حرب غزة : آلاف العائلات تنتظر معلومة عن من يُجهل مصيرهم
- Author, أميرة مهذبي
- Role, بي بي سي نيوز عربي
-
تحذير: يحتوي هذا التقرير على تفاصيل قد يجدها البعض مزعجة.
“لستُ أدري إذا كنتُ أتمنى أن يكون معتقلا على قيد الحياة، أم أتمنى أن يكون شهيدا عند ربه” هكذا يقول أحمد أبو ديوك في حيرة تشبه حيرة كثير من الغزيين الذين لا يعلمون عن مصير ذويهم شيئا ولا يدرون أي المصائر أهون عليهم وعلى أحبائهم.
يقول الدفاع المدني في غزة إن أكثر من عشرة آلاف شخص هم الآن في عداد المفقودين تحت الأنقاض وبضعة آلاف أخرى لا يعرف إن كانوا قتلوا ودفنوا بلا هوية أم احتجزوا، أما المرصد اليورومتوسطي فيقدر مجموع عدد المفقودين بنحو ثلاثة عشر ألفا. من جانبه قال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق، الاثنين، إنه من بين مايزيد على 34 ألف حالة وفاة تم الإبلاغ عنها، تم التعرف على أكثر من 24 ألف حالة وتوثيق تفاصيلها، مضيفاً أن وزارة الصحة في غزة قالت إن عملية التعرف على “تفاصيل الضحايا مستمرة” والتي يزيد عددها عن عشرة آلاف بما فيهم نساء وأطفال.
وحتى يومنا هذا، ما يزال أحمد أبو ديوك يواصل البحث عن أخيه مصطفى الذي اختفى منذ 28 من يناير/كانون الثاني الماضي عندما كان يتفقد بيتهم المحترق في وسط خانيونس.
لقد ذهب ليرى ما بقي من آثار البيت لكنه لم يعد، يخبرنا أحمد متحدثا عن اختفاء أخيه مصطفى الذي كان سائق حافلة إسعاف متقاعدا ولاجئا مع عائلته إلى ساحة مستشفى ناصر.
“بحثنا قدر ما نستطيع في مكان محيت معالمه، بيوت محروقة جُرّف ما حولها وعمارات ذات طوابق كثيرة سويت بالأرض”.
تبحث العائلة عن مصطفى بين الجثث التي ينتشلها الدفاع المدني من بين الأنقاض وبين المقابر الجماعية إذ يرجح أحمد أن أخاه قتل، لأنه كان في منطقة اشتباكات، لكنه يأمل أن يكون حيا في مكان ما، ربما قيد الاحتجاز لدى الجيش الإسرائيلي.
“لا زلنا نأمل في أن نجده مع كل سيارة إسعاف تدخل المستشفى” يقول أحمد.
جثث تحت ملايين الأطنان من الأنقاض وآليات انتشال بدائية
تقدر الأمم المتحدة حجم الركام والردم والأنقاض في كامل قطاع غزة بنحو 37 مليون طن، تحتها عدد كبير من الجثث والأشلاء.
ويقدر خبراء المنظمة الأممية أن من بين الردم نحو 7500 طن من الذخائر غير المتفجرة، ما يشكل خطرا إضافيا على عمال الإغاثة والمتطوعين.
وقال الدفاع المدني الفلسطيني في بيانه الصادر في 30 أبريل/نيسان الماضي إن طواقمه تعمل بمساعدة الأهالي المتطوعين على انتشال الجثث من تحت الأنقاض في مناطق منها شمالي غزة، لكن بأدوات بسيطة وإمكانات شحيحة لا تتناسب مع حجم ملايين الأطنان من الأنقاض وآلاف الجثث تحتها.
وفي حديث لبي بي سي قال المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل إن الفرق تتمكن في كل عملية من انتشال عدد من الجثث، لكن عددا آخر يبقى تحت الأنقاض بسبب صعوبة الوصول إليهم.
وعن آلية تقدير عدد القتلى تحت الأنقاض قال محمود بصل لبي بي سي إنها تجري عبر حصر أعداد الناس في كل مبنى عند تلقي البلاغات ونداءات الاستغاثة.
لكن هناك فجوة في هذه التقديرات، يقول بصل، عند فترات الانقطاع الكلي للاتصالات في غزة لم يتمكن السكان من الاتصال بالدفاع المدني، كما أن المباني تُقصف دون أن تُدوَّن أعداد الناس فيها.
ويطالب الدفاع المدني في غزة بالحصول على دعم دولي بالطواقم والمعدات اللازمة وممارسة ضغط على الجانب الإسرائيلي للسماح بدخول المعدات الثقيلة لإنقاذ حياة من يمكن إنقاذهم واستخراج بقايا الجثث من تحت الأنقاض قبل أن يتسبب تحللها في كارثة صحية مع ارتفاع درجات الحرارة.
جثث مجهولة الهوية وأشلاء متفرقة
تجري بعض عمليات الانتشال بعد مرور زمن طويل على قصف المباني وانهيارها ما يؤدي إلى تحلل عدد كبير من الجثث فيصعب التعرف عليها. بالإضافة إلى تمزق الجثث وتناثر أجزائها من شدة الانفجارات.
وتزيد هذه العوامل من صعوبة حصر أعداد القتلى والمفقودين على حد سواء.
“لا أعرف إذا كنا قد انتشلنا جثثهم أم لا”
لا يعرف عبد الرحمن ياغي ما إذا كان قد انتشل جثث بعض أفراد عائلته من حطام بيتهم ذي الطوابق الثلاثة أم لا. ستة وثلاثون شخصا كانوا في البيت وقت وقوع الصاروخ في الثاني والعشرين من فبراير، يقول عبد الرحمن.
انتشلت جثث سبعة عشر منهم في حالة شبه كاملة، بعضهم انتشل من تحت الركام وبعضهم من محيط البيت حيث توسع البحث بقطر مئتي متر حول حطام البيت القريب من مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح.
أما الباقون فلا يعلم عنهم شيئا. لا يعلم إن كانت جثثهم ضمن الأشلاء المتفرقة التي أخرجت من تحت الأنقاض أم لا.
لا يمكنه تحديد ما تكونه هذه الأشلاء من أجساد ولمن تعود، خاصة أشلاء الأطفال.
“لم نجد جثث أغلب الأطفال الذين كانوا بالمنزل، ربما ذابت الجثث أو فتتت، ولم نجد الرؤوس” يقول عبد الرحمن لبي بي سي.
كثير من الجثث دفن دون التعرف على هويات أصحابها.
وفي بعض الحالات يعثر على جثث أشخاص في أماكن بعيدة عن مقر سكن أو نزوح عائلاتهم، فمن يجدهم في الطريق من المواطنين يدفنهم إكراما لهم .. “من قتلوا في غزة مدفونون في كل مكان، في المقابر والشوارع العامة والساحات.” يقول محمود بصل، المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة.
“مئات المحتجزين” و”عدم تجاوب” إسرائيلي مع الصليب الأحمر
واحدة من احتماليات تفسير الاختفاء هي أن يكون المختفي محتجزا لدى الجيش الإسرائيلي دون علم ذويه.
وتقدر جماعات حقوقية، من بينها المرصد اليورومتوسطي لحقوق الإنسان، بأن مئات الفلسطينيين من غزة محتجزون لدى الجيش الإسرائيلي دون إبلاغ عائلاتهم أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تعد حلقة الوصل بين الجانب الإسرائيلي وبين الأهالي والمنظمات، مثل الدفاع المدني، في غزة .
سألنا هشام مهنى المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة عما إذا كان هناك تجاوب من الجانب الإسرائيلي مع استفسار اللجنة عن المفقودين والذين يعتقد أنهم محتجزون لدى الجيش الإسرائيلي فقال إن “اللجنة طالبت بالوصول إلى المعتقلين الفلسطينيين مرارا وتكرارا في أماكن وجودهم سواء كانوا في أماكن الاحتجاز أو في مراكز الاعتقال والتحقيق أو حتى المواقع العسكرية الإسرائيلية لكن لم يُسمح لهم بذلك حتى اللحظة ولم تتلق اللجنة معلومات بهذا الخصوص”.
وكانت السلطات الإسرائيلية قد علقت زيارات اللجنة المختصة بالصليب الأحمر لمراكز الاحتجاز الإسرائيلية حيث المحتجزون والمعتقلون الفلسطينيون منذ السابع من أكتوبر 2023.
ولم تتمكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر في نفس الوقت من زيارة الرهائن الإسرائيليين لدى حماس.
توجهنا للجيش الإسرائيلي بالسؤال عن سبب تعليق إسرائيل زيارات الصليب الأحمر للمحتجزين والمعتقلين لكننا لم نتلق ردا محددا.
وكان وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير قد عارض بشدة مقترحا بشأن السماح للصليب الأحمر بزيارة معتقلين تقول إسرائيل إنهم من مقاتلي حركة حماس وكتب في تغريدة “لا ينبغي للصليب الأحمر الحصول على معلومات حول مقاتلي حماس المسجونين في إسرائيل ما دامت دولة إسرائيل لا تحصل على أي جزء من المعلومات حول حالة المختطفين منا في غزة؛ الإنساني مقابل الإنساني فقط!”
تحتوي هذه الصفحة على محتوى من موقع Twitter. موافقتكم مطلوبة قبل عرض أي مواد لأنها قد تتضمن ملفات ارتباط (كوكيز) وغيرها من الأدوات التقنية. قد تفضلون الاطلاع على سياسة ملفات الارتباط الخاصة بموقع Twitter وسياسة الخصوصية قبل الموافقة. لعرض المحتوى، اختر “موافقة وإكمال”
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية
نهاية Twitter مشاركة
وتنص اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 آب/أغسطس 1949 والتي وقعت عليها إسرائيل، على وجوب التزامها كدولة حاجزة بالإبلاغ عن هوية ومكان المحتَجَزين من المدنيين.
وكان تقرير لمنظمة العفو الدولية قد قال إن “ظروف احتجاز الجيش الإسرائيلي لسكان من قطاع غزة تحول الاحتجاز إلى “اختفاء قسري”.
لم يرد علينا الجيش الإسرائيلي بشأن ما يرتكز عليه في رفضه الإفصاح عن أماكن وظروف احتجاز فلسطينيين من غزة.
وفي تقرير عن جلسة للمحكمة العليا الإسرائيلية بشأن عريضة رفعتها مركز الدفاع عن الفرد (هموكيد)، وهو منظمة حقوقية إسرائيلية، للكشف عن مقر احتجاز فني أشعة من مستشفى ناصر، نقلت صحيفة واشنطن بوست عن محامي الحكومة الإسرائيلية القول إنه “لا يوجد ما يلزم إسرائيل بالإفصاح عن هذه المعلومات”.
وحسب الصحيفة، اعتمد المحامي في دفاعه على اعتبار الحكومة الإسرائيلية لغزة “أرضا معادية”.
وقد اعتمدت إسرائيل هذا التصنيف لغزة منذ سبتمبر أيلول عام 2007 بعد سيطرة حركة حماس على القطاع.
وتجدر الإشارة إلى أن إحصاءات المفقودين، ومن بينهم من يعتقد أنهم محتجزون، لا تفرق بين المدنيين ومقاتلي حماس.
بصورة في يدها، تبحث والدة محمد علي عن ابنها حتى وجدت من قال إنه كان محتجزا معه لدى الجيش الإسرائيلي… كان حيا حتى تلك اللحظة لكنهم لا يعرفون بعد ذلك أين أخذ أو ما إذا كان حيا حتى الآن.
لا تعرف زوجته أماني علي ما إذا كان يجب أن تطمئن بما علمته من إمكانية وجود زوجها لدى الجيش الإسرائيلي، إذ يحدثها عقلها أحيانا بأنه قتل.
اختفى محمد منذ 23 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي.
خرجت العائلة من البيت في خضم حزام ناري في المنطقة وظلوا في نزوح متواصل حتى استقروا في مدرسة إيواء في جباليا.
دخل الجنود الإسرائيليون إلى المدرسة وأمروا النساء والأطفال بالمغادرة واحتفظوا بالرجال، تقول أماني،
“ليلا، بدأ الرجال الذين بقوا بالمدرسة بالعودة عدا زوجها الذي ظلت تبحث عنه حتى نال منها اليأس”.
“لو كان حيا أو حرا لكان بحث عنا ووجدنا” تقول أماني.
وبالنسبة لأهل المفقودين قد تكون فرضية الاحتجاز، على سوءها، أملا في الحياة.
بدأت هذه الحرب في السابع من أكتوبر عام 2023 عندما شن مقاتلو حماس هجوما على جنوب إسرائيل قتل فيه 1200 شخص وأخذ 253 رهائن حسب إحصاءات السلطات الإسرائيلية.
ولسبعة أشهر الآن يتواصل الرد الإسرائيلي قصفا عنيفا وعمليات برية وجوية وبحرية على القطاع المحاصر خلفت مجاعة في شمالي غزة ونزوحا ودمارا وعشرات الآلاف من القتلى والجرحى.
تقول وزارة الصحة الفلسطينية في غزة إن عدد القتلى المقدر في إحصاءاتها، والذي تجاوز الآن 34 ألفا هو فقط ما يصل ويسجل في المستشفيات.
وقد أنشأت الوزارة على موقعها استمارة طالبت أهالي القتلى والمفقودين بملئها حتى تستوفي الوزارة تدوين البيانات في سجلتها.
ومع استمرار غياب البيانات والمعلومات عن المعتقلين ومع صعوبة استخراج ما تبقى من جثث تحت الأنقاض وما أضفته المقابر الجماعية والجثث مجهولة المكان والهوية من تعقيد على السألة، قد يستغرق إحصاء ضحايا هذه الحرب بدقة وقتا طويلا بعد أن تضع أوزارها.