المغرب يراهن على تقاسم التجارب في فعاليات المنتدى العالمي العاشر للمياه

في سياق عالمي موسوم بتوالي سنين الإجهاد المائي الهيكلي وتفاقم آثار التغير المناخي بشكل أصبح معه تحقيق الأمن المائي والسيادة الغذائية رهاناً مزدوجاً يفرض نفسه على جميع دول المعمور، من المرتقب أن يبصم المغرب على مشاركة فاعلة في فعاليات المنتدى العالمي للماء في دورته العاشرة بمدينة بالي الإندونيسية، المنظم من 18 إلى 25 ماي الجاري تحت شعار “الماء من أجل الازدهار المشترك”.
بوفد مغربي رسمي وازن يتصدره رئيس الحكومة عزيز أخنوش، مرفوقاً بنزار بركة، وزير التجهيز والماء، تُكرّس دورة المنتدى العالمي للماء – بالي 2024 تاريخه، الذي انطلق مع دورته الأولى بمراكش سنة 1997، مرورا بثماني دورات متتابعة، آخرها بدكار سنة 2022، مستحضراً تطوره إلى “أرضية فريدة ومتميزة لتبادل الخبرات والمعارف وتعبئة دولية رفيعة المستوى حول القضايا الحساسة المتعلقة بالماء، وبالتالي توحيد الرؤى لأجل رفع التحديات العالمية للماء”.
أوّل إعلان وزاري
في خطوة فارقة، مِن المقرر، حسبما أوردت وكالة الأنباء الإندونيسية “أنتارا”، نقلًا عن المدير العام للتعاون متعدد الأطراف بوزارة الشؤون الخارجية الأندونيسية، قوله في مؤتمر صحافي، عُقد الأحد، أن “يُصدر المنتدى العالمي للمياه، لأول مرة في تاريخه (منذ أول دورة بالمغرب)، إعلاناً وزارياً لا يتم التفاوض عليه، ولكن يتم بالتشاور”.
ويتضمن الإعلان، الذي سيتم تبنيه رسميا في 21 مايو الجاري، “أربع نقاط رئيسية سوف تقترحها إندونيسيا في المنتدى”، الذي أكد مُنظِّموه أنه “مُميَّز، بشكل خاص، لأنه سيشهد لأول مرة عقد اجتماع رفيع المستوى، بمشاركة ممثلين عن 108 دول و30 منظمة دولية”.
المشاركة المغربية
مشاركة المغرب في هذه التظاهرة العالمية الكبرى، التي تنظم كل ثلاث سنوات من طرف المجلس العالمي للماء والبلد المضيف، تتميز بمنح “جائزة الحسن الثاني العالمية الكبرى للماء” في نسختها الثامنة من طرف رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، في حفل خاص سيتم تنظيمه يوم 20 ماي الجاري خلال الجلسة الافتتاحية لهذا الحدث العالمي.
وحسبما أعلنت وزارة التجهيز والماء، في بلاغ بالمناسبة، سيقوم نزار بركة، وزير التجهيز والماء، وأعضاء الوفد المغربي، من كبار المسؤولين في القطاعات الوزارية المعنية وكذا الشركاء المؤسساتيين والفاعلين المغاربة في قطاع الماء، بالمشاركة في سلسلة هامة من أشغال هذا الملتقى العالمي.
وأورد البلاغ أنه “تعزيزا لمكانة المملكة المغربية على صعيد المجتمع الدولي للماء ستكون بلادنا حاضرة على مستوى “فضاء العروض”، الذي سيقام على هامش هذا الملتقى العالمي، حيث سيمكن “رواق المغرب” من تسليط الضوء على تجربة بلادنا في مجال تدبير الموارد المائية في مواجهة التحديات الآنية والمستقبلية”.
كما ستشكل الأحداث الموازية والندوات التي سيحتضنها هذا الرواق “فرصة لتقاسم التجارب، وكذا التأكيد على نجاعة السياسة المائية الوطنية الاستباقية وديناميتها، وتجددها إزاء التحديات المتعددة التي يواجهها تدبير الموارد المائية، خاصة تحدي التغير المناخي.”
“تقاسُم تجربة عريقة”
تعليقا على أبعاد المشاركة المغربية ودلالاتها، قال محمد بنعبو، الخبير في الماء والمناخ، إن “مِن المعلوم أن المغرب راكم تجربة جد مهمة وعريقة في مجال تدبير الماء كمادة حيوية والحفاظ عليه كذلك لأن الراهن يفرض ظرفية مناخية تؤثر بشكل كبير على مجموعة من المناطق العالمية ليس المغرب باستثناء عنها”، مشيرا إلى أن “المملكة صارت اليوم مستعدة، أكثر من أي وقت مضى، لتقاسم الخبرات وتبادل التجارب في هذا المجال، وهو ما لمَسْناه جليا خلال مؤتمرات المناخ الماضية، التي فصَلَتْ بين منتديات الماء العالمية بدكار وبالي عبر تقاسم التجربة والمعارف المغربية في مجال تدبير الماء، سواء في قمة كوب شرم الشيخ أو دبي”.
وأبرز بنعبو، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “المغرب يمكنه أنه يقدّم في أندونيسيا، باعتبارها محطة جد هامة، ما وصل إليه وفق الرؤية الملكية في مجموعة من الأوراش لتحلية مياه البحر والسعي لتحقيق الأمن المائي والأمن الغذائي على المستوى الوطني”، باستحضار “الأهمية التي يوليها الملك لموضوع الماء ضمن هدف توفير الأمن المائي على المستوى الوطني، والإسهام في المشاريع الهادفة إقليمية وإفريقياً ودوليا”.
الخبير ذاته لفت إلى أن “الوفد المشارك المغربي يعتبر من أهم الوفود الرسمية المشاركة في القمة، كما أنه يُدمج حضور خبراء وفاعلي قطاع الماء، متيحا الفرصة لتقاسم التجارب مع الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين وحتى الفاعلين المدنيين”، مشيرا إلى “الطابع الحيوي للماء وسط الظروف المناخية الصعبة والمؤثرة على النظام الهيدرولوجي، بما فيها إشكالية تباين الموارد المائية القيّمة التي تضمن أمن الأحواض المائية والسدود”.
“تجربة المغرب في تنويع محطات تحلية مياه البحر وطموحه للاستفادة من أكثر من 1,5 مليار متر مكعب من المياه المُحلّاة في أفق 2030 من التحديات الممكن تقاسمها مع الشركاء والدول ذات المناخ المشابه”، يقول بنعبو، مبرزا أن “رواق المملكة المغربية جدّ غني ليشكل فرصة للبحث عن شراكات رابح- رابح مع الدول، وتبادل الخبرات مع دول صديقة إفريقية ودول من شرق آسيا”.
البنية التحتية المغربية
محمد بازة، الخبير المغربي الدولي في الموارد المائية، أشار إلى أن “منتدى الماء العالمي سيسمح للمغرب ببسط خبرته، خاصة في البنية التحتية المائية، إذ يمتلك بُنى كبيرة جدا، خاصة من حيث تشييد السدود ومشاريع نقل المياه عبر الربط بين الأحواض”، مشيدا بتطور البنيات التحتية المتقدمة التي تطلبت الكثير من المعرفة.
وأضاف بازة، في إفادات تحليلية لهسبريس، أن “حضور المغرب على الصعيد الدولي مهم لمعرفة الفارق بين ما نحن عليه وما وصل إليه العالم وتبادل الخبرات”، لافتا إلى أن “معرفة ما وصلت إليه البلدان الأخرى وما يمكن عمله سيمكّن المسؤولين المغاربة من استحضار استدماج بُعد التكنولوجيات الحديثة”.
أما تجربة تدبير الموارد المائية فتستدعي، حسب الخبير المائي، انفتاح المغرب أكثر على تجارب عالمية حديثة “لأننا ما زلنا ندير الموارد المائية مثلما كنا نُديرها في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، بينما هناك تقدم كبير من الممكن يتحقق”.
وتابع منبها “لدينا هفوات في تطبيق بعض مقتضيات قوانين المياه وإعدادها ومراجعتها. كما لم يحصل تقدم مهم في المغرب بالنسبة لتدبير الطلب على المياه، مما يعني نقصا كبيراً وجب تداركه”.
من جهة أخرى شدد المتحدث على “أهمية الأحداث الموازية والندوات التي سيحتضنها رواق المغرب بمنتدى المياه العالمي كفرصة لتَقاسم تجاربنا اليوم، والتأكيد على نجاعة السياسة المائية الوطنية الاستباقية”، منبها إلى أن “ما نقوم به الآن هو إدارة الأزمة”.
وبعدما ذكّر بالسياسات المغربية المائية في مجالات الماء الشروب بالقرى، وتدبير منظومات التطهير السائل والصرف الصحي، أضاف قائلا: “مع ذلك لا نُدبّر المياه الجوفية وفق تدبير للموارد المائية يأخذ بعين الاعتبار المستقبل وتحدياته”.