العلاقات الأمريكية- الصينية: هل تساعد زيارة بلينكن للصين في تعزيز الثقة بين البلدين؟
- Author, لورا بيكر وتوم بيتمان وتيسا وونغ
- Role, من بكين وشنغهاي وسنغافورة
يصيح اللاعب الرئيسي في لعبة كرة القدم الأمريكية مو يانغ: “ثلاثة، اثنان، واحد- انتباه!” بينما يرمي الكرة عبر الملعب.
ويعدو هنري مو زميله في فريق “بيجين سايكلونز” إلى زاوية الملعب لالتقاط الكرة، فتضرب البروزات في أسفل حذائه الرياضي العشب الصناعي للملعب لدى قفزه لالتقاط الكرة.
يقول هنري بينما يلتقط أنفاسه: “لقد تفاجأت كثيراً بالعثور على كرة القدم الأمريكية هنا. فهي رياضة قاسية بدنياً وذهنياً، وعليك أن تهزم خوفك”.
هنا، يلعب الرجال والنساء معاً في فريق رياضي قد يكون ما يربطه ببالتيمور أكثر مما يربطه ببكين.
بالنسبة للكثير من الأمريكيين، فإن هذه أكثر من مجرد لعبة، فهي تعبير عن هويتهم الوطنية. أما بالنسبة للفريق الصيني، فإنها شيء جديد. هناك بضعة آلاف من اللاعبين فقط في الصين، لكن يوجد الملايين من المشجعين.
وهذا النوع من التبادل أي “شعباً لشعب” والتواصل الثقافي هو بالتحديد ما تريده بكين مع الولايات المتحدة، حيث تحاول القوتان العظميان المتنافستان تهدئة علاقاتهما المضطربة.
ومنذ زيارة الرئيس الصيني شي جينبنغ لسان فرانسيسكو في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حرصت الصين على التأكيد على الأمور المشتركة مع الولايات المتحدة لا على الفروقات.
ويبدو أن بكين تبنت أيضاً نبرة دبلوماسية ألطف في الأشهر الأخيرة بينما تحاول جذب الشركات الأجنبية لتحفيز اقتصادها المتباطئ نموا.
ومن جانبها، أرسلت الولايات المتحدة مبعوثين إلى الصين بوتيرة أكثر من ذي قبل في إشارة منها إلى رغبة في التعاون. ويزور وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن شنغهاي، وهي الزيارة الثانية له إلى الصين في غضون أقل من عام واحد، وذلك في أعقاب زيارتين حديثتين لوزيرة الخزانة جانيت يلين.
وتصف الولايات المتحدة ذلك بأنه “إدارة للمنافسة بشكل مسؤول” وتهدف إلى تجنب فرص حدوث “سوء حسابات أو صراع”، وفقاً لمسؤول بارز في وزارة الخارجية الأمريكية تحدث قبيل انطلاق بلينكن في رحلته.
ولا يعني ذلك أن المحادثات ستكون سهلة. فلا شك أن العلاقات الأمريكية-الصينية قد تحسنت في السنوات الأخيرة، لكنها علاقات ما زالت حافلة بالتوتر والشك.
فقد شقت طائرة بلينكن التي حملت مسؤولين وصحفيين من وسائل إعلام من بينها البي بي سي، طريقها الأربعاء من مدينة “أنكوريج” في ألاسكا مروراً بمسار فوق المحيط الهادي إلى الجنوب من الأراضي الروسية متوجهة إلى الساحل الصيني الواقع إلى الشمال من تايوان وبحر الصين الجنوبي-وهي خريطة مسار تُذكّر بنقاط ساخنة.
ففي وقت مبكر من العام الماضي، كان يحلق منطاد تجسس يشتبه بأنه صيني في المجال الجوي نفسه فوق البحيرات المتجمدة في ألاسكا، وهو ما أثارأزمة دولية واسعة ونزل بالعلاقات الأمريكية-الصينية إلى الحضيض.
وقبل أن تطأ قدما بلينكن مدرج المطار في شنغهاي، أقر مجلس الشيوخ الأمريكي قانوناً يقدم حزمة بقيمة 8 مليارات دولار على شكل مساعدات عسكرية إلى تايوان، التي قال الرئيس جو بايدن إن الولايات المتحدة ستدافع عنها إذا ما هوجمت من قبل الصين. وتطالب الصين بضم الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي، وتعتبر الولايات المتحدة أكبر حليف لها.
وشهدت حزمة المساعدات أيضاً التصويت من قبل مجلس الشيوخ على حظر تطبيق تك توك الشهير على وسائل التواصل الاجتماعي إذا لم تصفه الشركة الأم الصينية “بايت دانس” خلال تسعة أشهر.
وخلال زيارتها في وقت سابق من هذا الشهر، انتقدت وزيرة الخزانة الأمريكية الصين بشأن قضايا تتعلق بطاقتها الإنتاجية الزائدة والتي ينجم عنها إغراق الأسواق الأمريكية بالبضائع الصينية الرخيصة.
واتخذت الصين موقفاً معادياً من هذه التطورات. فهي تراها جزءاً من محاولات واشنطن احتواءها اقتصادياً ومحاصرتها على الصعيد الجيوسياسي. ويرد المسؤولون الأمريكيون على ذلك بالقول إنه إذا أرادت الصين رفع التهديدات بالعقوبات والرسوم الجمركية أو تخفيف علاقات أمريكا الثنائية مع أعدائها الإقليميين، فإن على بكين أن تغير سلوكها.
وسيحذر بلينكن الخميس وزير الخارجية الصيني وانغ يي من أنه يتعين على الصين أن تحد من صادراتها من المعدات الآلية والرقائق الإلكترونية إلى روسيا. وتقول الولايات المتحدة أن موسكو تستخدم هذه الأدوات للأسلحة في حربها الدائرة في أوكرانيا. ووصفت الصين ذلك بأنه “اتهام لا أساس له من الصحة”، معتبرة إياه نفاقاً أمريكياً خاصة وأنه يأتي بعد أيام من دعم واشنطن لتقديم مساعدات قاتلة لكييف بمليارات الدولارات.
بكين أيضاً لديها تحذيراتها الخاصة لواشنطن. فقبل وصول الوزير بلينكن، أصدرت بياناً طويلاً وقوي اللهجة تحدد فيه ما تتوقعه من المحادثات.
وقال البيان إنه في حين بدأت العلاقات بالاستقرار، فإن “الولايات المتحدة تواصل الدفع قدماً باستراتيجية احتواء الصين، وتستمر في تبني أقوال وأفعال خاطئة تتدخل في الشؤون الداخلية للصين، وتعمل على تلطيخ صورة الصين وتقويض المصالح الصينية. والصين تعارض بشكل صارم هذه الخطوات وقد اتخذت إجراءات مضادة قوية”.
ورددت وسائل الإعلام الصينية والأكاديميون الصينيون هذه الرسالة. وقال لي هايدونغ، الأستاذ بجامعة الشؤون الخارجية الصينية، لصحيفة غلوبال تايمز: “يبدو أن بلينكن قد جاء إلى هنا لإصدار إنذار للصين. لن نستسلم له ولن نتنازل عن قضايانا الأساسية”.
وقال وانغ يونغ، من مدرسة العلاقات الدولية في جامعة بكين، إنه يمكن تحقيق “وضع الفوز للطرفين” في العلاقة، لكنه أضاف بأن الولايات المتحدة لديها “تصور خاطئ” عن الصين ويتعين على واشنطن أن تُظهر المزيد من “النوايا الحسنة”.
ووفقاً للخبير ألفريد وو، المقيم في سنغافورة، فإن إحدى القضايا الملحة بالنسبة للصين التي تدخل المحادثات هذا الأسبوع ستكون تايوان.
وتأتي زيارة بلينكن للصين قبل أقل من شهر على تنصيب وليام لاي، الرئيس التايواني الجديد المؤيد لسيادة الجزيرة والمذموم من الصين، وهناك مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تصاعد في التوترات في مضيق تايوان وكذلك في منطقة بحر الصين الجنوبي الأكبر.
وقال وو، وهو أستاذ مشارك في مدرسة لي كوان يو للسياسة العامة، إن “الصين سترغب بالتأكيد على خطوطها الحمراء. وسيرغب الطرفان بوضع حجر الأساس لضمان عدم حدوث تصعيد خاصة في الفترة المؤدية إلى حفل التنصيب في العشرين من مايو/ أيار”.
وحتى بعد ذلك التاريخ، ستخضع علاقتهما الهشة لاختبار إضافي مع توجه الولايات المتحدة نحو انتخابات رئاسية أخرى يتنافس فيها المرشحان على التشدد مع الصين.
وبالعودة إلى ملعب كرة القدم الأمريكية مع فريق “بيجين سايكلونز”، فإن الأفكار تتمحور حول السياسة والرياضة.
ويأمل اللاعب مو يانغ، الذي كان قد علق لصالح المشجعين الصينيين على المباريات خلال البطولة في لوس أنجليس والتي وصفها بأنها “شرف عظيم”، أن يكون هناك مزيد من التبادلات بين الصين والولايات المتحدة في المستقبل.
وقال بهذا الخصوص: “هذه هي أكبر لعبة في العالم. وآمل أن يتمكن نجومها من القدوم من الرابطة الوطنية لكرة القدم ويعلموننا كيف نلعب كرة قدم راقية، وذلك سيكون أمراً جيداً بالنسبة لنا”.
وفي غضون ذلك، يقدر هنري مو قيمة قدرته على “التواصل ثقافياً من خلال هذه اللعبة”.
ويقول: “يمكن للشعب الصيني أن يمارس الرياضات الأمريكية، والشعب الأمريكي مرحب به بأن يأتي هنا. من الرائع أن نعرف بعضنا البعض وأن نكسب أصدقاء”.
ويختم قائلاً نريد “السلام لا الحرب”.