إمكانية خسارة الحرب تتفشى في كييف
هل يمكن أن تخسر أوكرانيا الحرب التي تخوضها حاليا ضد روسيا؟ لقد سادت حالة من التفاؤل العنيد لأكثر من عامين، بينما كانت الدولة التي يبلغ تعداد سكانها 44 مليون نسمة تقاوم روسيا، حتى في ظل اللحظات الأكثر رعبا. لم تكن هناك أي فكرة تذكر عن الهزيمة، التي كانت تعد موضوعا شبه محظور.
وأوردت صحيفة “لوس أنجليس تايمز” الأمريكية، في تقرير لها، أن السؤال الذي صار يتردد حاليا هو: “ماذا لو؟” إن توقف المساعدات الأمريكية الأساسية، وتعتيم الأضواء العالمية بشكل واضح، بالإضافة إلى انتشار حالة من السأم البسيط من الحرب، كلها عوامل تكلف ثمنا باهظا. ومن جانبها، تعمل القوات الأوكرانية المنهكة على الخطوط الأمامية على تقنين استخدامها للذخيرة، بينما تتصدى للتقدم الروسي الأخير، كما يتنامى الشعور بالقلق كلما تزايدت الخسائر العسكرية والمدنية.
وقالت مارتا توماخيف، البالغة من العمر 33 سنة، بينما تقف في “ساحة الاستقلال” الرئيسية بكييف، في حداد على صديق لها ينحدر من مسقط رأسها في غرب أوكرانيا، بعد أن لقي حتفه في معركة قبل أيام في شرق البلاد: “إننا نموت كل يوم”.
وبشكل عام، لا يزال الأوكرانيون يعتقدون أنه بإمكانهم الصمود في مواجهة عدو قوي وقاهر، لأنهم يقاتلون من أجل حياتهم، إن لم يكن لسبب آخر، حسب ما يؤكده الجميع تقريبا.
فيما يقول أرتيم مورهون، وهو محام يبلغ من العمر 30 عاما، بينما كان في طريقه إلى العمل بوسط كييف، بشأن القوات الروسية الغازية: “في الواقع، ليس هناك أي خيار؛ إننا نعرف جيدا ما الذي سيفعلونه بنا لو استطاعوا”.
وأشارت “لوس أنجليس تايمز” إلى أن هناك عددا قليلا من الأوكرانيين الذين نسوا “الفظائع الوحشية” التي ارتكبتها القوات الروسية في ضواحي كييف التي كانت تتسم بالهدوء في وقت مبكر من الحرب، أو “الدمار الشامل والموت الجماعي” في المدن التي لا تزال خاضعة للسيطرة الروسية مثل ماريوبول، في جنوب شرق البلاد.
ولكن بعد أشهر من الانتكاسات العسكرية، يتساءل الكثيرون هناك عما إذا كانت الخطوط الأمامية الطويلة التي تمتد عبر جنوب وشرق أوكرانيا لا تزال قادرة على الصمود، أو حتى ما إذا كان من الممكن أن تسيطر القوات الروسية على مدينة كبرى.
وقال أندريه بوروفيك، البالغ من العمر 38 عاما، الذي كان يحتسي القهوة في مكان مفتوح مع صديق له بوسط المدينة، إنه بدون الضخ السريع للمساعدات، فإن “القتال سيكون أصعب كثيرا بالنسبة لنا … أعتقد أنه من الممكن أن نخسر بعض الأراضي”.
وقام بوروفيك، مثل كثيرين آخرين هناك، بتشبيه موقف بعض حلفاء أوكرانيا بموقف الزعماء الأوروبيين قبل الحرب العالمية الثانية، مع وصول أدولف هتلر إلى السلطة.
وتحمل كييف سمات أي عاصمة أوروبية راقية، حيث تضم: الهندسة المعمارية الفخمة، ومصانع الجعة البارعة، والدراجات البخارية الكهربائية المنتشرة في كل مكان، وأزهار الربيع ذات الألوان الرائعة المزروعة في حدائق واسعة يتم الاعتناء بها جيدا؛ ولكن في الوقت نفسه، هناك إلى جانب كل ذلك تيار خفي من الرعب.
وعلى الرغم من أن كييف تقع على بعد مئات الأميال من ساحة المعركة، فإن السمات المميزة للحرب تعتبر واضحة وجلية.
وحتى عرض المركبات العسكرية الروسية المحطمة والصدئة في الأماكن المفتوحة، والتي كان قد تم وضعها في وقت مبكر من الحرب لرفع المعنويات في ساحة تقع أمام أحد الأديرة التاريخية في كييف، من المرجح أن يثير خلال هذه الأيام حالة من التشاؤم أكثر من الشعور بالفخر الوطني.
أما بالنسبة لمارينا كوزولينا، وهي امرأة من كييف في العقد الخامس من عمرها تسير مع كلبها الأسود الصغير بالقرب من دبابة شبه مدمرة، فإن المخلفات العسكرية الموجودة في الساحة صارت بمثابة تذكير بالخطر أكثر من الانتصار.
وقالت إن “رؤيتها (المخلفات العسكرية) تجعلني أشعر بالتوتر عندما أفكر في مدى قرب الروس من كييف … أود أن ننتصر، ولكن الأمر في غاية الصعوبة”.
حتى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الممثل الكوميدي السابق الذي كان يقوم بحشد مواطنيه بلا كلل منذ بداية الحرب مع روسيا في 24 فبراير 2022، صار يتخذ نبرة قاتمة بشكل متزايد؛ بينما تتعرض المدن في أنحاء البلاد ليلا لهجمات تشنها روسيا بطائرات بدون طيار ولهجمات صاروخية.