلى نصر إسرائيلي في النهائية على حماس.
وأضاف كامبل: “أحيانا عندما نستمع لقيادات إسرائيل يتحدثون في الغالب عن فكرة التوصل لنصر سريع وحاسم، نحن لا نعتقد أن هذا الأمر مرجح”.
أما فواز جرجس أستاذ العلاقات الدولية في كلية الاقتصاد بجامعة لندن، فيعتبر أن “هناك توافقاً على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد صوّب بعيدا عندما أعلن أهدافه التي اتضح الآن أنها صعبة التحقيق، حتى أن الكثير من القادة العسكريين والسياسيين في الولايات المتحدة يقولون إن فكرة النصر الإسرائيلي الحاسم أمر غير ممكن”.
ويطالب مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان نتنياهو بربط الحرب في غزة بخطة سياسية لمستقبل القطاع بعد الحرب.
وفي مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي أضاف سوليفان أن “أي عملية عسكرية يجب أن تكون مرتبطة بإنهاء الحرب بشكل يوضح كيفية إدارة شؤون القطاع فيما بعد”.
وقال بلينكن خلال لقاءاته في إسرائيل قبل أيام إنه “لا يمكن أن نترك القطاع في حال فوضى، وفراغ سياسي” مطالبا الحكومة الإسرائيلية بتقديم خطة سياسية لحل هذه المعضلة.
ويقول مدير مركز الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون دانييل بيمان إن غياب التصور الإسرائيلي لوضع القطاع السياسي بعد الحرب يشكل “أزمة ضخمة”.
ويوضح بيمان لبي بي سي: “لقد وضعت إسرائيل أهدافا غير واقعية وغير ممكنة مثل القضاء على حماس، دون تقديم خطة حول شكل إدارة القطاع، وهو أمر ضروري في حال تمت الإطاحة بحركة حماس، إذ سيتطلب دعما عسكريا مستمرا لإدارة القطاع الجديدة، كي لا تعود حماس إلى الواجهة مرة أخرى، كما فعلت في جباليا، ويتطلب أيضا خطوات سياسية لدعم السلطة الفلسطينية، التي ستكون أفضل بديل في غزة”.
وهذا الخيار هو الذي يدعمه الرئيس الأمريكي جو بايدن، بحيث تدير السلطة الفلسطينية الضفة الغربية وقطاع غزة معا بنفس الأسلوب.
ورغم ذلك قال نتنياهو سابقا “سنحكم قطاع غزة لفترة غير محددة” ورفض إعطاء حق إدارة القطاع للسلطة الفلسطينية.
وفي إسرائيل نفسها انتقد القادة العسكريون علنا نتنياهو لعدم تحديد أهداف واضحة وممكنة للحرب وخطط لإدارة القطاع سياسيا بعد الحرب.
ونقلت صحيفة تايمز أوف إسرائيل عن قائد أركان الجيش الإسرائيلي هيرزي هاليفي قوله للقناة 13 المتلفزة: “نقوم بعمليات عسكرية مرة أخرى في جباليا حاليا، ولا توجد أي مبادرات سياسية لتشكيل إدارة مدنية في القطاع بعد حماس، يجب علينا أن نعيد العمليات العسكرية مرة أخرى في مناطق مختلفة لتفكيك بنية حماس التحتية مرة ثانية”، وأشار المسؤول الإسرائيلي إلى أن ذلك سيكون عملا مرهقا.
أما وزير الدفاع يؤآف غالانت والوزير بيني غانتس فطالبا نتنياهو بإعلان خطة الحكومة لشكل القطاع ما بعد الحرب.
وكان غالانت قد هاجم نتنياهو بشدة الأسبوع الماضي، لتأخره في الإقدام على هذه الخطوة، وهو الأمر الذي اعتبره غالانت بأنه سيؤدي إما إلى عودة حماس لحكم القطاع أو عودة إسرائيل للسيطرة عليه مرة أخرى، ومشيراً إلى أن كلا الخيارين “يضعفان جهدنا العسكري ويقللان الضغوط على حماس ويقوض جهود تشكيل إطار محدد لإطلاق سراح الرهائن”.
واتفق غانتس وهو أحد أبرز أعضاء حكومة الحرب الإسرائيلية مع غالانت، وهدد علنا بالاستقالة من الحكومة ما لم تعلن خطة من ستة بنود لشكل القطاع بعد الحرب.
وكان نتنياهو قد أكد أكثر من مرة أن الحديث عن شكل إدارة القطاع بعد الحرب مجرد “كلام فارغ” طالما بقيت حماس على الساحة.
“عملية عسكرية ضعيفة”
كما نشرت صحيفة هآرتس الأسبوع الماضي، أنه يمكن أن يكون القادة العسكريون الإسرائيليون على حق في توجيه اللوم لنتنياهو بتضييع إنجازاتهم العسكرية في القطاع بسبب غياب استراتيجية واضحة للحرب وما بعدها، وأضافت أنه كان ينبغي لهم أن يواجهوه بهذا الأمر قبل بدء العمليات في غزة.
ويتفق كلارك مع فكرة توجيه اللوم لنتنياهو بشكل أساسي، بسبب غياب استراتيجية واضحة، مشيراً إلى أن “الجيش الإسرائيلي أيضا يتحمل اللوم لغياب القدرة العسكرية خلال العمليات، وضعف قدرة تحديد الأهداف بدقة”.
ويقول منتقدو نتنياهو إن قراراته بخصوص الحرب خضعت لرغبته في الاستمرار في الحكم من خلال الائتلاف القائم، الذي يضم اثنين من الأحزاب المتطرفة، بقيادة سموتريتش وزير المالية، وإيتمار بنغفير مستشار الأمن القومي، ويطالب كلاهما بالسيطرة على غزة، وتأسيس مستوطنات فيها.
ولهذا يرى منتقدو نتنياهو أنه رفض إعلان خطة لشكل إدارة القطاع بعد الحرب ليتجنب انهيار الائتلاف الحكومي، ورفض المقترح الأمريكي بإعادة السلطة الفلسطينية لحكم القطاع.
ويضيف منتقدو الحكومة أنه ربما كان غالانت يشير إلى هذه النقطة عندما قال إنه يجب على نتنياهو “تغليب المصلحة الوطنية على الاعتبارات السياسية والأهداف الشخصية”، وهو الأمر الذي رفضه نتنياهو وأكد أن الهدف الأساسي هو القضاء على حماس.
ويؤكد جرجس على فكرة استحالة تحقيق نصر ساحق على حماس لأنها “ليست جيشا نظاميا لكنها حركة سياسية وعسكرية ومجتمعية في الوقت نفسه، ومتجذرة في القطاع، ولها شعبية هائلة”.
وأضاف أن إطالة الحرب يمكن أن “تخدم حماس لأنها تؤكد لأبناء القطاع والعرب بشكل عام، بأن الحركة تدافع عن القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني، والهوية الفلسطينية، وهو ما قد يجعل الحرب في النهاية تؤول إلى عكس هدفها، وتزيد حماس قوة على المستويات المجتمعية والسياسية والعسكرية وتشجع الآلاف على التطوع في صفوفها”.