الأنيميا: العلاج بتعديل الجينات أمر بعيد المنال لمعظم الأشخاص المصابين بمرض فقر الدم المنجلي
- Author, ماكوتشي أوكافور وشيجوزيه أوهاكا في لاغوس- نيجيريا وكاثرين هيثوود في لندن
- Role, بي بي سي نيوز
“مؤلمة”، هكذا تصف مورين نواشي، المرأة البالغة من العمر 39 عاماً من لاغوس، نيجيريا، أزمة فقر الدم المنجلي.
تصف مورين التجربة بأنها مثل “عندما يُغلق باب السيارة على إصبعك. أو الضرب المستمر بالمطرقة على مفاصلك ما يزيد من شدته.
تعيش مورين مع مرض فقر الدم المنجلي الوراثي. ويؤثر هذا المرض بالإضافة إلى مرض وراثي آخر وهو، ثلاسيميا بيتا، على الملايين في جميع أنحاء العالم، ويعيش معظم المصابين به في أفريقيا والهند.
ويؤثر كلا المرضين على الهيموجلوبين، وهو البروتين الموجود في خلايا الدم الحمراء والذي يحمل الأكسجين في جميع أنحاء الجسم.
كما يغير مرض الخلايا المنجلية شكل خلايا الدم الحمراء مما يجعلها صلبة ولزجة. ولا تعيش هذه الخلايا المتغيرة مثل خلايا الدم السليمة ويمكن أن تسد الأوعية الدموية، ما يسبب الألم والالتهابات التي تشكل خطورة على الحياة.
يمنع مرض ثلاسيميا بيتا الجسم من إنتاج كمية كافية من الهيموجلوبين. إذ لا يمكن للأكسجين الوصول إلى كل جزء من الجسم، بدون كمية كافية من الهيموجلوبين في خلايا الدم الحمراء.
واُستخدم حتى الآن علاجان على نحو شائع – عمليات نقل الدم الروتينية ودواء يسمى هيدروكسي يوريا – لإدارة الأمراض. وكان الحل الدائم والوحيد هو زرع نخاع العظام من متبرع متطابق بشكل وثيق، وهاك خطورة في حال رفض الجسم للنخاع.
‘المقص الجيني’
ولكن في أواخر عام 2023، أصبحت المملكة المتحدة أول دولة في العالم ترخص استخدام أداة لتحرير الجينات، تُعرف باسم كريسبر، للمساعدة في علاج كلا المرضين.
وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2023، رخصت الولايات المتحدة أيضاً علاجين مماثلين.
تقوم هذه الأداة، التي تُعرف أحياناً باسم “المقص الجيني”، بإجراء قطع مجهرية ودقيقة في الحمض النووي للمريض، مما يؤدي إلى تعطيل الجينات المعيبة. ويتم بعد ذلك إعادة هذه الخلايا المقطوعة إلى الجسم لتتكاثر كخلايا صحية طبيعية.
ولا يعرف الأطباء، حتى الآن، المدة التي قد يستمر فيها هذا العلاج الثوري لكل مريض، لكن البيانات المبكرة للتجارب واعدة.
ومن بين 29 مريضا بفقر الدم المنجلي شاركوا في التجرية لم يشعر 28 منهم بأي آلام شديدة لمدة عام واحد بعد العلاج. كما لم يحتاج 39 مريضاً من أصل 42 مريضا، من مرضى ثلاسيميا بيتا، شاركوا في التجربة، إلى نقل دم بعد عام من إجراء العملية.
لكن في الوقت الحالي، لا يزال هذا التطور الرائد مُكلفاً وتصعُب إدارته. إذ تبلغ تكلفة العلاجين المرخصين في الولايات المتحدة ما يزيد قليلاً على ثلاثة ملايين دولار ومليوني دولار على التوالي لكل مريض. إنها عملية معقدة تستغرق عدة ساعات في مستشفى متطور.
ولذا، في حين يمثل هذا التقدم خطوة مثيرة نحو العلاج، فإن العلاج يظل بعيد المنال في الأماكن التي يسبب فيها المرض أكبر قدر من الخسائر.
ما يقرب من 80 في المئة من الحالات المصابة في العالم توجد في دول أفريقيا جنوب الصحراء
يعيش أكثر من خمسة ملايين مصاب بمرض فقر الدم المنجلي في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، وفقًا لدراسة العبء العالمي للمرض لعام 2021.
ويولد حوالى 1000 طفل أفريقي بهذا المرض يوميا، ما يجعله المرض الوراثي الأكثر شيوعاً في القارة. وتعاني نيجيريا من أعلى عبء لمرض فقر الدم المنجلي في جميع أنحاء العالم. لكنه منتشر أيضاً في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقد دفع حجم المشكلة بعض الكنائس النيجيرية إلى تقديم فحص الهيموجلوبين للخلايا المنجلية قبل الزواج. سيرفض البعض بعد ذلك إجراء حفلات الزفاف إذا تم تحديد كلا الزوجين على أنهما حاملين لصفة الخلية المنجلية، مما يعني أن أطفالهم معرضون بشكل متزايد لخطر الإصابة بمرض فقر الدم المنجلي.
وعلى الرغم من أن النيجيريين يستطيعون الحصول على خدمات نقل الدم والأدوية لعلاج المرض، إلا أن الكثير منهم لا يستطيعون دفع تكاليف العلاج. وهذا يتركهم يعانون من الألم، ويجعلهم غير قادرين على العمل أو رعاية الأطفال.
ويتكرر هذا الوضع في جميع أنحاء أفريقيا حيث تكافح، بالفعل، النظم الصحية الوطنية الأمراض المعدية وفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والإسهال والملاريا والسل.
تقول الدكتورة ستيلا رويزاولا، رئيسة وحدة أمراض الدم في مستشفى موهيمبيلي الوطني في دار السلام في تنزانيا، إن العلاجات الحالية لمرض فقر الدم المنجلي لا تزال بعيدة المنال بالنسبة لمعظم المرضى بسبب تكلفتها.
وتتابع : “نحن نعلم أن شعبنا ليس لديه حتى تأمين صحي. يجب أن تستثمر الحكومة وتدعم مواطنيها للوصول إلى هذه الخدمات.”
ويتفق مع هذا الرأي الدكتورة فارامولا أوجونكويا، الباحثة في أمراض القلب والأوعية الدموية في شركة أكس سين للأبحاث في لاغوس.
وهي ترغب أن تتضمن خطط التأمين الوطنية علاج اضطرابات الدم الوراثية ، والتوسع في تصنيع الأدوية المحلية لخفض التكاليف، وإجراء المزيد من البحوث المجتمعية من قبل الجامعات والمعاهد الأفريقية.
وتقول: “لا تزال معظم دول أفريقيا جنوب الصحراء تستخدم عقار هيدروكسي يوريا، وحتى ذلك ما زالت تكلفته باهظة بالنسبة لمرضى فقر الدم المنجلي”، مضيفة أن شركة أدوية واحدة فقط في نيجيريا تنتج حالياً هذا الدواء.
وتريد أيضاً الدكتورة أوجونكويا فحصاً متسقاً لجميع الأطفال “في غضون ثلاثة أشهر من الولادة، حتى يتمكنوا من بدء هذا العلاج في أقرب وقت ممكن”.
ويقول الدكتور أكشات جين إن الأمر قد يستغرق عقوداً حتى تصبح تكنولوجيا تغيير الجينات متاحة للمرضى الأفارقة.
‘بالنسبة لمريض هندي، هذا مجرد حلم ‘
وفي حين أن مرض فقر الدم المنجلي ينتشر بشكل كبير في نيجيريا، فإن مرض الدم الوراثي ثلاسيميا بيتا أكثر انتشارا في الهند.
ويكافح العديد من المصابين هنا، مثل أفريقيا، من أجل تحمل تكاليف الرعاية الطبية. فقد يدفع غالبية الهنود ما لا يقل عن نصف إنفاقهم على الرعاية الصحية – وخاصة الأدوية – من جيوبهم الخاصة.
وتسعى أنوبها تانيجا هي جزء من مجموعة مناصرة لمرض الثلاسيميا في الهند، ومقرها دلهي، للحصول على دعم أفضل.
وتقول إنه على الرغم من أن الأخبار حول علاجات تغيير الجينات يتم تلقيها بشكل إيجابي، يظل الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية وخاصة عمليات نقل الدم الآمنة، هو التركيز الأكبر.
وتتابع: “باعتبارنا عاصمة مرض الثلاسيميا في العالم، نريد من حكومتنا أن تلقي نظرة فاحصة على هذه التكنولوجيا وتدعو إحدى الشركات المتخصصة فيها، أو تتحدث بشكل ما عن نقل تلك التكنولوجيا”.
وتضيف: ” يعد هذا في الوقت الحالي مجرد حلم بالنسبة لمريض هندي “.
حقنة واحدة؟
وحتى داخل الولايات المتحدة، تمت الموافقة على أقل من عشرة مراكز لتقديم العلاج الجيني الجديد بسبب مدى تعقيد العملية ومدى الحاجة إلى مراقبة المرضى بشكل مكثف لكشف انتشار السرطان في جزء ثانً داخل الجسم وأي عدوى محتملة.
لكن مؤسسة بيل وميليندا غيتس، من بين مؤسسات أخرى، تعمل على علاج أبسط لمرض فقر الدم المنجلي.
ويقول الدكتور مايك ماكيون، من المؤسسة، لبي بي سي إن فريقه يتطلع إلى ما هو أبعد من العلاج الحالي إلى علاج أكثر بساطة، ويأمل أن يكون متاحا في السنوات الخمس المقبلة.
ويتابع: “وجهة نظرنا هي أن الابتكار الذي سيسمح بأن يصبح هذا الأمر أكثر سهولة، سيسمح بتقديم العلاج – لكل من فيروس نقص المناعة البشرية والخلايا المنجلية – من خلال الحصول على حقنة واحدة عبر الذراع، ستعدل الخلايا”.
تعمل مؤسسة غيتس مع شركات أخرى مثل نوفارتيس التي لها بالفعل بصمة في علاج مرض فقر الدم المنجلي في نيجيريا بهدف محدد هو تقديم العلاجات إلى البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط .
ويضيف: “نأمل في الحصول على حقنة واحدة في نهاية المطاف – وليس الإجراء المعقد للغاية كما هو الحال اليوم – وهذا شيء لا نراه يحدث على الفور ولكننا نتحرك نحوه”.
وبالنسبة لأشخاص مثل مورين نواتشي في نيجيريا، فإن المساعدة في إيجاد علاج لمرض الدم المنهك هذا لا يمكن أن تأتي بالسرعة الكافية.