سنية الدهماني: اعتقالات و”اقتحام” وإضراب عام تعيشه تونس قبيل الاستحقاق الانتخابي
- Author, ريم الشيخ
- Role, بي بي سي عربي
شهدت تونس خلال الأيام القليلة الماضية حملة جديدة من الاعتقالات طالت إعلاميين وحقوقيين على إثر تعليقات بشأن الوضع العام في البلاد.
واعتقلت قوات الأمن باستخدام القوة، ليل السبت، المحامية والمعلّقة التلفزيونية سنية الدهماني خلال وجودها بمقر نقابة المحامين “دار المحامي”، كما أصدرت السلطات القضائية الأحد مذكرة توقيف بحق الصحفي مراد الزغيدي والإعلامي برهان بسيس.
ودفعت حملة الاعتقالات الهيئة الوطنية للمحامين، أمس الإثنين، إلى تنظيم إضراب عام ليوم واحد في جميع محاكم البلاد احتجاجاً على “التوقيف العنيف” بحق الدهماني الذي وقع داخل مقر النقابة.
وأدانت جمعية القضاة التونسيين “اقتحام” مقر نقابة المحامين، كما استنكر الاتحاد العام التونسي للشغل بشدة “الاعتداء غير المسبوق على المحامية التونسية”.
واعتبرت نقابة الصحفيين أن هذه التطورات “تضرب حرية الصحافة والرأي والتعبير واستقلالية الهيئات والمنظمات المستقلة”.
“حرية تعبير أم إضرار بالأمن العام؟”
بدأت القصة مساء السبت عندما “اقتحم” أفراد ملثمون من قوات الأمن مقر نقابة المحامين، تنفيذاً لقرار قضائي يأمر بجلب المحامية سنية الدهماني بعد تصريح تلفزيوني “ساخر” قالت فيه إن تونس (بلد لا يطيب فيه العيش) وذلك تعقيباً على خطاب للرئيس قيس سعيد قال فيه “إن المهاجرين غير النظاميين من الأفارقة يخططون للبقاء في تونس”.
تحتوي هذه الصفحة على محتوى من موقع Twitter. موافقتكم مطلوبة قبل عرض أي مواد لأنها قد تتضمن ملفات ارتباط (كوكيز) وغيرها من الأدوات التقنية. قد تفضلون الاطلاع على سياسة ملفات الارتباط الخاصة بموقع Twitter وسياسة الخصوصية قبل الموافقة. لعرض المحتوى، اختر “موافقة وإكمال”
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية
نهاية Twitter مشاركة
وكانت الدهماني، المعروفة بانتقادها لسياسات الرئيس، قد رفضت الامتثال يوم الجمعة للأمر القضائي من دون معرفة أسباب هذا الاستدعاء، واحتمت بنقابة المحاميين.
وتم تداول تصريح الدهماني على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبره البعض “مهيناً” في حق البلاد.
ويوم الإثنين، قررت المحكمة الابتدائية إيداع الدهماني بالسجن من دون استجوابها، وبحسب القرار القانوني الذي نشرته وسائل إعلام محلية، فإن الدهماني متهمة بـ “تعمد استخدام شبكات وأنظمة معلومات بهدف الإضرار بالأمن العام”، بموجب المرسوم 54.
ودفع “اقتحام” مقر النقابة بالمحامين للإضراب العام، وقال سمير ديلو عضو هيئة الدفاع عن المحامية سنية الدهماني إن “اقتحام النقابة من دون إظهار أي إذن قضائي، (أمر) وحشي”.
وقال ديلو في حديثه لبي بي سي إن “هذا يُثبت أن السلطة تجاوزت جميع الخطوط الحمراء المتعلقة بالحقوق والحريات”.
وفي حديثه لبي بي سي يقول المحامي والمختص بالقانون ناصر الهرابي إن هذا بمثابة “رسالة قوية للمحاماة من أجل إسكاتها وسابقة تاريخية خطيرة”.
ومددت السلطات القضائية أمر التوقيف بحق الصحفيَيْن الزغيدي وبسيس يومين إضافيين، وقال محامون إن التهم الموجهة إليهما تتعلق “باستعمال أنظمة معلومات لنشر وإشاعة أخبار تتضمن معطيات شخصية ونسبة أمور غير حقيقية، بهدف التشهير بالغير وتشويه سمعته”، وجميعها تستند للمرسوم 54.
ويشير سمير ديلو إلى أن القاسم المشترك بين المعتقلين الثلاثة هو”أنهم من أرباب الكلمة الحرة، فلا تصريحاتهم ولا كتاباتهم تعجب السلطة”.
المرسوم 54
في 13 من سبتمبر/أيلول عام 2022 أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد مرسوماً يُعرف بـ “المرسوم 54” لمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال.
وينص الفصل الـ 24 من المرسوم على عقوبة السجن 5 سنوات وغرامة مالية تصل إلى 50 ألف دينار (حوالي 16 ألف دولار)، “لكل من يتعمد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذباً للغير، بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني”.
وحينها قال سعيد إن هذا المرسوم يأتي كاستجابة لمطالب المجتمع المدني للحماية من الجرائم الإلكترونية، لكنّ عدة منظمات حقوقية ودولية، إلى جانب حقوقيين ومعارضين وصحفيين تونسيين، رأوا بأنه “أداة تضييق لحرية التعبير”، فخلال عام ونصف حوكم أكثر من 60 شخصاً بينهم صحفيون ومحامون ومعارضون للرئيس بموجب هذا المرسوم، وفقاً للنقابة الوطنية للصحفيين.
يقول المحامي والمختص بالقانون، ناصر الهرابي إن “المرسوم 54 قيّد حرية التعبير والصحافة إحدى مكتسبات ثورة 2011، كما يتعارض مع اتفاقية بوادبست التي وقّعت عليها تونس، إلى جانب مخالفته لمجلة الإجراءات الجزائية التونسية”.
ويعتقد سمير ديلو، عضو هيئة الدفاع عن المحامية سنية الدهماني، أن المغزى الحقيقي من الفصل الـ 24 للمرسوم هو”تجريم أي شخص ينتقد السلطة القائمة”.
بينما تقول الكاتبة الصحفية، ضحى طليق، في حديثها لبي بي سي “لا بدّ أن تكون حرية التعبير مسؤولة، فعندما يمسّ التعبير الأمن القومي والسيادة الوطنية وجب على السلطات أن تتدخل لحماية البلاد”.
وتستطرد طليق بالقول “بعد ثورة 2011 امتلأ المشهد الإعلامي بمحللين غير مؤهلين للقيام بدورهم الإعلامي دون تجاوزات، فبعضهم أدلى بتصريحات رأت السلطات أنها تهدف لإثارة الفتنة وتأليب الرأي العام”.
اقتراب الانتخابات الرئاسية
وتأتي حملة الاعتقالات المتواترة قُبيل موعد الانتخابات الرئاسية، وبالتزامن مع تظاهر أنصار جبهة الخلاص الوطني المعارضة لتحديد موعد الانتخابات التي يفترض دستورياً إجراؤها الخريف المقبل.
يقول المحامي والمختص بالقانون ناصر الهرابي إن “هذا التصعيد غير المسبوق لن يقود لتنقية المناخ السياسي وهو أمر ضروري لضمان انتخابات نزيهة وشفافة كما عهدناها منذ ثورة 2011، والبعض يعتقد أن الرئيس يصرّ على مواصلة حملة الاعتقالات من أجل تكميم الأفواه والزّج بالمرشحين المحتملين داخل السجون قبل السباق الانتخابي”.
ويتبنى سمير ديلو، عضو هيئة الدفاع عن المحامية سنية الدهماني، وجهة النظر التي تربط بين الاعتقالات والانتخابات المقبلة ويقول لبي بي سي “تسعى السلطة من خلال اعتقال المحاميين والصحفيين والمدونين إلى تخويفهم والتخويف بهم وبذلك تتم الانتخابات دون أي صوت ناقد ومعارض لا يروق للسلطة”.
فيما تستغرب الكاتبة الصحفية مبروكة خذير هذا الربط وتقول إن “الرئيس التونسي ما زال يتمتع بحظوظ انتخابية عالية وبقاعدة شعبية كبيرة مؤيدة له”.
ومنذ مدة تشهد تونس سلسلة من التحركات قادها محامون وقضاة ومعارضون للتنديد بقرارات قيس سعيد التي “تقيد الحريات وتسيس المحاكمات وتعزل القضاة بتهم الفساد والإرهاب” على حد وصفهم.
ولا يعتقد المحاميان ناصر الهرابي وسمير ديلو أن موجة الاعتقالات ستؤجج الشارع التونسي الذي يُعاني من تفاقم الأوضاع الاقتصادية.
ويتساءل الهرابي “من هو المواطن البسيط الذي سيحتج وهو يرى الصحفي والمحامي يُقتاد إلى المحاكم؟!”.
“لقد غابت الأحزاب عن الحياة السياسية تماما وبقيت الهيئات والمنظمات تقاوم من أجل الحفاظ على الحد الأدنى من الحريات”، يقول الهرابي.