التبليغ عن “تزوير شواهد جامعية” بأكادير يدفع الشرطة القضائية إلى التحقيق
تشهد قضية “ادعاءات تزوير شواهد ودبلومات جامعية” في جامعة ابن زهر بمدينة أكادير تطورات جديدة تتمثل في توصّل “الهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب” باستدعاء من طرف الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بمراكش للاستماع إليها بشأن “تبليغها سابقا عن تكوين عصابة إجرامية لإصدار شواهد جامعية للتعليم العالي عن طريق التزوير في السجلات والمحاضر الرسمية واستعماله”.
وجاء هذا التطور، حسب مصادر مطلعة قريبة من الملف، بعد توجيه الهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب (منسقية أكادير سوس ماسة) تبليغا، في 22 شتنبر الماضي، إلى الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بأكادير، في شأن ما اعتبرته “تكوين عصابة إجرامية لإصدار شواهد جامعية عن طريق التزوير في سجلات ومحاضر رسمية بجامعة ابن زهر، واستعماله واستغلال النفوذ والمشاركة في الاحتيال وتبديد المال العام بسوء النية”.
ويأتي دخول المصلحة الولائية للشرطة القضائية بولاية أمن مراكش على خط الأبحاث في هذه القضية “بعد مراسلات متعددة منذ السنة الماضية؛ أبرزها كانت قد وُجهت إلى النيابة العامة في شخص الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بأكادير، قبل أن تحال الشكاية والتبليغ من الوكيل العام لمحكمة الاستئناف لأكادير إلى الوكيل العام لمحكمة للاستئناف بمراكش التي تظل المختصة في جرائم الأموال رغم أن الوقائع تتضمن جرائم تزوير الشواهد الجامعية واستعماله من طرف عصابة تكونت من مسؤولين جامعيين وأساتذة”، وفق إفادة يونس بوبكري، منسق اللجنة الوطنية للخبراء والقوانين في الهيئة الوطنية لحماية المال العام، لجريدة هسبريس.
وكانت الهيئة عينها قد دعت، ضمن المراسلة التي تتوفر جريدة هسبريس الإلكترونية على نسخة منها، النيابة العامة إلى “فتح تحقيق عاجل معمق بخصوص المعطيات التي توصلت بها، معززة بمستندات عن منح شواهد جامعية للتعليم العالي بجامعة ابن زهر من طرف موظفين عموميين بالجامعة عن طريق التزوير واستعماله، تهم الماستر والماستر المتخصص، بدون احترام الضوابط البيداغوجية أو المساطر المنصوص عليها (خاصة قانون التعليم العالي في المادتين 8 و16 ومقتضيات الدفتر الوطني للضوابط البيداغوجية”.
وسجل بوبكري، ضمن تصريح لهسبريس، بـ”إيجابية كبيرة” خطوة تحرك الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بمراكش في هذا الملف، معتبرا أن “ذلك يأتي لكي تأخذ العدالة مجراها وتقتَصَّ مما اقترفه المشاركون في هذه الجرائم الخطيرة”، حسب وصفه.
وأكد رئيس لجنة الخبراء والقوانين بالهيئة سالفة الذكر أن الأمر يمثل في جوهره “استغلال وظائف للمتاجرة في شواهد جامعية بدون رقابة ولا أدنى تدخل من السلطة الوصية على التعليم العالي، رغم أن مهمة تفتيشية مركزية من الوزارة كانت قد زارت الجامعة المذكورة ولم ترفع في تقريرها ما يفيد هذه الاختلالات التي تمس موارد الدولة والتعليم العالي”.
وختم المتحدث ذاته معلقا: “نثمن تحرك النيابة العامة في هذا الملف، الذي تحيط به شبهة فساد متجذر ومترابط المستويات.. وبقدر ما تلقَّيْنا ذلك بارتياح وإيجابية كبيريْن، فإننا نثير الانتباه إلى تأخر حصَل في التفاعل مع التبليغ وعدد من الشكايات؛ ما اضطرنا إلى مراسلة جهات عديدة لضمان تجاوب أسرع مع مكافحة الفساد في هذه القضية التي حظيت بتفاعل إعلامي كبير”.
تفاعلات متراكمة
حسب ما توفر لهسبريس من معطيات، فإنه “تم استدعاء الممثل القانوني للهيئة باعتبار الأخيرة صاحب الشكاية والتبليغ من أجل الاستماع إلى إفاداتها التي من المرتقب أن تدلي بها في غضون الأسبوع المقبل أو الأيام القليلة المقبلة”.
في هذا الصدد، أكد مصدر من الجامعة المذكورة مطلع عن كثب على سير الملف وحيثياته، تحدث لجريدة هسبريس، أن “الإفادة من المرتقب أن يتم الإدلاء بها باستحضار جميع الوثائق والإثباتات الحاسمة المتوفرة والتي تهمّ تزوير سجلات ونقاط تواريخ التسجيل وتواريخ إصدار الدبلوم ومحاضر مناقشات البحوث ورسائل الماستر”.
وتابع المصدر ذاته، الذي تحفظ عن ذكر اسمه، أن “هذا الملف ليس بجديد؛ بل سبق أن تفاعَل وتطورت تفاصيله منذ سنة 2011 وإلى غاية العام 2023″، مثيرا الانتباه إلى أن “مفتشية التعليم العالي كانت قد زارت، سنة 2015، جامعة ابن زهر ولم تتخذ أي قرار بشأن هذه القضية، ثم تحركت مجموعة شكايات سنة 2017، قبل أن يندلع الملف مجددا مع حفظ شكاية في الموضوع عام 2019”.
يشار إلى أن “الشهادات المزورة” تصل في عددها إلى العشرات بين دبلوم الماستر والماستر المتخصص، ووُقّعت حينها من طرف عمداء لكلية الآداب ورئيس الجامعة سنتَي 2011 و2012، “بالتواطؤ” مع عدد من الأساتذة والموظفين العموميين، واستفاد منها أصحابها من دون وجه حق، واستعملت للتوظيف والترقي والحصول على شهادات للدكتوراه في ما بعد”، مسجلا أنه “تم استغلال التكوين المستمر المؤدى عنه كوسيلة للاحتيال على القانون وتمكين المسجلين من شواهد وطنية معترف بها من طرف الدولة”؛ وهو ما اعتبرته الهيئة الوطنية للشفافية المنتمية إلى المجتمع المدني بأنه “جريمة تمس الحق العام، ويمكن أن تشكل موضوع جناية منصوص على عقوبتها في الفصول 353 و354 من القانون الجنائي المغربي، وغيرها من الجرائم التي تسيء إلى سمعة الجامعة المغربية ومبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المؤسسات العمومية”.