زيارة أردوغان إلى العراق: نقلة في العلاقات وقضايا معلقة بانتظار الحل
- Author, حيدر أحمد
- Role, بي بي سي-بغداد
تعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق ولأول مرة منذ نحو 13 عاما انتقالة كبيرة في علاقة البلدين، والتي مرت – وعلى مدى السنوات الماضية – بتجاذبات بسبب عدد من الملفات العالقة بينهما، وربما يكون أهمها ملف حزب العمال الكردستاني والذي تصنفه تركيا على “قوائم الإرهاب” وتعتبره تهديدا أمنيا لها.
يتخذ حزب العمال من المناطق الحدودية الوعرة على الحدود العراقية-التركية ملاذا أمنا له منذ سنوات.
والملف الآخر هو ملف المياه، حيث أن هناك توترات حول موارد المياه وبناء السدود على الأنهار المشتركة بين البلدين، وهما نهرا دجلة والفرات، حيث تخشى الحكومة العراقية من تأثير بناء السدود التركية على تدفق المياه إلى العراق.
وعلى الرغم من أن أزمة المياه في نهري دجلة والفرات ليست جديدة، فتركيا باعتبارها دولة المنبع تمتلك ميزة جغرافية واستراتيجية تتمثل بالسيطرة الكاملة على كل من هذين النهرين في مواجهة الدولتين الأخرتين على مجرى النهر، سوريا والعراق.
وبرزت المشكلة المائية بين العراق وتركيا لأول مرة في منتصف السبعينات من القرن الماضي، إثر إنجاز تركيا بناء سد كيبان -وهو أحد السدود الضخمة- وتخزين المياه فيه، ما أدى إلى نقص المياه في العراق إلى حد كبير، وانتهت بسد إليسو والذي افتتح عام 2018.
العلاقات العراقية-التركية
ألقى وجود القواعد التركية في مناطق كردستان العراق، بظلاله على العلاقة بين بغداد وأنقرة بعد عام 2003، مع إشكالية المسوغ القانوني لهذه القواعد داخل الأراضي العراقية، واستخدامها من قبل تركيا كنقاط انطلاق لتنفيذ عمليات عسكرية ضد عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية.
تزعم تركيا أن لها الحق في إنشاء قواعد عسكرية داخل الأراضي العراقية وفقا لاتفاقية أمنية بين البلدين وقعت عام 1984، في حين أوضح وزير الخارجية العراقية فؤاد حسين أن هناك “محضرا رسميا موقعا من قبل وزير الخارجية العراقية آنذاك طارق عزيز مع نظيره التركي عام 1984 يتعلق بالسماح للقوات التركية بدخول الأراضي العراقية ولمدة عام واحد فقط بمسافة لا تتجاوز 5 كيلومترات”.
وقد أعلن العراق عام 2022، “تسجيل أكثر من 22 ألف انتهاك تركي للأراضي العراقية منذ عام 2018، وأن الحكومة العراقية قدمت 296 مذكرة احتجاج على التدخلات التركية”.
أول اتفاقية استراتيجية من نوعها بين العراق وتركيا
مع ازدياد العمليات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني في العراق، والتي استخدم فيها الجيش التركي الطائرات الحربية أو المسيرات والمدفعية، وكذلك القوات البرية لمطاردة حزب العمال الكردستاني المنتشر في الجبال الحدودية بين البلدين، وفي قضاء سنجار غرب الموصل على الحدود العراقية السورية، ومع عدم قدرة الحكومة المركزية في بغداد على الحد من نفوذ حزب العمال في العراق، كل هذه الأسباب بحسب مراقبين دفعت الحكومة العراقية إلى التفكير في إبرام اتفاقية أمنية مع أنقرة، وإنشاء منطقة عازلة من أجل تقليل النفوذ التركي في المنطقة، والذي أحيانا كان يتسبب بسقوط ضحايا من المدنيين العراقيين بسبب العمليات العسكرية التركية، ومنها قصف منتجع برخ في قضاء زاخو بمحافظة دهوك في كردستان العراق عام 2022 والذي خلف سقوط 32 شخصاً ما بين قتيل وجريح، وقد حملت بغداد وقتها أنقرة مسؤولية ما حدث، الأمر الذي نفته تركيا.
وأعلن وزير الدفاع التركي يشار غولر، في أبريل / نيسان 2024، أن أنقرة وبغداد تتجهان لتوقيع اتفاقية استراتيجية للمرة الأولى منذ سنوات طويلة.
تصريحات غولر جاءت في سياق الحديث عن الزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق، ونقلتها وكالة الأناضول التركية.
وقال غولر إن “الأنشطة المتعلقة بمكافحة الإرهاب مستمرة، لقد أعددنا خططنا ونواصل العمل”، مبينا أن “الرئيس يتوجه إلى العراق يوم الاثنين، وسنوقع اتفاقية استراتيجية للمرة الأولى منذ سنوات طويلة”.
وبشأن المنطقة العازلة على الحدود التركية العراقية وبعمق 30 كلم، نقلت الوكالة عن الوزير قوله إن “المنطقة العازلة أنشئت فعليا، لكن هناك بعض الأمور يجب أن نعمل على إنجازها”.
وأشار إلى أن تلك الأمور تتعلق بتطهير منطقتي “قنديل وغارا” شمالي العراق من تنظيم “حزب العمال الكردستاني” الانفصالي، على حد قوله.
من جانبه قال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، إن “زيارة أردوغان ستُختتم بتوقيع مذكرات تفاهم مهمة في إطار العلاقة الاستراتيجية والشراكة في مجالات النقل والطاقة والأمن والاقتصاد وتعاون رجال الأعمال في البلدين”.
وأضاف في تصريحات لجريدة الصباح الرسمية، أن “زيارة أردوغان إلى العراق ستكون نقلة نوعية في مستوى العلاقة والتفاهم والتعاون بين البلدين، خصوصاً أن العراق حريص على إنهاء أسباب الخلاف، ومنها حل موضوع الجماعات المسلحة التي تقوم بضرب البلدين على حد سواء، الأمر الذي يرفضه الدستور العراقي جملة وتفصيلاً”.
وأكد الأعرجي أن “عناصر تلك الجماعات يجب أن يلقوا السلاح وينهوا هذه الحالة بأسرع وقت ممكن”.
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور علاء مصطفى لبي بي سي، إن الغرض الأساسي من زيارة الرئيس التركي إلى العراق هو أمني بحت متعلق بحزب العمال الكردستاني، وليس كما يتم الإيحاء بأن الغرض من الزيارة هو مناقشة مواضيع المياه ومسألة تصدير النفط عبر تركيا، كما صرح الرئيس التركي، قبيل زيارته إلى بغداد.
وأعرب مصطفى عن خشيته، من أن سياسة رئيس الوزراء العراقي المتعلقة بتصفير الأزمات هي مخيفة من باب أن هذا التصفير قد يجعل من السيادة العراقية موزعة على دول الجوار، بين هذا الطرف أو ذاك، حيث أن التمهيد الاستثنائي أو الحملة الإعلامية التي تحظى بها زيارة أردوغان جاءت من دون مقابل، حيث أن الرئيس التركي لم يعط وعودا بسحب قواته المتوغلة والمستقرة في العمق العراقي، وتحديدا في كردستان العراق.
وأعرب مصطفى عن أمله بأن يتم الحوار مع تركيا بصيغة الدولة العراقية الواحدة، وأن يقوم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بعدما عاد من الولايات المتحدة الأمريكية بتوافقات كثيرة مع المسؤولين الأمريكيين، بتوظيف هذه التوافقات لدعم موقفه التفاوضي مع تركيا.
وقال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وخلال وجوده في الولايات المتحدة ، إن زيارة الرئيس التركي ليست زيارة عابرة، مبينا أنه وللمرة الأولى نجد هناك رغبة حقيقية لدى العراق وتركيا بالذهاب إلى الحلول وليس ترحيل للملفات.
وشدد رئيس الوزراء العراقي، على عدم السماح بأن تكون الأرض العراقية منطلقا للاعتداء على تركيا، وكذلك عدم السماح بالرد المباشر دون التنسيق مع العراق، مبينا أنه، سيبحث مع الرئيس التركي وضع المعالجات لملف المياه.
من جانبه قال عضو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني كوران فتحي، لبي بي سي، إن الاتحاد الوطني يتمنى أن يكون هناك تفاوض حول مطار السليمانية ورفع للحظر عنه، وكذلك استئناف تصدير نفط إقليم كردستان عن طريق ميناء جيهان التركي.
وأعلن مطار السليمانية الدولي في أبريل/ نيسان 2023، تعليق الخطوط الجوية التركية رحلاتها الجوية باتجاهه بصورة مفاجئة.
من جانبها عزت وزارة الخارجية التركية حينها سبب تعليق الرحلات الجوية مع مطار السليمانية في إقليم كردستان، إلى “تغلغل” حزب العمال الكردستاني في مطار المدينة.
وكان العراق قد رفع دعوى للتحكيم أمام هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس ضد أنقرة بشأن تصدير النفط الخام من إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي، والذي كان يتم من دون الرجوع إلى شركة تسويق النفط العراقية، وعلى إثر ذلك توقف تصدير نفط إقليم كردستان.