“فن العيطة” يتفتت في المغرب

قال الأكاديمي والشاعر حسن نجمي إن “العيطة فن ونوع موسيقي ينقسم إلى تسعة مكونات، ويمثل ثقافة وطنية عظيمة”، مؤكدا أنها “جزء من المشهد الغنائي الموسيقي التقليدي للبلاد، الذي يتوفر على 52 نوعا موسيقيا؛ وهو عدد غير موجود حتى في مصر. وضمن هذه الحزمة من الأنواع توجد العيطة والملحون والموسيقى الأمازيغية والركادة، والغناء الحساني في الصحراء المغربية، إلخ”.
وشدد مؤلف كتاب “غناء العيطة.. الشعر الشفوي والموسيقى التقليدية”، وهو يتحدث ضمن لقاء نظم حول هذا الفن على هامش الدورة التاسعة والعشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب”، على أن “بحر الغناء المغربي غنيّ وواسع، وينبغي أن يصان وأن نعيد الاعتبار لهذه التعبيرات الموسيقية وأن نساهم جميعا في الحفاظ على هذا المخزون وهذه الذخائر العظيمة بالتسجيل والتدوين”.
ولفت الباحث، الذي ارتبط اسمه حصريّا بالبحث في هذا الفن، إلى أن العديد من الشيوخ والشيخات الذين يكتمون في صدورهم “حبات” العيطة قبل أن يتقاسمونها مع الجماهير قضوا نحبهم، مسجلا أن فقدان هؤلاء يجعلنا لا محالة نرث الفواجع، لأن الأمر لا يتوقف هنا؛ بل يتعلق بالثقافة الشفاهية في المغرب التي تتعرض للأسف لعملية تفتت خطيرة تهدد العيطة بالانقراض.
وضرب نجمي في هذا السياق المثل بـ”العيطة الحوزية”، التي تتضمن 11 قصيدة، والتي لم تعد موجودة منها سوى 5 أو 6 فقط”، وزاد: “لم يعد هناك وجود شعري لباقي القصائد الأخرى؛ وهذا شيء مؤسف أن الشخصية الأدبية والشعرية الشفوية والموسيقية تضيع”، مضيفا: “محزن أيضا أن تراثات كثيرة، مثل الطبخ والنسيج والعديد من الطقوس الاجتماعية والتعبيرات الموسيقية وعدد من الرقصات ومن أشكال اللباس والتعبيرات الكوريغرافية في المغرب، كلها اليوم غير مدونة كلها غير مصونة ولم يتم المحافظة عليها”.
وعاد الأكاديمي بشريط الذاكرة إلى الوراء، ليعتبر أن الاشتغال الأكاديمي على هذا الموضوع حرر العيطة من مجموعة من الكليشهات وأخرجها من منطقة الظل والخوف، حاكيا عشرات الطرائف التي حدثت مع وزراء وأكاديميين وجامعيين ومسؤولين بعد مناقشة أطروحته حول هذا الغناء المتمركز في العديد من المناطق الجبلية.
ولمح إلى أن البحث الميداني أعاد الاعتبار للشّيخات وصار العديد من المثقفين الذين كانوا يخجلون سماع العيطة أمام زملائهم يجرؤون على ذلك، مثلما حكى أن الكثيرين اعترفوا بأن المؤلف “حررهم من القيود التي كانت تفرضها صورة المجتمع عن هذا الفن؛ ومنهم رجل كان يخشى أن يسمع لهذا الفن في البيت مخافة أن تشكّ زوجته في أنه “مشا يقصر”، حين يغيب عن البيت.
وتطرق المتحدث لحيثيّات مناقشة هذه الأطروحة التي وصفها بأنها “لحظة رفيعة”، بحضور العديد من الشخصيات الفنية والثقافية والسياسية”، وزاد: “فكرة الأطروحة جاءت أساسا حين كنت أفكر في إعداد أنطولوجيا شعرية، وهي مختارات من قصائد العيطة ومن “حبات”، أو الجمل الشعرية أو الشذرات الشعرية، مثلا “بغيتي تعمر جيب لي تصبر”، إلخ. وأوضح: “جمعت ربما آلافا من هذه الأشعار وأيضا القصائد حسب المكونات أو حسب الأنماط”.
وتابع شارحا: “في البدء، كانت أنطولوجيا، لكن الفكرة نضجت وتطورت وتبلورت ثم أصبحت تشكل أفقا لبحث جامعي”، مسجلا أن “أطروحة الدكتوراه التي كان سيشتغل عليها في البداية كانت بعيدة عن الموضوع، وكان قد سجلها وهيأ لها ببليوغرافيا، إذ كانت حول “الشعر العربي المعاصر وأسئلة الفضاء المرئي للشاعر”، لكن في النهاية جرى الاشتغال على فن العيطة”.
وباح الشاعر والرئيس السابق لاتحاد كتاب المغرب أن لقاء اليوم يجعله يستحضر الأيام والليالي التي قضاها في تجميع مادة الكتاب في أسفار داخل المغرب في شماله، حيث موطن العيطة القبلية الجبلية في قبائل غمارة، بما أن العيطة الجبلية منتشرة في أقاليم شمال المملكة: طنجة، أصيلة، العرائش، القصر الكبير، ووزان، ووصولا إلى تاونات”، مشيرا إلى انتعاش هذا الفن بالجوار في منطقة الغرب: سيدي قاسم، مشروع بلقصيري، سيدي سليمان، القنيطرة، إلخ”.
وأضاف معدّ أحد أهم الأعمال المرجعية حول العيطة: “التصنيف والترتيب أشياء تعتمد بالأساس على ما يقوله أهل الحرفة، فأنا لم آت بشيء من عندي، بل قدمت فقط ما يقوله هؤلاء الناس. وهذا هو البحث الميداني، الذي يتوصل إلى بعض الحقائق أو بعض المعطيات أو بعض المعارف ويدخلها الباحث في قواعد تنظيمية منهجية. ولذلك، أعتبر دائما أن المؤلف الحقيقي للكتاب هم الشيوخ والشيخات”.