حرب غزة: هل غيرت الضربات الصاروخية الإيرانية الإسرائيلية الشرق الأوسط؟
- Author, جيمس ليندال
- Role, بي بي سي- القدس
-
تتطور الأمور في الشرق الأوسط بشكل سريع، ففي لحظة واحدة تشهد مواجهة صاروخية، وباستخدام المسيرات بشكل غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، وفي اللحظة التالية يعود التركيز على الحرب الجارية في غزة.
لكن الساسة، والمحللين، والقادة العسكريين، لا زالوا يحاولون استيعاب التغيير الكبير الذي حدث على ساحة القدرات العسكرية، والمواجهة الصاروخية بين العدوين اللدودين، والتي لم تصل إلى حرب شاملة وصراع دولي، بسبب ما قيل إنه أخطاء تقنية.
وتعد هذه المرة الأولى التي تهاجم فيها إيران وإسرائيل بعضهما البعض، ويبدو من المهم للطرفين أن يعرفا إلى أي حد اقتربا من حافة الحرب.
ويرى بعض الخبراء أن الهجوم الإيراني على إسرائيل، هو أكبر هجوم صاروخي شامل على الإطلاق، حتى أكبر من أي هجوم صاروخي روسي على أوكرانيا، كما أنه كان أول هجوم صاروخي خارجي على إسرائيل، منذ هجمات الرئيس العراقي السابق، صدام حسين عليها بصواريخ سكود عام 1991.
وقد تمكنت إسرائيل من إسقاط غالبية الصواريخ الإيرانية التي تخطى عددها 300 صاروخ، كما فشل الكثير منها في إصابة هدفه، لكنني شاهدت من مقر بي بي سي في القدس، السماء تضيء ليلا بسبب الدفاعات الجوية الإسرائيلية، التي كانت تستهدف الصواريخ الإيرانية، لتجنب حصيلة عالية من الضحايا.
وقال لي مسؤول أمني غربي “لا أظن أن الناس يعرفون إلى حد كنا قريبين من الأمر قبل أيام، كان يمكن أن تنحى الأمور منحى آخر”.
ويظن البعض في الغرب أن الهجمات الإيرانية الإسرائيلية المتبادلة، كانت لها بعض الإيجابيات، على اعتبار أن العمل الاستخباراتي الإسرائيلي كان ناجحا في توقع أسلوب القصف الإيراني، والمواقع التي سيستهدفها، بحيث كان الدفاع ناجعا، وبالتالي كانت هناك فرصة لإيران وإسرائيل لتعلم كيفية التراجع ووقف التصعيد.
وقد بلغني أن الولايات المتحدة عرفت الخطة الإيرانية صبيحة الأربعاء، قبل أيام من الهجوم الذي بدأ السبت، وبذلك عرفت واشنطن حجم الهجوم الإيراني بشكل كامل.
وقال مسؤول غربي رفيع المستوى “بلغنا أن الهجوم الإيراني سيكون أقوى ما توقعناه، وكان ذلك صادما لكنه ساهم في دعم تشكيل رد الفعل على الساحة الدولية”.
وبشكل أكثر تحديدا، ساعدت المعلومات المبكرة الولايات المتحدة على إقناع عدد من دول الخليج، ومنها المملكة العربية السعودية، وكذلك الأردن، بدعم الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
وقد كانت معرفة هذه الدول بحجم الهجوم الإيراني المنتظر، عاملا داعما في إثارة مخاوفهم، وهاجسهم الأمني، وبالتالي سعوا لتجنب تطور الأمر إلى حرب شاملة في المنطقة، في حال تضررت إسرائيل ولم يعد أمامها خيار سوى الانتقام بقوة من إيران.
لذلك ساعد العمل الاستخباراتي الناجح، وبعض الإشارات الإيرانية إسرائيل على الاستعداد لصد الهجوم.
ورغم ذلك ليس من الواضح الدور الذي لعبته السعودية، ولا الأردن بشكل كامل حتى الآن، رغم اعتراف الأردن بأنها أسقطت بعض الصواريخ الإيرانية أثناء عبور أجوائها دفاعا عن سيادتها، ومن المعروف أيضا أن الأردن ساعدت القوات الجوية الإسرائيلية، ومنحتها الإذن باستخدام جانب من مجالها الجوي.
ويبدو أن السعودية من جانبها وفرت معلومات استخباراتية للولايات المتحدة، وراقبت جماعة الحوثي عن قرب في اليمن.
وبذلك اتضح أن الجهد العسكري الأمريكي والبريطاني، والفرنسي، والأردني والسعودي، يمكن أن يعمل بشكل مشترك لصالح الجميع، في مجال الدفاع الجوي.
وقال المصدر الأمني الغربي “لقد كان أسلوبا عملياتيا ناجحا، وازداد نجاحه بسبب الجهد الاستخباراتي، فقد عملنا على مستوى المنطقة كلها، وعملنا معا بشكل غير ممكن لأي مجموعة أخرى من الدول في العالم”.
ووصل الحد إلى أن يتوقع البعض أن ما جرى يمكن أن يدفع إلى تأسيس حلف جديد في المنطقة ضد إيران.
ورغم ذلك يركز البعض على الناحية التقنية، وتسببها في فشل الكثير من الصواريخ الإيرانية في بلوغ أهدافها، ويصل الأمر بأكثرهم تشاؤما إلى القول بأن إيران لو كانت ترغب حقا في إيقاع ضرر حقيقي بإسرائيل، كانت ستمتنع عن إصدار أي تحذيرات مسبقة، وستوسع هجومها أكثر، بحيث تشن موجة ثانية أو تدفع حزب الله للمشاركة في الهجمات من الأراضي اللبنانية.
ويرى إيميل حكيم من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أن الهجوم أوضح كيف يمكن لإسرائيل أن تعتمد على التعاون مع دول الجوار للدفاع عن نفسها، كما أنه يتسائل إن كانت إسرائيل تمتلك العدد الكافي من الصواريخ لصد هجوم أكبر.
ويقول “كما رأينا في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، يكون من المهم أن تمتلك العتاد الكافي في المخازن”.
ويضيف “لسنا بصدد حقبة جديدة، فالدول العربية تعاونت مع إسرائيل بسبب رغبتها في تجنب مواجهة إقليمية واسعة، وأرادوا أن يوضحوا أنهم شركاء وحلفاء جيدون للغرب، كما أنها ببساطة مسألة متعلقة بالسيادة الوطنية، فهم لا يرغبون في تحليق الصواريخ عبر أجوائهم”.
لكن وجهة النظر المتفائلة ترى أن إيران وإسرائيل تعلمتا مما جرى، فقد تواصلت الدولتان لتوضيح الأمور، وأدركتا أن المسائل يمكن أن تتصاعد، دون أن ينقطع الاتصال بينهما.
ورغم رغبة إيران في الهجوم على إسرائيل إلا أنها كانت تريد الحصول على المزيد من الحلفاء، لذا قالت من البداية إن الهجوم سيكون موجة واحدة فقط، كما قالت إسرائيل من جانبها إن انتقامها لن يكون عنيفا، واستهدفت بعض الدفاعات الجوية في إيران.
وقد علمت أيضا أن إيران ربما تكون قد حصلت على معلومات مبكرة بخصوص المواقع التي ستستهدفها إسرائيل في ردها، لتتمكن من تجنب الأضرار، كما أن طهران قالت من البداية إنها لن ترد على الهجوم الإسرائيلي.
وبالتالي تعلم الطرفان دروسا عسكرية، وقال المعهد الدولي للدراسات العسكرية “ساعد الهجوم إيران على تحديد قوة ودراسة أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية”.
وكذلك تمكنت الولايات المتحدة من فهم القدرات الصاروخية الإيرانية بشكل أكبر.
أما وجهة النظر الأخرى، فترة أن أيران وإسرائيل كسرتا الحاجز النفسي، الذي كان قائما بخصوص عدم الهجوم على الطرف الآخر بشكل مباشر، وبالتالي أصبح الأمر قائما الآن.
ويقول أشفون أوستوفار في منشور لمعهد الدراسات والأبحاث الخارجية إن حجم الهجوم الإيراني يوضح أنها لم تعد مقتنعة بسياسة ضبط النفس.
ويضيف قائلا “فكرة أن إيران شنت هجوما ضعيفا لا تدعم مضمون الأمن على الإطلاق، لقد كانت إيران ترغب في توجيه ضربة قوية لإسرائيل”.
ويرفض حكيم فكرة أن الدولتين تعلمتا مما جرى، ويرى أن إسرائيل فشلت في توقع رد الفعل لقتلها عدد من قيادات الحرس الثوري الإيراني.
ويضيف “البلدان لا يتحدثان فيما بينهما، وبدلا عن ذلك يوجهان إشارات وإيماءات عسكرية عبر طرف ثالث، ويمكن لذلك أن يتسبب في مشاكل كبرى تتطور سريعا، بسبب سوء فهم أي طرف للطرف الآخر ونواياه”.
وهناك شكوك أيضا في قيام أي طرف بالتصرف بمنهج الردع، حسب ما يقول عاموس هير محلل الشؤون الدفاعية لجريدة هأرتس الإسرائيلية.
ويقول هير “لقد خرقت الدولتان القواعد التي كانت سارية في السابق، رغم ضآلة الخسائر، وبابتالي أصبح الردع المتبادل بينهما مختلا”.
لكن يبدو أن الدرس الذي تعلمه الجميع مما حدث هو أن المنطقة بأسرها أصبحت على حافة حرب شاملة.
ويقول مصدر دبلوماسي غربي “لقد انتهى الأمر بشكل جيد، فقد كان من الممكن أن يتخذ الصراع طريقا آخر”.