بوتين وشي: انتهاء علاقة الأقران الأنداد
- Author, لورا بيكر
- Role, بي بي سي نيوز-مراسلة الشؤون الصينية
اعتبرت زيارةُ الدولة التي قام بها فلاديمير بوتين إلى الصين هذا الأسبوع بمثابة استعراض للقوة. فقد كانت فرصة للرئيس الروسي ليثبت للعالم أن لديه حليفاً قوياً في صفه.
ويُعتقد على نطاق واسع أن الزعيم الروسي أصبح منبوذاً بعد غزو أوكرانيا وأن غالبية ساحقة تراه بنفس العين.
لكن بالنسبة للرئيس الصيني شي جين بينغ، فإن بوتين هو ذلك الشريك الذي لا غنى عنه في مشوار إقامة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، واستبدال النموذج أحادي القطب الذي تقوده حاليا الولايات المتحدة.
ورحّب السيد شي بضيفه. فبسط لقدومه السجادة الحمراء، كما عُزفت موسيقى الجيش الأحمر من الحقبة السوفيتية الغابرة، وتم نقل الأطفال إلى ساحة تيانانمن ليكونوا في استقبال القائدين أثناء جولتهما في قلب العاصمة الصينية.
وكان هناك أيضاً عناقٌ قصير من أجل الكاميرات التي تتابع عدساتها الزيارة.
وركزت وسائل الإعلام الرسمية عن كثب لدى كلا الجانبين على إبراز علاقة الصداقة الوثيقة التي تربط الزعيمين.
لكن في واقع الأمر، فإن هذة الشراكة غير متوازنة، لا تجمع متناظرين متكافئين أو أقران أنداد.
جاء بوتين إلى الصين يحمل حرصاً على أن تواصل الصين التعاون التجاري مع بلاده التي تعزلها عقوبات شديدة الوطأة مفروضة عليها منذ أن غزت أوكرانيا.
وغلف تصريحاته بكلام معسول وعبارات تودد منتقاة بحنكة. وحرص على أن يذكر علانية أن أنجاله يتعلمون اللغة الماندرينية (الصينية المبسطة) وكان هذا أمر لافت بشكل خاص لأنه نادراً ما يذكر أمراً عن حياته الشخصية وعن أسرته وبيته على الملأ.
وأعلن أنه وشي جين بينغ “مثل الأخوة”، واسترسل في الإشادة بالاقتصاد الصيني، قائلاً إنه “ينمو على قدم وساق، بوتيرة سريعة”. ومن المرجح أن يكون لهذا الكلام وقعه الجيد على الإدارة الصينية وان يخفف من قلقها حيال التباطؤ الذي يشهده الاقتصادي الوطني.
لكن شي نفسه بدى أكثر اعتدالاً في خطابه، ولم يتفوه بشيء غير عادي، واعتمد في تصريحاته الدماثة البروتوكولية المعهودة ولم يطنطن. وقال إن بوتين كان دوماً “صديقاً جيداً وجاراً طيباً”.
فمن وجهة النظر الصينية، فإن حفاوة الترحيب واستعراض الوحدة هو أمر يصب في المصلحة القومية، لكن إطراء الضيف وإظهار حميمية مبالغة إزاءه ليس كذلك.
فالحرب المكلفة الدائرة في أوكرانيا، بدون علامات بقرب نهايتها، طبعت أثرها في شكل العلاقات الصينية الروسية، وكشفت عن مكامن ضعف لدى الحليف الروسي، على صعيد الأداء العسكري والاقتصادي. وحتماً سيدرك السيد شي أنه قائد تلك السفينة في الوقت الحالي.
فقد أدت الحرب الأوكرانية إلى عزل روسيا دولياً. وقد تكون علاقات الصين مع الغرب متوترة، لكنها لم تنقطع عن العالم مثل روسيا، ولا تريد ذلك.
ورغم أن تصريحاته في مجملها خلت من أي حماسة صارخة، فإن الرئيس شي ألمح إلى الأهمية التي توليها الصين للعلاقات مع روسيا. وقد دعا بوتين إلى مقر إقامته الرسمي في تشونغنانهاي في بكين حيث عقدا اجتماعاً مصغراً. ولم يحصل سوى قِلة من الزعماء على هذا الشرف، وكان من بينهم الرئيس الأميركي باراك أوباما في عام 2014، عندما كانت العلاقات الصينية مع الولايات المتحدة في أفضل حالاتها.
ويحاول الرئيس شي إيجاد توازن دقيق من المصالح- فهو يريد الحفاظ في كفة على تحالفه مع بوتين، في حين يعلم أيضاً أنه بعلاقته الوثيقة بدولة “منبوذة” فإنه يخاطر في الكفة الأخرى بقدرته على الحفاظ على التناغم الحالي مع الغرب والذي يحتاج إليه لمساعدة اقتصاد بلاده المتعثر مما يجعل استقرار العلاقات على هذا الصعيد أيضا ضروريا.
وحقيقة الأمر فإن هذه الزيارة كان الغرض الرئيسي منها هو البحث عن المال والصفقات: فالسيد بوتين يحتاج إلى دعم الصين في حربه في أوكرانيا. فقد اصطحب معه في رحلته إلى الصين محافظ البنك المركزي الروسي ووزير ماليته ومستشاره الاقتصادي وتشكيلة الوفد المرافق توحي بالنوايا لدى بوتين.
كما شهدنا نقاطاً لافتة في البيان المشترك الذي صدر بالمناسبة من أجل تعزيز التعاون التجاري مثل بناء ميناء على جزيرة تشاجر سابقاً الجانبان بشأنها لأكثر من 100 عام، والحوار مع كوريا الشمالية لمعرفة ما إذا كان بإمكان السفن الصينية الإبحار عبر نهر رئيسي للوصول إلى بحر اليابان. وقد تضمن نص البيان كلمة “التعاون” 130 مرة.
وبطبيعة الحال، تحظى هكذا زيارة بمتابعة أمريكية دقيقة ورصدٍ لما يجري في هذا الطرف من العالم.
في الشهر الماضي، حذر وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن الصين من التوقف عن تغذية وقود الغزو الروسي لأوكرانيا، واتهم المواد الصينية بسد ثغرات حيوية في دورة الإنتاج الدفاعي الروسي مؤكداً أن المكونات الصينية تدعم قطعاً عسكرية روسية في ساحة المعركة مثل الدبابات والمسيرات.
ولذلك فإن الولايات المتحدة بالطبع لا تغفل عن ذهاب بوتين، الجمعة، في اليوم الثاني من زيارته للصين، إلى جامعة تقنية حكومية مشهورة بأبحاثها الدفاعية في مدينة هاربين، في شمال شرق الصين.
ومما لا شك فيه أن الجولة برمتها – من مراسمها إلى دلالاتها – تشير بالتأكيد إلى أن شي جين بينغ عازم على إثبات أنه لا يتأثر بالضغوط التي تأتي من الغرب.
لكن في كواليس استعراض الوحدة الذي قام به أمرٌ آخر وربما تكون هناك حدود للمدى الذي يستعد شي جين بينغ الذهاب إليه في سبيل تحقيق أهدافه.
ففي نهاية المطاف، فإن مصالح الدولة الصينية ليست هي مصالح روسيا وإن تقابلت في مطارح.
وباعتباره الشريك الأثقل وزنا في هذه العلاقة وروسيا الآن، فإن شي جين بينغ على ما يبدو لا يقدم العون إلا إذا كان لا يضره حتى لو وجد “صديقه العزيز” وحليفه المقرب في مرحلة حساسة وبأمس حاجة إليه.