أخبار العالم

الداكي يستعرض إشكالات “غسل الأموال”


قال الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، إن انعقاد ندوة الاتحاد الدولي للمحامين حول “مكافحة غسيل الأموال.. الرهانات والتحديات” يعد مناسبة للتذكير بالتقدم الإيجابي الذي حققته المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في التعاطي مع هذا الصنف من الإجرام من خلال المقتضيات التشريعية والإجراءات العملية التي تم إعمالها، والتي تنسجم مع المعايير المعتمدة من طرف مجموعة العمل المالي .GAFI

وأضاف الداكي، في كلمة ألقاها خلال هذه الندوة الدولية، أن “التعديلات التشريعية، التي همت القانون 18-12 المتعلق بمكافحة غسل الأموال، في إطار التفاعل الإيجابي لبلادنا مع ملاحظات مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، توصي الدول بتحديث المنظومة القانونية الداخلية وملاءمتها مع المعايير ذات الصلة”، لافتا إلى أن “القانون المذكور جاء بمستجدات مهمة، أبرزها الرفع من الحدين الأدنى والأقصى للغرامة المحكوم بها، وتوسيع لائحة الجرائم الأصلية لجريمة غسل الأموال، وتعميم الاختصاص القضائي لمواجهة هذه الجرائم على محاكم الدار البيضاء، فاس ومراكش، إلى جانب محكمة الرباط”.

وأشار إلى أن “النصوص التشريعية والآليات المؤسساتية وإن كانتا ضروريتين، فإنهما غير كافيتين وحدهما للحد من المخاطر المتنامية لجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب ورفع التحديات التي تطرحها، بل إن الأمر يستلزم، موازاة مع ذلك، بذل مجهودات على مستوى تأهيل كفاءات ومهارات مختلف الفاعلين في هذا المجال وتطوير طرق اشتغالهم، سواء تعلق الأمر بالأشخاص الخاضعين وسلطات الإشراف والمراقبة أو أجهزة إنفاذ القانون، إيمانا منا بأن مكافحة هذا النوع من الإجرام الخطير لا يهم فئة معينة دون أخرى، وإنما هو مسؤولية الجميع، مما يفرض علينا التنسيق وتقاسم الممارسات الفضلى في هذا المجال”.

وإسهاما منها في الجهود الوطنية المبذولة لمكافحة جريمة غسل الأموال، أوضح الداكي أن رئاسة النيابة العامة “بادرت إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير التي تصب في اتجاه تحقيق هذه الغاية، من خلال حث النيابات العامة ومواكبتها على سرعة إنجاز الأبحاث التمهيدية، والمساعدة في تجهيز الملفات لتقليص أمد البت في الدعوى العمومية، بالإضافة إلى تفعيل البحث المالي الموازي”، مضيفا أن “رئاسة النيابة العامة وجهت مجموعة من الدوريات إلى مختلف النيابات العامة على الصعيد الوطني، كان آخرها الدورية رقم 15/ ر ن ع/ 2023 بتاريخ 01 غشت 2023، حول التنفيذ الأمثل للتدابير والإجراءات ذات الصلة بالتعاون القضائي الدولي في مجال مكافحة غسل الأموال والجرائم الأصلية وتمويل الإرهاب، التي تمت فيها دعوة النيابات العامة إلى إيلاء هذا الموضوع عناية خاصة وذلك بالسرعة والفعالية اللازمتين لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب، والحيلولة دون التصرف في الممتلكات أو المتحصلات الناتجة عن غسل الأموال أو الجرائم الأصلية وتمويل الإرهاب”.

وتابع المسؤول القضائي قائلا: “وتجسيدا للمجهودات التي تقوم بها النيابات العامة في المحاكم للتصدي لجريمة غسل الأموال، تم تسجيل ارتفاع في عدد القضايا المسجلة منذ دخول قانون غسل الأموال حيز التنفيذ إلى غاية نهاية سنة 2023، حيث ارتفع عدد القضايا من 336 قضية، مسجلة خلال الفترة الممتدة من سنة 2008 (تاريخ دخول قانون غسل الأموال حيز التنفيذ) إلى سنة 2018 (تاريخ خضوع المغرب للتقييم من طرف مجموعة العمل المالي لشمال أفريقيا والشرق الأوسط)، إلى ما مجموعه 2927 قضية إلى غاية نهاية سنة 2023. كما عرف عدد الأحكام الصادرة في قضايا غسل الأموال ارتفاعا ملحوظا خلال الفترة نفسها، حيث ارتفع من 27 حكما ما بين سنة 2008 و2018 إلى 311 حكما نهاية سنة 2023. وهذه الأرقام تعكس حجم المجهودات التي بذلها قضاة النيابة العامة وقضاة الحكم وضباط الشرطة القضائية بمختلف أصنافهم في هذا المجال”.

ولفت الانتباه إلى أن “الهيئة عملت على إحداث تطبيقات معلوماتية خاصة بتتبع قضايا غسل الأموال وتحيينها، والحصول على إحصائيات دقيقة بشكل أكثر فعالية، بالإضافة إلى اعتماد دليل إرشادي حول تقنيات البحث والتحقيق في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتعقب الأموال ذات الصلة وحجزها”.

وأضاف الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أن “هذا الدليل الإرشادي الذي تم إعداده بناء على الملاحظات الواردة في تقرير التقييم المتبادل للمملكة المغربية، بتنسيق وشراكة مع المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وقيادة الدرك الملكي، تم تعميمه على جميع قضاة النيابة العامة على الصعيد الوطني، وكذا مختلف المؤسسات المعنية بمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وباقي أجهزة إنفاذ القانون”.

وأبرز أن “رهان مكافحة غسل الأموال لا يعتبر عملية ظرفية مرتبطة بتنزيل خطة عمل أو الخروج من لائحة معينة بقدر ما نعتبره، من وجهة نظرنا، مقاربة مستدامة تقوم على تعزيز المكتسبات ومواصلة تطوير طرق الاشتغال وتدارك النواقص بكل مسؤولية في سبيل رفع التحديات المطروحة، وهي مقاربة تعكس انخراط المملكة المغربية في ورش مكافحة الفساد المالي بكل مظاهره وطنيا ودوليا”.

وختم الداكي حديثه بالتأكيد على أن “هذه الندوة الدولية، بالنظر إلى غنى المواضيع المبرمجة فيها وراهنيتها، ستشكل فرصة سانحة لتبادل التجارب والممارسات الفضلى المعتمدة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما ستساهم في الخروج بخلاصات مهمة حول آليات الوقاية منها، لا سيما أنها تعرف مشاركة مهنيين وخبراء على مستوى عال من الكفاءة والمعرفة بمخاطرها، حيث سيؤطر أشغالها محامون مرموقون ومتخصصون في الموضوع، وهي مناسبة للإشادة بالأدوار التي تقوم بها مختلف الهيئات المهنية المساعدة للعدالة، وفي مقدمتها هيئة الدفاع”، مبرزا أن تنظيم هذه الندوة الدولية اليوم ما هو إلا دليل قوي على هذه الإرادة الجماعية للتصدي لجريمة غسل الأموال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى