ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
- Author, رافد جبوري
- Role, بي بي سي- واشنطن
لم يعرف التاريخ الأمريكي مثيلا لما يحدث مع دونالد ترامب، لم يحدث أبدا أن تعرض رئيس سابق للاتهام رسميا بهذه الطريقة وهذا العدد من القضايا، وترامب ليس رئيسا سابقا فقط بل مرشح حالي يتقدم في استطلاعات الرأي في الانتخابات الرئاسية التي ستكون على الأرجح بينه وبين الرئيس جو بايدن في نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام.
لكن مسار المحاكمات قد يؤثر على ترامب ومساره السياسي، تعددت القضايا والاتهامات التي يواجهها ترامب وتراكمت حتى أصبحت فعلا بحاجة إلى دليل توضيحي، بل أن حتى ذلك الدليل سيحتاج إلى تحديث مستمر يتابع تطورات القضايا ومساراتها.
ينفي ترامب كل الاتهامات كما هو معلوم ويعتبرها حملة سياسية تهدف إلى منعه من الوصول إلى الرئاسة مرة أخرى، ويعتقد معظم أنصار ترامب وناخبي حزبه الجمهوري أن الاتهامات غير صحيحة.
ويواجه ترامب أكثر من تسعين اتهاما إجراميا رسميا في إطار أربع قضايا كبرى.
القضايا على مستوى الولايات
القضية الأولى، التي انطلقت محاكماتها في نيويورك في الثاني والعشرين من نيسان/ أبريل عام 2024، تعرف بقضية المال مقابل الصمت، وهي تتعلق باتفاق أبرمه ترامب عند ترشحه للرئاسة، عبر محاميه السابق مايكل كوهن، مع ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز.
ويقضي الاتفاق بدفع مبلغ من المال لها مقابل صمتها وكتمانها لعلاقة جنسية عابرة جمعتها مع ترامب قبل عشر سنوات من فوزه بالرئاسة.
تم الاتفاق فعلا ودفع كوهن الأموال لدانيالز ثم عاد ترامب ليدفع له ولكن من هنا تنطلق الاتهامات الرسمية لترامب، فقضية العلاقة الجنسية خارج الزواج أو دفع الأموال مقابل الصمت ليست جرائم، لكن ترامب متهم بأنه وضع الأموال التي دفعها لكوهين من أموال شركته ووضعها تحت بند النفقات القانونية وهذا مخالف للقانون بحسب لائحة الاتهام.
لا بل أن المدعي العام في هذه القضية وهو ألفن براغ ذهب أبعد من ذلك حينما وجه تلك الاتهامات تحت بند الجرائم وليس فقط المخالفات لأنه يقول بأن ترامب قصد أن يضلل الناخبين الأمريكيين بإعطائهم معلومات غير صحيحة وبإخفاء الحقائق عنهم عندما سجل تلك الدفعات لمحاميه، وعددها أربعة وثلاثون دفعة، أي أنه لم يكتف باتهام ترامب بالمخالفات الضريبية والمحاسبية، وتلك جنح وليست جرائم، بل وسع ذلك إلى اعتبارها جرائم بحسب اتهامه لدوافع ترامب وسلوكياته.
جهاز الادعاء العام في الولايات المتحدة يخضع للتنافس السياسي اذ ينتخب المدعي العام بالاقتراع المباشر من الناخبين بعد ترشحه على أساس حزبي، وبالتالي عادة ما يكون المدعي العام في أي مقاطعة عضوا في أحد الحزبين الكبيرين الديمقراطي والجمهوري.
المدعي العام في هذه القضية هو ألفن براغ، وهو من الحزب الديمقراطي، حزب الرئيس جو بايدن، حيث اكتسب براغ شهرة كبيرة لأنه رفع هذه القضية لكنه ومن الناحية القانونية يواجه مهمة ليست سهلة بسبب الطريقة التي صعّد بها الاتهامات إلى تلك الدرجة.
القضية الثانية التي يواجهها ترامب هي في ولاية جورجيا، رفعتها أيضا مدعية عامة من الحزب الديمقراطي وهي فاني والاس في مقاطعة فولتون التي تضم مدينة أتلانتا.
تتركز القضية هناك على ما تسرب من حديث ترامب الهاتفي مع أحد مسؤولي حزبه الكبار في الولاية قبل إعلان النتائج عام 2020 والتي فاز فيها بايدن عليه بفارق صغير في جورجيا، حيث طلب ترامب من ذلك المسؤول “إيجاد” عدد محدد من الأصوات يجعله يتغلب على بايدن.
بعد ذلك قاد مقربون من ترامب جهودا لتصعيد الاتهامات ضد مسؤولين في لجان الانتخابات في الولاية، المدعية العامة تتهم ترامب والمقربين منه بأنهم شكلوا شبكة تشبه عصابات الجريمة المنظمة بهدف قلب نتائج الانتخابات وترهيب المسؤولين عن تنظيمها.
لكن المدعية العامة والاس تعرضت لضربة قوية حينما افتضح أمر علاقة عاطفية ربطتها بمحام عينته هي عضوا في فريق التحقيق وبناء القضية بصفة المحقق الخاص، فوجدت نفسها في موقع المدافع عن النفس ضد تلك الاتهامات التي وجهت لها بأنها استفادت ماديا من إنفاق صديقها للمال على رحلات سياحية جمعتهما معا من الأموال التي تلقاها أتعابا له في منصبه الذي عينته فيه صديقته، لكن القضاء سمح في النهاية ببقاء القضية على شرط تنحي المحقق الخاص أو إقصاء مكتب المدعي العام.
القضايا الاتحادية
عينت وزارة العدل الأمريكية مدعيا عاما مستقلا للتحقيق في القضايا المتعلقة بترامب على مستوى القضاء والسلطات الاتحادية، يتصدر ذلك قضية الاشتباه بدور ترامب في اجتياح أنصاره لمبنى الكونغرس في يوم السادس من يناير/ كانون الثاني عام 2021، وهو يوم تصديق الكونغرس رسميا على نتائج الانتخابات التي خسرها أمام بايدن.
المدعي العام جاك سميث انتهى برفع قضيتين كبيرتين على ترامب.
القضية الأولى هي الاتهامات لترامب بالاحتفاظ في منزله بوثائق سرية تعود لفترة رئاسته، يرفع سميث هنا سبعة وثلاثين اتهاما بعدد الوثائق التي لم يسلمها ترامب للأرشيف الوطني كما تنص القوانين والتعليمات.
هذه القضية كانت من القضايا غير المتوقعة وهي مازالت إحدى القضايا التي يعتقد حتى بعض أنصار ترامب بأنه كان يمكنه أن يتجنبها لو أبدى تعاونه وسلّم الوثائق التي أرادته السلطات أن يسلمها، لكنه ومعه كثير من أنصاره يعتبرون سلوك المدعي العام وسلوك مكتب التحقيقات الفدرالي الذي داهم منزل ترامب بحثا عن الوثائق في حدث مفاجئ، مثالا على استهداف ممنهج ومسيس ضد ترامب.
أما القضية الثانية التي رفعها سميث والتي تتعلق مباشرة بالتكليف الأساسي لتحقيقه فهي قضية اتهام ترامب بمحاولات التشبث بطرق غير قانونية بالبقاء في الرئاسة بعد خسارته لانتخابات عام 2020 وهنا يوجه سميث أربعة اتهامات رسمية لترامب وقد صوتت هيئة محلفين على الموافقة على توجيه الاتهامات رسميا في آب/ أغسطس عام 2020 وكان من المقرر أن تنطلق المحاكمة في شهر مارس/ آذار عام 2024 لكن استئناف ترامب أدى إلى أن تكون القضية الآن بين يدي المحكمة العليا الاتحادية التي تنظر في ادعاء ترامب بأنه يتمتع من موقع الرئيس بحصانة تجنبه التعرض لمثل تلك الاتهامات.
القضايا المدنية
بالإضافة إلى تلك القضايا الأربع الكبرى فقد خسر ترامب قضيتين كبيرتين رفعتا على أساس الدعوى المدنية غير الجنائية أي أنها تنظر في تحميل المتهم للمسؤولية والغرامة لا الإدانة والحكم.
وقد خسر ترامب قضية اتهام بالتحرش الجنسي والتشهير رفعتها ضده كاتبة اسمها جيل كارول اتهمته بالتحرش بها جنسيا في تسعينيات القرن الماضي، تمت تلك المحاكمة في نيويورك وانتهت بتحميل ترامب المسؤولية عن الاعتداء وتغريمه مبلغ خمسة ملايين دولار ثم تغريمه مبلغا أكبر هو 83 مليون دولار بعد أن خسر دعوى تشهير أخرى رفعتها كارول في نفس السياق.
وخسر ترامب أيضا قضية رفعتها ضده المدعية العامة لولاية نيويورك، حيث اتهمته وتم تحميله المسؤولية في قضية تلاعب في سجلات شركاته الخاصة، وبلغت الغرامة هنا قرابة النصف مليار دولار وهو مبلغ يواجه حتى ترامب صعوبة في تأمينه بسرعة، لكن القاضي خفف شيئا من شروط الغرامة عندما سمح لترامب بأن يدفع مبلغا أقل هو 175 مليون دولار.
لن تؤدي القضايا التي خسرها ترامب أو تلك التي قد يدان فيها إلى منعه من الترشح للرئاسة، لا بل أنه حتى لو دخل السجن فلن يمنع تلقائيا من الترشح أو الفوز بالرئاسة إن استطاع رغم أن ذلك سيكون غريبا جدا وغير مسبوق.
لكن ما يخشاه ترامب وأنصاره هو أن تؤدي تلك القضايا إلى تغيير قناعات جزء من الناخبين ودفعهم لعدم التصويت لترامب وبالتالي خسارته مرة أخرى في انتخابات يتوقع أن يشتد فيها التنافس في الولايات الحاسمة.