عيد الفطر 2024: كعكة الطبقات الماليزية التي تفوز بلقب “أجمل كعكة” للعيد
أصبح إعداد الكعك التقليدي شكلاً من أشكال الفن الرائع، لما يشمله من ألوان عديدة ونكهات متنوعة تمتزج في إعداده لإكسابه القوام الناعم والمذاق اللذيذ ويخفي داخله تنوعا فريدا من التصاميم الهندسية المعقدة.
عندما تكون في طريقك إلى المخبز الصغير في منزل سيري (اختصار لشريفة زينون) بالقرب من كوالالمبور، تعترضك رائحة كعكة الطبقات الغنية بالزبدة، الرائحة الجذابة ليست مفاجئة، بالنظر إلى أن ماليزيا تستعد للاحتفال بعيد هاري رايا، والاسم المحلي لنهاية شهر رمضان وحلول عيد الفطر، إذ تعتبر كعكة الطبقات جزءا لا يتجزأ من هذه الاحتفالات.
استطاعت سيري الاستفادة من تدريبات أكاديمية كانت حصلت عليها باعتبارها مهندسة ومزجتها بحياتها المهنية الحالية كصانعة للمخبوزات. فعندما شاهدت يديها وهي تضع الخليط بالتساوي في الوعاء، اعتقدت أن إعداد كعكة الطبقات أشبه إلى حد ما بإجراء تجربة علمية، فإعداد هذه الكعكة الماليزية متعددة الطبقات ذات التصاميم الملونة والمعقدة لا يتطلب المعرفة والمهارة فحسب، بل يتطلب قدرا كبيرا من الصبر والدقة واليد الثابتة.
ويبدو أن الحصول على شهادة في تخصص علمي يفيد كل صانع لكعكة الطبقات، إذ يكفي رؤية التصاميم المتقنة التي ابتكرتها كارين تشاي، وهي مهندسة أخرى اتجهت إلى مهنة صناعة المخبوزات، داخل مطبخها الخاص في إحدى ضواحي كوالالمبور الهادئة.
فعندما عادت تشاي إلى ماليزيا بعد دراسة فنون صناعة المعجنات في لو كوردون بلو في العاصمة الفرنسية باريس، قررت التركيز على صناعة كعكة الطبقات، مستخدمة وصفة والدتها كنقطة انطلاق.
وتقول: “التعرف على علم صناعة المخبوزات كان مفيدا جدا في إعداد كعكة الطبقات”.
دخلت هذه الكعكة المؤلفة من طبقات لأول مرة إلى ماليزيا عن طريق إندونيسيا المجاورة عبر ولاية ساراواك في جزيرة بورنيو، ففي منتصف القرن التاسع عشر، أدخل المستعمرون الهولنديون كعكة السيخ الأوروبية البسيطة إلى منطقة كانت تعرف آنذاك باسم باتافيا (جاكرتا الآن)، وهي كعكة مصنوعة من طبقات من العجين المتراكمة واحدة تلو الأخرى على سيخ أسطواني دوار، ثم أضاف الإندونيسيون إليها توابل محلية مثل القرفة والقرنفل وجوزة الطيب وحولوها إلى الطبقات، المعروف غالبا باسم كعكة الألف طبقة.
وبعد دخولها إلى ماليزيا المجاورة في سبعينيات القرن الماضي، طور سكان ساراواك الكعكة بشكل فني جذاب، بطبقات متعددة وإضافة العديد من الألوان والنكهات الممتزجة في كعكة الطبقات الناعمة واللذيذة. وعلى الرغم من أن كعكة الطبقات الكلاسيكية تبدو عادية من الخارج في كثير من الأحيان، إلا إنه حين تقطيعها، تكشف القطعة المأخوذة عن مشهد داخلي يعُجّ بالتصاميم الهندسية المعقدة.
وتسمى الكعكة أيضا باسم كعكة طبقات ساراواك، وعادة ما تحتوي الكعكة على نحو 12 طبقة، وتُصنع بإضافة طبقات رقيقة من الخليط بعناية، واحدة تلو الأخرى، في صينية الخبز، وتفصل بين الطبقة والأخرى دقائق زمنية محددة، ثم تُخبز كل طبقة في الفرن على حدة لضمان عدم حرق الطبقات السفلية، ويفصل الطبقات في نسخة الكعكة العادية شرائح رقيقة فاتحة وداكنة من خليط الكعكة، بينما يتميز الكعك الملون بتصاميم هندسية يمكن أن تشمل 20 طبقة أو أكثر، اعتمادا على التصميم النهائي.
تُبرّد الكعكة النهائية ثم تُقطّع إلى شرائح، مع إعادة تجميع قطع مختلفة باستخدام المربى السميكة أو الحليب المكثف كمادة لاصقة، وفي أحيان كثيرة تُخبز عدة كعكات بألوان مختلفة، ويتم تجميع قطع من كل واحدة لعمل تصميم معقد، ثم لفها في طبقة من كعكة رقيقة من لون واحد، أو ترتيبها بين مجموعتين من الكعك العادي (أي بدون ألوان أو تصاميم) متعدد الطبقات.
فإن كان يبدو ذلك الأمر مربكا لك، فما بالك بصانعها، فأكثرهم خبرة يرسمون أولا هذه التصاميم على الورق، مع تحديد الأحجام والألوان بوضوح، ثم يبدأون في التعامل مع الخليط، وقد يستغرق التصميم المعقد ما يصل إلى ثماني ساعات حتى يكتمل، مع وجود احتمالات عديدة للخطأ في كل خطوة من عملية التصنيع.
وتقول تشاي إنه على عكس الكعك ذو الطبقات المعقدة الأخرى، فالأمر صعب بشكل خاص بالنسبة لكعكة الطبقات، نظرا لأن الخطأ يظهر غالبا فقط بعد انتهاء صانعها من تجميع القطع، “وبالتالي يضيع كل العمل الشاق هباء”.
قدمت لنا تشاي صورا لتصميم وضعته والدتها، مكون من 16 قطعة والذي نتج عن خطأ في الحساب.
وتقول: “خبزت (أمي) بضع طبقات إضافية عن طريق الخطأ ولم ترغب في التخلص من تلك القطع. لقد قطّعت تلك القطع وحاولت تشكيل كتلة أخرى، وظهر هذا التصميم. لذلك، هذا ليس شيئا ستجده عند صانعي المخبوزات الآخرين”.
وتقول سيري وتشاي إن عملية الخبز الطويلة والشاقة جديرة برؤية تصميم مثالي، وتستدرك تشاي قائلة: “للأسف لا توجد طرق مختصرة”. إن رؤية سيري وهي تعمل على شطر هذه الطبقات الرقيقة الطويلة ولصقها معا بإضافة كمية كبيرة من مربى التوت، يعيد إلى الأذهان حل لغز معقد يتشكل ببطء، وتقول: “الأمر أشبه بالعلاج، (لكنه) ممتع ومبتكر أيضا”.
حين زُرنا ماليزيا في منتصف فبراير/شباط الماضي، كان صانعو المخبوزات يعملون دون توقف على مدار أسابيع، ويلبون طلبات الاحتفالات بعيد الرايا للمسلمين، والتي يتلقونها عادة عبر منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم.
وبالعودة إلى ساراواك، تعد كعكة الطبقات جزءا من كل احتفال بالأعياد، بما في ذلك رأس السنة الصينية، وعيد الرايا، وعيد الميلاد، ومهرجان الحصاد غاواي داياك في منتصف العام، فالأمر يتجاوز حدود الطائفية واختلاف الأديان.
وتقول فرازيلا وهت، واحدة من زبائن سيري منذ فترة طويلة ومحبّة للكعك: “الكعكة حاضرة في أي وقت بالنسبة لي، ولكن بالطبع في عيد الرايا، هي أمر لا بد منه”، وتضيف وهت، وهي مواطنة من ساراواك، انتقلت إلى كوالالمبور منذ أكثر من عشر سنوات، إن السعادة التي تضفيها كعكة الطبقات لا مثيل لها، لأن “الملمس أثقل والطعم أغنى مقارنة بأي كعكة أخرى”.
تتوفر كعكة الطبقات بنكهات عديدة، من بينها الشوكولاتة والفانيليا والفراولة والمخمل الأحمر والباندان (وهو نبات استوائي ذو رائحة قوية، يستخدم عادة في الطبخ في جنوب شرقي آسيا)، حتى المشروبات المالحة الشهيرة مثل “هورليكس” و”ميلو” تستخدم كنكهة للكعكة.
ويسعى صانعو المخبوزات المحترفون، أمثال سيري وتشاي، إلى تطوير هذه الكعكة التقليدية بما يتوافق مع ذوق الأجيال الشابة، مع الاحتفاظ في ذات الوقت بالمكونات الأصلية في إعدادها.
فعلى سبيل المثال، تستعين سيري بفن الباتيك الرائع، وهو فن صباغة بالألوان في بعض دول آسيا، وتضع الشوكولاتة على الطبقة العليا على نحو يجعل كعكتها أكثر جاذبية.
وتقول: “الباتيك تقليد في ماليزيا، وكذلك كعكة الطبقات، وأنا أحب الجمع بين الاثنين لعمل هذا التصميم الجديد”.
وتواصل تشاي تطوير كعكتها ليس فقط بتصاميم أكثر تعقيدا فحسب، بل باستخدام مكونات جديدة ومزيج من النكهات، فعلى سبيل المثال استطاعت تشاي في الماضي إعداد كعكة طبقات خالية من الزلال النباتي باستخدام دقيق جوز الهند مع طبقة من زبدة الفول السوداني، وطريقة أخرى فريدة من نوعها باستخدام التين والمشمش والقرفة.
ويتطلب إعداد كعكة الطبقات الجيدة الكثير من الوقت ومكونات عالية الجودة، مما يعني أنها باهظة الثمن أيضا، إذ يصل سعر كعكة مربعة تزن كيلوغراما واحدا 300 رينغيت ماليزي (ما يعادل 50 جنيها إسترلينيا، أو 63 دولاراً) أو أكثر. ولكن لحسن الحظ بالنسبة لصانعي المخبوزات الصغار، فإن هذه الكعكة التقليدية مطلوبة باستمرار من العملاء الأفراد، كما أنها تحظى بشعبية لتقديمها كهدايا للشركات وحفلات الزفاف.
ويسعى هؤلاء الخبازون إلى الحفاظ على تقاليد الطهي في ساراواك، على الرغم من كل هذه الساعات الطويلة والهوامش الضئيلة من الربح، وتقول سيري: “أشعر كل مرة وأنا أصنع كعكة الطبقات، وكأنها قطعة من أثاث منزلي”.