مريم المعتمد .. من الصويرة إلى “كاسيني” وتلسكوب “جيمس ويب” الفضائية
تعتبر مريم المعتمد، عالمة وخبيرة في الديناميكيات المدارية والميكانيكا السماوية، واحدة من الأسماء المغربية التي تبرز في علم الفلك وتعقب مدارات وحلقات الكواكب.
من الصويرة إلى أحد أبرز المعاهد الفلكية عبر العالم، وهو “ساوث ويست للأبحاث” بالولايات المتحدة الأمريكية، تحكي لنا المعتمد، من خلال حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، قصتها وجهودها العلمية وكيف أن اسما مغربيا لا يزال يساهم في مهمة “كاسيني” الشهيرة سنة 2013، ويحضر في جهود تلسكوب “جيمس ويب” الذي يعتبر من أبرز الاختراعات البشرية إلى حدود اللحظة.
وتشارك العالمة المغربية، التي تحمل 15 سنة من الخبرة في مجال الفلك، في جهود ومهمات بحثية عديدة ترتبط بمعهد “ساوث ويست”، ووكالة “ناسا” الأمريكية، وتؤكد أن “حلمها أن تدرس الفيزياء الفلكية ببلدها المغرب”.
وتقول المعتمد إنها على “يقين أن المغرب سيواصل قطع خطوات كبيرة في تعزيز فهمنا للكون”.
نص الحوار:
بداية، حدثينا عن مسارك الدراسي من الباكالوريا إلى المرحلة الجامعية في فرنسا ثم الاشتغال في مجالك بأمريكا..
منذ أكثر من عقدين، أكملت الباكالوريا في الصويرة بالمغرب، قبل أن أبدأ رحلة طويلة قادتني إلى باريس، في عام 2003 لاستكمال دراستي الجامعية. بعد ذلك، تابعت درجة الماجستير في الفيزياء الفلكية في مرصد “باريس-ميدون”، تحديدا في تخصص ديناميكيات أنظمة الجاذبية. وشكل هذا السعي الأكاديمي طريقي للحصول على درجة الدكتوراه في الفيزياء الفلكية وعلوم الكواكب، مع التركيز على الميكانيكا السماوية.
وعند حصولي على درجة الدكتوراه، هاجرت إلى الولايات المتحدة، حيث انضممت إلى جامعة كورنيل كعضو في فريق مهمة ناسا/كاسيني. منحتني هذه الفرصة خبرات لا تقدر بثمن في تخطيط المهام وتحليل البيانات وتأمين الحصول على العديد من تمويلات مشاريع رفقة وكالة “ناسا”. وقد شكلت فترة عملي التي استمرت عقدا في كورنيل فصلا مهما في تطوري الشخصي والمهني، حيث صقلت خلالها مهاراتي وخبرتي. وطوال رحلتي في مرصد باريس وجامعة كورنيل، كان لي امتياز التعاون مع العقول اللامعة في علوم الكواكب والفيزياء الفلكية. إن استعدادهم لتبادل المعرفة والخبرة أثرى بشكل كبير تجربة التعلم الخاصة بي. وعلى مدى السنوات الـ15 الماضية في مجال علم الفلك، قمت بتوسيع فهمي من قواعد مراقبة السماء الأساسية إلى النظريات المعقدة التي تحكم حجم الحركة السماوية والبنية الداخلية والعمليات التطورية. بالإضافة إلى ذلك، لقد ساهمت بنشاط في تخطيط البعثات ومقترحات التمويل المقدمة من “ناسا”. وأشير إلى أن تدريس المشاريع البحثية والإشراف عليها كان جزءا لا يتجزأ من مسيرتي المهنية؛ مما سمح لي بنقل خبرتي ومعرفتي إلى الجيل القادم من العلماء. أفتخر برعاية عقول الشباب والمساهمة في تطور العلم من خلال التعليم والإرشاد. وقد انتقلت في مارس الماضي إلى معهد ساوث ويست للأبحاث (SwRI) من مركز كورنيل للفيزياء الفلكية وعلوم الكواكب، حيث كنت باحثة مشاركة كبيرة بصفتي عالما رئيسيا في معهد ساوث ويست، أجري دراسات النمذجة التحليلية أو العددية وتحليل النماذج للمشاكل في ديناميكيات النظام الشمسي، وأنا أيضا منخرطة في العديد من المشاريع الأخرى وتخطيط المهام.
كيف بدأت علاقتك بمجال الميكانيكا المدارية والسماوية؟
لطالما كنت مفتونة بشكل كبير بالعلماء، حيث يحتل علماء الفلك مكانة خاصة في فضولي. الحقيقة البسيطة لمراقبة الطبيعة لكشف الألغاز التي تحكم العمليات الكيميائية والفيزيائية لطالما أسرتني. عند قراءة سجلات علم الفلك القديم، واجهت يوهانس كبلر الرائع (1571-1630)، الذي أدت ملاحظاته المركزة إلى نتائج عميقة؛ بما في ذلك القوانين المهمة التي تشرح حركة الأجرام السماوية، وتتردد صدى مساهمات كبلر بعمق معي. وإذا أتيحت لي الفرصة لمقابلة شخص من القرن السادس عشر، فسيكون بلا شك خياري.
ومع ذلك، بما أن السفر عبر الزمن لا يزال بعيد المنال؛ وهو بالطبع مجرد تعبير مجازي لي هنا. لقد اخترت أن أغمر نفسي في مجال الميكانيكا السماوية.
من خلال الملاحظة البسيطة، يمكننا وضع قوانين رياضية تضيء الظواهر التي نشهدها. لقد أصبح الانخراط في تطوير الأطر النظرية لشرح هذه الملاحظات شغفي. بدأ هذا الإدمان على صياغة وصقل النماذج النظرية في عام 2008. ومنذ ذلك الحين، كنت مدمنة تماما، وأنا ممتنة لذلك.
اشرحي لنا أكثر طبيعة تخصصك وعملك في أمريكا..
عملت في جامعة كورنيل مسنة 2014، وبعدها انتقلت من مركز كورنيل للفيزياء الفلكية وعلوم الكواكب حيث كنت باحثة أولى مشاركة في بولدر في ولاية كولورادون إلى العمل في معهد ساوث ويست للأبحاث (SwRI) كعالمة رئيسية. إن طبيعة عملي متسقة إلى حد كبير مع ما فعلته في كورنيل، حيث كنت مسؤولة عن التحقيق في الآليات المشتركة التي تؤثر على الديناميكيات المدارية للحلقات والأقمار والكواكب الكوكبية عبر النظام الشمسي. وفي SwRI، من بين العديد من المشاريع، سأجري دراسات النمذجة التحليلية والرقمية وتحليل النماذج للمشاكل في ديناميكيات النظام الشمسي.
حدثينا عن تجربتك في مهمة ” كاسيني” الشهيرة سنة 2014، ما كان دورك تحديدا؟
في شتنبر 2017، أنهت المركبة الفضائية كاسيني مهمتها من خلال الاقتحام المتعمد في الغلاف الجوي لزحل، ووفرت بيانات لا تقدر بثمن خلال مدارها النهائي. عندما لقيت مصيرها، أصبحت كاسيني جزءا لا يتجزأ من الكوكب الذي لاحظته المركبة لمدة 13 عاما. وطوال مهمتها، جمع العلماء في جميع أنحاء العالم بيانات منها؛ مما أسفر عن رؤى عميقة حول زحل وحلقاته وأقماره، بالإضافة إلى ديناميكيتها المترابطة وتفاعلات الجاذبية الخاصة به.
لحسن الحظ للوصول إلى هذه الثروة من المعلومات، تعاونت مع زملائي في مواضيع بحثية مختلفة، والبحث في تكوين الكوكب، وهياكل الحلقة، وخصائص القمر. لقد انصب تركيزي بشكل خاص على توضيح العلاقة بين باطن زحل والميزات المرصودة لحلقاته. علاوة على ذلك، تهدف مشاريعي المستمرة إلى إعادة بناء التطور المداري لأقمار زحل على مدار الـ100 مليون سنة الماضية. من خلال حل ألغاز هذه المسارات التطورية، نطمح جميعا إلى كشف الألغاز المحيطة بتشكيل نظام الكوكب وأصله ورحلته التطورية.
ما هي المهمات التي اشتغلت عليها رفقة وكالة ” ناسا” الأمريكية؟
أولا مهمة كاسيني، فعلى الرغم من انتهاء مهمة المركبة الفضائية حول زحل؛ فإن برنامج كاسيني لتحليل البيانات (CDAP) مستمر، مستغلا ثروة البيانات المستردة خلال رحلة استمرت 13 عاما. ولا يزال التحليل المستمر، الذي يركز بشكل خاص على الهياكل الغامضة لحلقات زحل، يسفر عن نتائج جديدة على التركيب الداخلي للكوكب وديناميكيات الدوران وعمليات التشكيل. من خلال هذا البرنامج، نظل ملتزمين بالكشف عن الأسرار المخفية داخل المستودع الواسع لبيانات كاسيني، مما يساهم في فهمنا المتزايد باستمرار لنظام زحل.
ومهمة ثانية توجد في تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST) الشهير، حيث تم تدريب هذا التلسكوب الكبير الآن على هياكل مختلفة عبر الكون؛ بدءا من الأقمار الصغيرة والحلقات الخافتة داخل نظامنا الشمسي، إلى المجرات البعيدة في الكون. وفي الوقت الحالي، أعمل كمحقق رئيسي في اقتراح ناجح يهدف إلى تأمين وقت مراقبة كوكب “أورانوس” باستخدام أداة “NIRCam” على متن تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST)، حيث يبرز أورانوس بين كواكب نظامنا الشمسي بسبب خصائصه الفريدة، من خلال ميله المحوري العالي بشكل استثنائي بحوالي 98 درجة، وربما يكون ناتجا عن تأثير عملاق قديم. بالإضافة إلى ذلك، يُظهر نظام ring-moon الخاص به تكوينا مثيرا للاهتمام مع مكونات معبأة عن كثب وبياضات منخفضة نسبيا، مما يشير إلى تكوين لم يتم فهمه بالكامل بعد.
ستوفر البيانات التي تم الحصول عليها من ملاحظات “NIRCam ” معايير مهمة لفهم التكوين الحالي والسياق التاريخي والأصول والعمر والمسار التطوري لحلقات وأقمار أورانوس. علاوة على ذلك، فإن ملاحظات تلسكوب جيمس ويب للحلقات الخافتة والمغبرة ستمكن من التوصيف التفصيلي للهياكل مثل حلقة “زيتا” والمواد الأخرى التي تدور بالقرب من قمم سحابة أورانوس. وتحمل هذه المعلومات أهمية حاسمة لتقييم المخاطر المحتملة وإبلاغ التخطيط للمهام المستقبلية؛ مثل مهمة “Uranus Orbiter and Probe (UOP)” التابعة لناسا. وهنالك مشروع آخر أعمل فيه اسمه “لوسي”، ومشروع آخر في مهمة لم يكشف عنها بعد.
ما هي الأبحاث العلمية التي تشتغلين عليها حاليا؟ وهل توجد أخرى مستقبلا؟
المستقبل مشرق ومليء بالمشاريع بالنسبة لي في معهد SwRI، سأعمل على العديد من المشاريع، وهي تتعلق أولا بـ”زحل” وأقماره وحلقاته واتصال الجاذبية المعقد بين هذه المكونات الثلاثة داخل نظام زحل. سيلقي هذا العمل الضوء على الجزء الداخلي من زحل، وعلى دورانه التفاضلي ومجاله، ويحاول أيضا كشف ألغاز تكوين القمر وتطوره، وسيساعد في تقدير العمر المثير للجدل لحلقاته الرائعة.
أشتغل أيضا على موضوع “الاحتجاب النجمي الأرضي” الخاص بـ ” characterization of centaurs”، والكواكب القزمة وأجسام ” trans-Neptunian”، بهدف الكشف عن أشكالها الفيزيائية والبيئات المحيطة بها. لدي بحث أيضا حول توصيف الكواكب الخارجية، مع التركيز على تحديد كتلها ومعالمها المدارية، بهدف كشف أصولها وتاريخها التطوري. لدي أيضا بحث حول تصميم البعثات الصغيرة (SATs smallSATs and CubeSATs) كجهة مؤثرة في التحقق من صحة التنبؤات النظرية وتقديم ملاحظات بشأنها. وبحث آخر حول تكوين وتطور أقمار “أورانوس”.
أقول هنا إن الجهود التعاونية التي يبذلها زملائي قادرة على التأثير على البعثات الفضائية في المستقبل، ولا سيما “أورانوس أوربيتر” التي من المقرر إطلاق مهمة المسبار الخاص بها (UOP) في غضون عقد تقريبا. إن هذه المهمة هي عنصر رئيسي في مبادرة أورانوس الرائدة، والتي حظيت بتأييد قوي في أحدث مسح عقدي لعلوم الكواكب والأحياء الفلكية. وبحثي المستقبلي في مهمة لوسي، التي تشد طريقها إلى كويكبات طروادة، من المحتمل أن تكون بقايا لنفس المادة البدائية التي شكلت الكواكب الخارجية. وسأركز على الأقمار الصناعية، حيث ستبحث مهمة لوسي عن حلقات وكويكبات طروادة.
هل التلسكوبات وحدها كافية لفهم طبيعة الكواكب الأخرى؟
تلعب التلسكوبات دورا صعبا في توفير البيانات الضرورية لتطوير النماذج النظرية. إن التآزر بين بيانات الرصد التي يتم الحصول عليها من خلال التلسكوبات والتحقيقات النظرية أمر لا غنى عنه لكشف عمليات تكوين الكواكب وتطورها. وكلا الوجهين “الملاحظة والنظرية” مهمان بالقدر نفسه في تعزيز فهمنا لكيفية تشكل الكواكب وكيفية تطورها.
في نظرك، ما هي صعوبات رصد الكواكب؟
يكمن التحدي الأساسي في المسافات الشاسعة التي تفصل الأرض عن هذه الكواكب. أقرب نظام شمسي خارج المجموعة الشمسية معروف بالنسبة لنا هو Alpha Centauri، ويبعد هذا النجم حوالي 4.2 سنة ضوئية عن الشمس.
حدثينا عن جهودك بالمغرب، هل لديك جهود علمية بالمملكة؟
أحد المشاريع التي تحظى بجاذبية كبيرة بالنسبة لي هو المشاركة في الاحتجاب النجمي على الأرض لتوصيف القناطير والكواكب القزمة والأجسام عبر نبتون. تسعى هذه التقنية إلى الكشف عن هياكلها الفيزيائية والبيئات المحيطة بها، مما يساهم في فهمنا لهذه الأجرام السماوية.
بالإضافة إلى ذلك، أطمح إلى الانخراط في تدريس الفيزياء الفلكية في المغرب. وإنني أؤمن إيمانا راسخا بأهمية نقل معارفنا وخبراتنا إلى جيل الشباب. ولا يشكل هذا الهدف هدفا نبيلا في حد ذاته فحسب؛ بل يؤدي أيضا دورا حيويا في ضمان بقاء العلم قوة موحدة، وتجاوز الحدود والجمع بين الشعوب والأمم.
أخيرا، في نظرك هل المغرب أمام مستقبل زاهر يمكنه من الدخول إلى هذا المجال؟
إنني متفائلة للغاية بشأن قدرة المغرب على الظهور كدولة رائدة في مجال علم الفلك. لقد أظهر المواطنون المغاربة، سواء كانوا مقيمين داخل البلاد أو خارجها، براعة فكرية ملحوظة والتزاما قويا بالانخراط في نتائج علمية رائدة.
في المغرب، حظيت مؤسسات مثل كلية العلوم السملالية بمراكش ومرصد أوكايمدن بإشادة دولية لمساهماتها في الأبحاث الفلكية. وعلى سبيل المثال، فإن رصد نظام الكواكب الخارجية ” TRAPPIST-1″، الذي أجرته العديد من التلسكوبات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مرصد أوكايمدن، يقف كدليل على دور المغرب المهم في الاكتشاف الفلكي. لقد نُشر هذا الإنجاز الرائد بشكل ملحوظ في مجلة Nature المرموقة منذ سنوات عديدة؛ مما يؤكد بروز المغرب المتزايد في هذا المجال.
وأشير إلى أن اكتشاف TRAPPIST-1 يمثل مثالا واحدا فقط على البحث المؤثر الذي تم إجراؤه داخل المغرب. إنني فخورة جدا بإنجازات إخوتي المواطنين المغاربة الذين لعبوا دورا أساسيا في هذا الاكتشاف الرائد، وأنا واثقة من أن المغرب سيواصل قطع خطوات كبيرة في تعزيز فهمنا للكون.