أخبار العالم

حقوقيات يؤيدن الوصول إلى الحسابات البنكية للأزواج المتهربين من النفقة



تفاعلا مع التصريحات الأخيرة لعبد اللطيف وهبي، وزير العدل في حكومة عزيز أخنوش، خلال اليوم الدراسي الذي نظمته المجموعة النيابة للعدالة والتنمية حول مشروع قانون المسطرة المدنية، التي أكد من خلالها وجود مفاوضات مع بنك المغرب للوصول إلى الحسابات البنكية للأزواج المتهربين من أداء النفقة، أيدت فاعلات حقوقيات هذه الخطوة، معتبرات أنها ستساهم في الحد من تحايل بعض الأزواج على القانون، وفي الحفاظ على المصلحة الفضلى للطفل، وذلك رغم من الإشكالات القانونية العديدة التي تطرحها هذه المسألة، على غرار ارتباطها بالسر المهني البنكي وبقانون حماية المعطيات الشخصية والحق في الحصول على المعلومة، وفق ما يؤكد مختصون.

تحايل ومصلحة فضلى للطفل

في هذا الإطار قالت أمينة التوبعلي، عضو ائتلاف “المناصفة دابا”، إن “مجموعة من الأزواج يلجؤون إلى القروض من أجل تخفيض قيمة النفقة المقررة لفائدة أطفالهم، كما يلجؤون إلى طرق قانونية وغير قانونية من أجل إخفاء ممتلكاتهم وثروتهم الحقيقية، ظنا منهم أنهم يحاربون أو ينتقمون من طليقاتهم، في حين أن المتضرر الأول والأخير من هذه الممارسات هو الطفل”.

وأضافت التوبعلي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “السماح بالوصول إلى الحسابات البنكية للأزواج المتهربين من أداء النفقة يروم بالدرجة الأولى تحقيق المصلحة الفضلى للطفل”، مضيفة: “نحن ضد أن يسجن الزوج العاجز عن أداء النفقة بسبب هشاشة وضعيته الاجتماعية والاقتصادية، لكن الإشكال أن هناك فئة تعمل على التحايل من أجل عدم الوفاء بالتزاماتها تجاه الأطفال”.

وأوضحت الفاعلة الحقوقية ذاتها أن “الملفات المتعلقة بالنفقة تستحوذ على نسبة مهمة من الملفات التي تروج في محاكم الأسرة بالمغرب، فيما هناك تلاعبات كبيرة يجب أن يتدخل القانون وكذا المؤسسات المعنية من أجل وضع حد لها”، مسجلة أن “مجموعة من النساء يضطررن إلى بذل مجهود شخصي من أجل إثبات أن الطليق يملك حسابا بنكيا أو يتقاضى هذا المبلغ أو ذاك، مع ما يعنيه ذلك من مصاريف إضافية والدخول في متاهات المحاكم، في حين أن الأجدر أن يكون هناك تدخل قانوني ومؤسساتي على هذا المستوى”.

من جانبها أوضحت سميرة موحيا، رئيسة فدرالية رابطة حقوق النساء، أن “الحركة النسائية طالما طالبت بتحقيق اليسر في تنفيذ الحكم بالنفقة لصالح الزوجة المطلقة وأطفالها، إذ إن المرأة تُضطر في كل مرة لم تتوصل فيها بهذه النفقة المقررة لها بموجب حكم قضائي إلى رفع دعوى قضائية جديدة ضد الزوج، وهو ما دفع بعضهن إلى التخلي عنها رغم وضعيتهن الاجتماعية وحاجتهن”.

وأوردت موحيا أن “الطفل لا يجب أن يؤدي ثمن اختبارات الآباء أو مشاكلهم، وبالتالي فإن تمكين القضاء من الوصول إلى الحسابات البنكية للآباء المتخلفين عن أداء النفقة والمهملين لأطفالهم، خاصة الموظفين والمستخدمين منهم، يصب في مصلحة حماية الطفل، خاصة أننا اليوم في سياق الحديث عن الدولة الاجتماعية التي يجب أن تحمي مواطنيها نساء ورجالا وشيوخا وأطفالا”.

كما طالبت الفاعلة الحقوقية، ضمن تصريح لهسبريس، بـ”اقتطاع مبلغ النفقة من المنبع بالنسبة للأزواج الموظفين، أو أدائها من طرف صندوق النفقة بالنسبة لأولئك الذين لا يُعرف راتبهم، على أن ترجع المحكمة في ما بعد إلى المعني بالأمر من أجل تحصيل المبلغ الممنوح للطليقة، وذلك من أجل حماية مصلحة الطفل الذي يحتاج للتطبيب والمأكل والمشرب والملبس، ومعالجة إشكالية التبليغ التي تعرفها قضايا النفقة”.

إشكالات قانونية ومقاربة قاصرة

تفاعلا مع سؤال حول أبرز الإشكالات القانونية التي يمكن أن يطرحها هذا الموضوع قال الحسين البكار السباعي، محام وحقوقي، إنه “في ضوء التطور الاقتصادي الذي يشهده العالم أصبح النشاط البنكي يهم عددا كبيرا من شرائح المجتمع، وترتب على ذلك ظهور التزام على عاتق المؤسسات البنكية مفاده الحفاظ على سرية المعاملات الائتمانية والمعطيات الشخصية وعدم جواز التدخل في شؤون عملائها”.

وأضاف السباعي، في تصريح لهسبريس، أن “أغلب التشريعات المقارنة تأخذ بهذا المبدأ، بما في ذلك التشريع المغربي، إذ إن التعهد بعدم التدخل في شؤون العملاء وما يترتب عليه من كتمان للسر المهني البنكي يجد أساسه في نص المادة 180 من القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها”، مشددا على أن “خرق هذا المبدأ تترتب عليه مسؤولية مدنية في مواجهة المؤسسة البنكية لتعويض عميلها عن الضرر اللاحق به، ومسؤولية جنائية في مواجهة المؤسسة ذاتها، إضافة إلى مسؤولية تأديبية تكمن في عقوبة مالية يوقعها والي بنك المغرب على كل مؤسسة بنكية خالفت هذا الالتزام”.

ولفت المتحدث ذاته إلى أن “ما صرح به وزير العدل يخالف هذا المبدأ، ويتعارض مع القانون المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، والمادة السابعة من قانون الحق في الحصول على المعلومة”، مبينا أن “هذه الخطوة لن تساهم نهائيا في حل هذا الإشكال، بل ستترتب عليه إشكالات أخرى ستضر بالمؤسسات البنكية وبالاقتصاد المغربي، إذ إن جل الأزواج الملزمين بالإنفاق، خاصة الذين يشتغلون في إطار الاقتصاد غير المهيكل، سيتهربون من التعامل مع المؤسسات البنكية، وسيتوجهون إلى طرق أخرى أكثر أمانا في حفظ أموالهم وحقوقهم المالية”.

وأشار المحامي نفسه إلى أن “الواقع أبان أن السبب الرئيسي لتهرب الأزواج من الإنفاق ومن تنفيذ الأحكام القضائية التي تلزمهم بالإنفاق ليس التعنت، وإنما مشاكل وصعوبات اقتصادية واجتماعية يعاني منها الملزمون، تكمن في الهشاشة والفقر وغلاء الأسعار وتدني مستوى الدخل اليومي والبطالة وقلة فرص العمل”، وزاد: “مع كل هذه الاعتبارات يحكم القضاء على هؤلاء الأزواج البائسين بالنفقة، رغم كل الحجج التي يدلون بها في دفوعاتهم، في خرق صارخ للمادة 188 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه لا تجب على الإنسان نفقة غيره إلا بعد أن يكون له مقدار نفقة نفسه”.

وخلص السباعي إلى أن “معالجة ظاهرة معينة (ومنها التهرب من النفقة) لا تتأتى بمعالجة أعراضها بنصوص تشريعية تتصف بالإلزام والزجر، وانتهاك الخصوصيات والحقوق، وإنما بمعالجة أسبابها وبواعثها بمقاربات اجتماعية ونفسية وثقافية واقتصادية؛ ولن يتأتى ذلك إلا بتكريس دولة اجتماعية حقة يتمتع فيها الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى