بنوك مودي في الهند تنفق 400 مليار دولار ليفوز بدورة ثالثة
- Author, سوتيك بيسواس
- Role, مراسلة بي بي سي في الهند
أخيرا، قد يحصل بالارام بهلفي وأسرته على سقف يعيشون تحت سقفه.
ولسنوات عدة، عاش بهلافي وزوجته وأطفالهما الأربعة الذين يتلقون التعليم في المدارس في كوخ في قرية مشمسة في ولاية ماديا براديش بوسط الهند. وفي جزء من ردهة الكوخ بأرضيتها الطينية هناك مطبخ، وبعض الكراسي البلاستيكية، وسريرين من الحبال، وأحبال غسيل متآكلة.
بعد ثلاث سنوات من الانتظار، حصلت عائلة بهلافي على 120 ألف روبية (1445 دولاراً أمريكياً) من برنامج تديره حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي العام الماضي، وهو ما مكنهم من البدء في بناء منزل جديد.
وبُني أكثر من 25 مليون منزل منذ عام 2016 في إطار برنامج الإسكان العام في المناطق الريفية في إطار ما يُعرف بـ”خطة رئيس الوزراء للإسكان”، وهو واحد من أكثر من 300 خطة فيدرالية يعتمد عليها مودي لتعزيز الدعم لحزبه بهاراتيا جاناتا خلال الانتخابات العامة، إذ يتطلع إلى فترة ولاية ثالثة تمكنه من تحقيق الرقم القياسي للبقاء في السلطة في الهند.
وقال بهلافي، البالغ من العمر 42 سنة: “الحياة صعبة. لكنني ممتن لحصولي على المال من الحكومة لبناء منزلي الأول”.
وبعد وصوله إلى السلطة في 2014، توسع مودي في برامج الرعاية الاجتماعية في الهند، مركزاً على النساء والمزارعين على وجه الخصوص. ويشمل الدعم المقدم في إطار تلك البرامج على توفير غاز الطهي، وحبوب غذائية مجانية، ومنازل، ومراحيض، وخطوط أنابيب لمياه الشرب، وكهرباء، وحسابات مصرفية علاوة على تعزيز برنامج ضمان للوظائف طويل الأجل.
وحصل الكثير من المواطنين في الهند على مزايا عدة تضمنت معاشات تقاعد، وإعانات، وقروض، ومنح دراسية من خلال تحويلات نقدية إلى حسابات مصرفية مرتبطة ببطاقات الهوية البيومترية التي يحملها أكثر من مليار هندي. وتروج الملصقات العملاقة لمودي لهذه المخططات، إذ تسيطر “ضماناته” الشخصية على المشهد العام.
وقال مودي إن حكومته أنفقت أكثر من 34 تريليون روبية (400 مليار دولار) في العقد الماضي علاوة على تقديم مزايا نقدية مباشرة للأسر ذات الدخل المنخفض، والتي استفاد منها أكثر من 900 مليون شخص. وتعتبر المنحة السنوية بقيمة 6000 روبية – التي يحصل عليها أكثر من 110 مليون مزارع – من أكبر برامج التحويلات النقدية في العالم. ويزعم مسؤولون أن هذه التحويلات أسهمت بشكل كبير في الحد من الفساد وخفض التكاليف.
وأطلق الخبير الاقتصادي أرفيند سوبرامانيان على تلك الأنشطة الحكومية اسم “الرعاية الجديدة” التي تبناها مودي، إذ توفر تمويلاً للبنود الأساسية مثل المراحيض، بدلا من التوسع في المزايا العامة مثل التعليم الابتدائي والرعاية الصحية.
وأضاف أنه بلا شك أن “الرعاية الجديدة” تختلف عن نماذج الرعاية التقليدية في أوروبا أو الولايات المتحدة.
وبينما تفضل الولايات المتحدة تقليص حجم الحكومات وخفض الضرائب، الأمر الذي يؤدي إلى صرف تحويلات نقدية (مساعدات مالية اجتماعية) متواضعة، تزيد دول الرفاهية الاجتماعية الأوروبية العطاء للمستحقين في شكل مساعدات اجتماعية أكبر. فيما تفضل الديمقراطيات الاشتراكية، مثل حكومات الدول الاسكندنافية، زيادة الإنفاق الاجتماعي اعتمادًا على زيادة الضرائب.
وبمجرد إطلاق مودي الإشارة، اتبعت جميع الأحزاب في الهند نفس النهج فيما يتعلق بما يسميه ديفيش كابور، من جامعة جونز هوبكنز، “فيروس التحويلات النقدية مع مخططات عديدة عبر الولايات والأحزاب السياسية”.
وتدير حكومات الولايات في البلاد الآن أكثر من 2000 برنامج للتحويلات النقدية. وقال كابور: “يعرف كل حزب في الهند أن الرعاية الاجتماعية مهمة بالنسبة للأصوات”.
وذات صباح ساده طقس معتدل في بيشنوبور بولاية البنغال الغربية، تجمع أكثر من مئة رجل وامرأة وطفل تحت خيمة ملونة بالأزرق والأبيض في فناء مدرسة في أجواء احتفالية ذات صلة بالمساعدات المالية الاجتماعية.
وكان ذلك في مخيم لتقديم مزايا الرعاية الاجتماعية نظمه حزب مؤتمر ترينامول الحاكم في الولاية بقيادة ماماتا بانيرجي، الزعيمة الإقليمية – التي تتمتع بشخصية كاريزمية – التي تصمد حتى الآن في وجه حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي في الولاية الشرقية التي يقطنها أكثر من 100 مليون شخص.
وخلال فترة ولايتها الثالثة، أعطت بانيرجي الأولوية لمبادرات الرعاية الاجتماعية، إذ أدارت حوالي ثلاثين مخططًا من هذا النوع. وتشمل هذه الخدمات دراجات مجانية للذهاب إلى المدارس، ومنح دراسية للفتيات، ومساعدات مالية، ومعاشات تقاعد للنساء وكبار السن والمعاقين، إلى جانب التأمين الصحي الشامل.
وقال نذير الدين ساركار، مسؤول كبير بالمنطقة: “نقدم مزايا الرعاية الاجتماعية هنا منذ الولادة وحتى الوفاة”.
ولتخفيف أعباء السفر إلى المكاتب الحكومية البعيدة والتعامل مع المسؤولين غير المتعاونين، تدير حكومة بانيرجي برنامجاً للتوعية بالمزايا يسمى “الحكومة على باب منزلك”. وسجل أكثر من 100 مليون شخص من أجل الحصول على إعانات الرعاية الاجتماعية عبر برامج مختلفة في أكثر من 650 ألف مخيم من هذا النوع في 23 منطقة على مدار السنوات الثلاثة الماضية، وفقا للبيانات الرسمية.
ويقدم مخيم توزيع مزايا الرعاية الاجتماعية في بيشنوبور لمحة سريعة عن سبل عيش المستفيدين من تلك المزايا.
وقالت شوبها موندال إنها تنفق معاش زوجها المتوفي على إرسال ابنها إلى المدرسة. كما تنفق مونيكا تيثي ثلاثة معاشات تقاعد منفصلة – تحصل عليها بصفتها مزارعة وعضوة في قبيلة وامرأة – على إدارة متجر للبقالة في القرية. أما ديبالي موندال، وهي أرملة أخرى، فتستخدم معاش التقاعد في صناعة وبيع الوجبات الخفيفة في الشارع.
وقال شوتن دهندوب لاما، من كبار المسؤولين: “عندما تحصل النساء المسنات أو الأرامل على المال، يرتفع قدرهن بين أفراد الأسرة. كما تمنحهم معاشات التقاعد الكرامة”.
وعلى بعد مئات الأميال في مدينة فيساخاباتنام الساحلية في ولاية أندرا براديش جنوبي الهند، تعلق واي لاكسمي آمالها على الرعاية الاجتماعية لتأمين مستقبل أكثر إشراقاً لأطفالها.
وتعيش واي مع زوجها، الذي يعاني من الصمم وضعف النطق، وابنيهما وحماتها الأرملة. ويعتمدون في معيشتهم على إعانات اجتماعية بقيمة 6000 روبية شهرياً تستحقها الأسرة بسبب إعاقة الزوج علاوة على معاش أرملة لحماتها.
وتمول حكومة الولاية بقيادة واي إس جاغان موهان ريدي، زعيم حزب المؤتمر، أكثر من عشرين برنامجاً للرعاية الاجتماعية. وتتضمن هذه التمويلات مساعدات تقدم لجماعات المساعدة الذاتية للنساء، وحتى المدفوعات الشهرية للمرضى الذين يخضعون لغسيل الكلى.
وقد يكون البرنامج الأكثر تأثيراً بين برامج الرعاية الاجتماعية هو برنامج “حضن الأم”، الذي يوفر دعمًا بقيمة 15000 روبية سنوياً، إذ تتمكن أمهات مثل لاكسمي من إرسال أطفالهن إلى المدرسة. ويطمح ابنها فامسي، 17 سنة، إلى الالتحاق بالمعهد الهندي للتكنولوجيا، وهو أعلى كلية للهندسة في البلاد.
وقالت لاكسمي: “نأمل أن تساعد الأموال التي تقدمها الحكومة في تحقيق حلمه”.
وكان من بين مكونات التركة التي ورثها مودي، نظام الرعاية الاجتماعية في الهند – الغذاء المجاني، والكهرباء، والدعم الزراعي، والإسكان الريفي، وبرنامج الوظائف الريفية – لكنه عمل على تنميته منذ توليه الحكم.
وتظهر استطلاعات الرأي أن الناخبين في الهند يربطون برامج الرعاية الاجتماعية بالأحزاب الحاكمة، كما أشارت إلى أن هناك زيادة ملحوظة في عدد الأسر المستفيدة من استخدام وقود الطهي النظيف والمراحيض والنساء اللاتي تتلقين تحويلات نقدية في الحسابات المصرفية منذ وصول مودي إلى السلطة قبل عقد من الزمن. وأدى توزيع الدراجات المجانية للفتيات الملتحقات بالمدارس والكليات في مختلف الولايات، إلى زيادة فرص التعليم المتاحة أمام الفتيات، وفقاً لنتائج المسح.
لكن الأدلة على ترجمة الرعاية الاجتماعية إلى أصوات أكثر تختلف في مدى قوتها، إذ لا يُحسم الفوز في الانتخابات الهندية بعامل واحد فقط؛ فالطبقة الاجتماعية، والتركيبة السكانية، والهوية الدينية هي أيضاً عوامل رئيسية أخرى يمكن الاعتماد عليها في التنبؤ بما قد يتلقاه الحزب من دعم.
وكشف مسح، أجرته مجموعة الرأي “لوكنيتي سي إس دي إس”، في 2019 أن حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند اجتذب أعداداً كبيرة من الناخبات في الانتخابات العامة لذلك العام بسبب نشاطه المكثف في توفير مزايا وخدمات الرعاية الاجتماعية. ومع ذلك، خلصت دراسة حديثة في ولاية بنغال الغربية إلى أن “الأيديولوجية وسياسات الهوية” تفوقت على الاعتبارات الخاصة بمزايا الرعاية الاجتماعية أثناء البحث في الأسباب وراء تنامي شعبية حزب بهاراتيا جاناتا في الولاية.
ووسط تصاعد مزاعم فساد، خسر حزب بهاراتيا جاناتا الانتخابات في كارناتاكا العام الماضي على الرغم من العدد الكبير من برامج الرعاية الاجتماعية. وفي ولاية أندرا براديش، وهي ولاية معروفة بارتفاع حراكها الاجتماعي، هناك شكوك حول ما إذا كانت مبادرات الرعاية الاجتماعية وحدها كافية لفوز ريدي هذا الصيف نظراً لنقص الوظائف وضعف البنى التحتية. وهناك شكاوى من الكثيرين من أن الرعاية الاجتماعية تقوض أخلاقيات العمل.
وقال أرفيند سوبرامانيان: “استفاد القادة سياسياً من هذه البرامج. ولكن بمرور الوقت، تضاءلت العائدات وأصبحت الحوكمة وأشياء أخرى ذات أهمية أكبر”.
كما حذر سوبرامانيان من “الشعبوية التنافسية”، مشددًا على الضغط الذي يشكله الكثير من برامج الرعاية الاجتماعية على الأموال العامة. ويتجاوز الدين العام في الهند – مديونية الحكومات الفيدرالية ومديونية حكومات الولايات مجتمعتين – بأكثر من 80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، ركز تقرير أعده الصندوق على “ارتفاع مستويات الدين العام ومخاطر الالتزامات الطارئة” في الهند.
وقال الخبير الاقتصادي: “الدول تلعب بالنار. وأصبحت هذه المخططات استحقاقات دائمة، ولا أعرف إلى ماذا سيؤول هذا الأمر”.
ولا يزال الجدل دائراً حول ما إذ كانت “الرعاية الجديدة” تضر بخزانة الدولة. ويحذر خبراء أيضاً من أن هذه المخططات ليست كافية لانتشال الناس من الفقر؛ والاستثمارات في الرعاية الصحية والتعليم ضرورية أيضاً.
وهناك نقاط ضعف واضحة في برامج الرعاية الاجتماعية التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة في الهند. ففي فيساخاباتنام، وعلى الرغم من تلقيها معونات كثيرة، تنفق عائلة لاكسمي الكثير على شراء مياه الشرب بسبب عدم وجود وصلة مياه نظيفة، كما تذهب إلى شقة أحد الجيران لاستخدام المراحيض لعدم وجود واحد في منزلها.
وقد يحجّم التضخم وانخفاض مستويات الدخل في كثير من الأحيان، النتائج التي قد تنتج عن برامج الرعاية الاجتماعية من تحسن. فبهلافي، الذي حصل على إعانة لبناء منزله في ولاية ماديا براديش، يكسب 500 روبية يومياً من عمله في بناء منازل من الطوب. وعلى الرغم من امتلاكه مزرعة، إلا أنه وبسبب الطقس السيء وارتفاع أسعار الأسمدة، لم يعد يمكنه العمل في الزراعة.
وقال بهلفي إنه سيحتاج أيضًا إلى زيادة منحة الإسكان واقتراض مبلغ إضافي قدره 80 ألف روبية بفائدة سنوية 12 في المئة من مقرض المال في القرية لبناء منزله، مما يسلط الضوء على التحدي المستمر الذي ينطوي عليه الوصول إلى التمويل الرسمي بفائدة معقولة.
وقالت زوجته، لاخباتي باي إنه على الرغم من استفادتهم من غاز الطهي المدعوم لمدة عامين، إلا أنهم يكافحون من أجل إعادة تعبئة أسطوانة الغاز المجانية بسبب ارتفاع أسعار الغاز. وأضافت: “نطهو أغلب طعامنا على موقد الطين”.
وفي 2022، دافع وزير الداخلية الهندي أميت شاه عن نهج الحكومة في التعامل مع الرعاية الاجتماعية.
وقال الوزير الهندي: “قدمنا لهم توصيلات الغاز والكهرباء، والأمر متروك لهم [للناس] لدفع فواتيرهم. وأقمنا لهم مراحيض ولكن عليهم صيانتها… ما فعلناه هو تقديم المساعدة لتحسين حياتهم”، مؤكداً لصحيفة إنديان إكسبريس: “هذا هو التمكين”.
وتنفق الهند أقل من 1.00 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الصحة، كما خفّضت الحكومة الإنفاق على التعليم. ويلقي التوسع في برنامج الحبوب الغذائية المجانية ليشمل أكثر من 800 مليون شخص حتى عام 2028، الضوء على الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الريفي. ويعتقد كابور أن التحويلات النقدية “أصبحت حلا سهلا على المدى القصير، بينما أُهملت الحلول الأصعب على المدى الطويل مثل الاستثمار بشكل كاف في الزراعة والتعليم والرعاية الصحية”.
وأضاف: “يتطلب كل هذا بناء المؤسسات، وهو عمل شاق. وفي حين أن هناك الكثير الذي يستحق الثناء فيما يتعلق بالرعاية الجديدة، إلا أن المرء يخشى أن يكون ذلك على حساب إنشاء نظم مهمة للإنتاجية والنمو على المدى الطويل”، وهو ما يرى أن أغلب الهنود يوافقون عليه.