لماذا يُشكِّل إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية جدلاً في إسرائيل؟
في خطوة هي الأولى من نوعها، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية، أمراً بتجميد أموال المدارس الدينية اليهودية والذي اعتبر “إطاراً قانونياً” لوقف إعفاء طلبتها من الانضمام للخدمة العسكرية.
ورغم المعارضة الكبيرة التي تشنّها الأحزاب الحريدية ضد “وقف الإعفاء”، تقول تايمز أوف إسرائيل إنَّ النائب العام أخبر المحكمة أن الجيش سيكون مُلزَماً بالبدء في تجنيد الرجال الحريديم في الأول من أبريل.
هذا القرار – إن مضى في سبيل التنفيذ – سيكون له عواقب على تماسك الحكومة الائتلافية التي يرأسها بنيامين نتنياهو، خاصة عقب أحداث السابع من أكتوبر الماضي.
حيث إنَّ الحكومة وجدت نفسها، اليوم، في مواجهة تحديات الانقسام والتفكّك، بعد تهديد أعضاء فيها بالانسحاب في حال لم يتم تجنيد طلبة الحريديم، وفي الجهة المقابلة يواجه نتنياهو ضغطاً من الأحزاب الدينية – ائتلافه – والتي تُصرُّ على أن تبقى “المدارس الدينية” متفرغة لتعلّم التوراة.
“سنُغادر إسرائيل إذا جُنِّدنا”
خلال الأسابيع الماضية حذَّر كبير الحاخامات السفارديم، يتسحاق يوسف، من أنَّ اليهود الأرثوذكس المتشددين سيغادرون إسرائيل بشكل جماعي إذا ألغت الحكومة إعفاءهم من التجنيد الإلزامي.
مهدداً بأنه “إذا أجبرنا على الانخراط في الجيش، سنغادر جميعاً إسرائيل”.
ووفق صحيفة تايمز أوف إسرائيل فإنَّ يوسف هو نجل الزعيم الروحي لحزب شاس، عوفاديا يوسف، ويتمتع بنفوذ كبير في الحزب الذي يُشكِّل جزءاً من ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ووصف الحاخام “رافضي فكرة الإعفاء” بالعلمانيين الذين “لا يفهمون أنَّ الجيش لن ينجح دون الكليات والمدارس الدينية وتعلّم التوراة”.
وأفادت إحدى مديريات الجيش الإسرائيلي أمام الكنيست مطلع العام الحالي، بأنَّ نحو 66 ألف شاب من المجتمع الحريدي المتشدد حصلوا على إعفاء من الخدمة العسكرية خلال العام الماضي.
ورفض زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد تصريحات الحاخام يوسف، وقال “إنَّ الحريديم سيواجهون صعوبة في التكيف مع الحياة خارج إسرائيل” مؤكداً أهمية انضمام 66 ألف شاب حريدي إلى الجيش وقدرته في حماية أمن إسرائيل.
وأضاف أن تصريحات يوسف “عار وإهانة لجنود الجيش الإسرائيلي الذين يضحون بحياتهم من أجل الدفاع عن إسرائيل”.
بينما شنَّ، لاحقاً، هجوماً كبيراً على الحكومة بعد إصرارها على طرح مشروع قانون يعفي طلبة الحريديم من التجنيد، ووصفه بأنه “قانون التهرّب”، وقال إنّ مشروع القانون “وجه لأفظع حكومة في تاريخ البلاد، تميزت بالكذب والتهرب من المسؤولية والتمييز بين الدم والدم”.
وقال إنَّ”الجيش الإسرائيلي يعاني من نقص في الجنود بعد ستة أشهر من حرب مؤلمة، والحكومة تقدّم إعفاء من التجنيد لعشرات الآلاف من الشبان”.
وانضم الوزير في حكومة الحرب بيني غانتس إلى لابيد في انتقاداته اللاذعة لكلمات يوسف، إذ قال غانتس إن كلمات الحاخام يوسف هي “إهانة أخلاقية للدولة والمجتمع الإسرائيلي”، بينما هدّد بأن حزبه “المعسكر الوطني” سينسحب من الحكومة في حال المصادقة على قانون التجنيد.
كما عبَّر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عن معارضته لمشروع القانون، وقال في تصريحات نقلتها هيئة البث الإسرائيلية “موقفي لم يتغير، ولن أكون طرفاً في أي اقتراح لا تتفق عليه جميع مكونات الائتلاف الحكومية”.
ووفقاً لهيئة البث الإسرائيلية، فإن غانتس لا يُطالب بإجبار الحريديم على الانضمام للجيش، لكن يتمثّل الخلاف في مطالبته بتخصيص نسبة معينة من طلاب المدارس الدينية للتفرغ للتعليم الديني، حتى لو كانت النسبة كبيرة للغاية، ومع ذلك، ترفض الأحزاب الدينية هذا الاقتراح وتعارض فكرة التجنيد تماماً.
“من 400 حريدي مُعفى إلى 66 ألفاً”
في يناير/ كانون الثاني 1951، كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول، دافيد بن غوريون، إلى رئيس الأركان آنذاك ييغال ييدين، معلناً عن قرار بإعفاء طلاب المدارس الدينية من خدمة العسكرية الإلزامية.
وأشار إلى أن هذا الإعفاء ينطبق فقط على الطلاب الذين يدرسون التوراة، وكان الهدف من هذا الإعفاء إعطاء فرصة لـ 400 طالب مدرسة دينية للتفرغ لدراساتهم الدينية.
واستند بن غوريون على المادة 12 من قانون الخدمة العسكرية 1948، والتي تتيح لوزير الدفاع إعفاء أي شخص في سن الخدمة العسكرية لأسباب التعليم أو الاستيطان او الاقتصاد الوطني أو لأسباب عائلية.
ويشير المعهد الإسرائيلي الديمقراطي إلى أنه وبعد حرب الأيام الستة عام 1967، قرر وزير الدفاع الإسرائيلي تقييد عدد المؤهلين للإعفاء من الخدمة ليصل إلى 800 طالب سنوياً، إلا أن حكومة مناحييم بيغن رفعت، في عام 1977، بعضاً من تلك القيود.
بحلول عام 1996، ارتفعت نسبة الإعفاء الممنوحة لليهود الحريديم من الخدمة العسكرية إلى نحو 7.4% من الفئة العمرية بكاملها لمن هم في سن 18 عاماً.
ووفق صحيفة تايمز أوف إسرائيل، فإن هذه الزيادة أثارت معركة سياسية وقضائية نتج عنها قرار محكمة في عام 1998 نص على أن وزارة الدفاع لا تملك الصلاحية في إعفاء من قد تضخمت أعدادهم إلى عشرات الآلاف من الطلاب، على أساس كل حالة على حدة، من دون أن يرتكز هذا الإجراء على قانون.
في عام 2002، مرر الكنيست “قانون طال”، الذي يعفي طلاب المعاهد الدينية الحريديم من الخدمة العسكرية لكنه يفرض شروطاً صارمة تلزمهم بالمشاركة في الدراسة لعدة سنوات وتمنعهم من دخول سوق العمل خلال هذه الفترة.
في عام 2006، أبقت المحكمة العليا على القانون المثير للجدل، لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى أنه يضر بمبدأ المساواة لجميع الإسرائيليين من خلال السماح بشروط إعفاء سهلة من الخدمة العسكرية لفئة مجتمعية معينة دوناً عن الفئات الأخرى.
في عام 2009 أصدرت المحكمة العليا قراراً نص على أن القانون غير دستوري على أساس أنه لا يبدو قابلا للإنفاذ، حيث إنه لا يؤدي عملياً إلى زيادة في نسبة تجنيد الحريديم في الجيش.
لكن المحكمة سمحت على الرغم من ذلك بالإبقاء على القانون إلى حين انتهاء صلاحيته في عام 2012.
وقد ناقشت المحكمة، بعد انتهاء سريان الإعفاء، التماسات بفرض التجنيد بالقوة على جميع الشبان الحريديم، لكن انتخابات 2013 أسفرت عن تشكيل حكومة تضم حزب “يش عتيد”، الذي تعّهد خلال حملته الانتخابية بإجراء إصلاح جذري على إطار تجنيد اليهود الحريديم في الجيش.
في أوائل عام 2014، بعد مفاوضات طويلة في الكنيست قادها نواب من “يش عتيد” وحزب “البيت اليهودي”، قام الكنيست بتعديل قانون “الخدمة في قوى الأمن” لزيادة العبء على الشباب الحريدي لإثبات أنهم متفرغون تماماً للدراسة في المعاهد الدينية، وإلزام المجتمع الحريدي ككل بزيادة نسبة المجندين في صفوفه للخدمة العسكرية.
في عام 2017 أصدرت المحكمة العليا قراراً أكدت فيه أن الإعفاءات من الخدمة العسكرية لطلاب الحريديم تعتبر تمييزاً وغير دستورية وأمرت الدولة بإيجاد حلاً لهذه المسألة.
ومنذ ذلك الحين، واصل الكنيست تمديد الإعفاء للحريديم من الخدمة العسكرية، حتى شهر مارس/ آذار الحالي، والذي ينتهي فيه سريان الإعفاء الأخير.
لماذا كلّ هذا الجدل؟
في عام 2022 بلغ عدد أفراد الحريديم حوالي 1,280,000 نسمة، أي ما يعادل 13.3% من إجمالي سكان إسرائيل، وفقاً للمعهد الإسرائيلي الديمقراطي، وبحلول عام 2050 سيكون ما يقرب من ربع سكان إسرائيل من اليهود الأصوليين.
في حين يسعى التحالف المدعوم من الحريديم لتشريع قانون جديد يمدد الإعفاء، أصبحت هذه المسألة مثيرة للجدل بشكل متزايد، نظراً للحرب في غزة واستدعاء قوات الاحتياط.
وفقاً لاحصائيات المعهد، فإن معدل نمو اليهود الأرثوذكس المتشددين “الحريديم” في إسرائيل هو الأعلى بين جميع السكان، والعوامل الكامنة وراء هذا النمو السريع بشكل خاص هي معدلات الخصوبة المرتفعة، ومستويات المعيشة والطب الحديثة، ومتوسط عمر الزواج عند الشباب.
ونتيجة لذلك، فإنّ السكان الأرثوذكس المتشددين في إسرائيل هم من الفئة الشابّة، حيث أن حوالي 60% منهم تحت سن 20 عاماً، مقارنة بـ 31% من إجمالي السكان.
ووفقاً لتوقعات المكتب المركزي للإحصاء، فمن المتوقع أن تصل كثافتهم نسبة للسكان إلى 16% في عام 2030، وأن يصل عددهم إلى مليوني نسمة في عام 2033.
ما رأي الإسرائيليين بإعفاء الحريديم؟
أظهر استطلاع أجراه معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، أن معظم الإسرائيليين يعارضون إعفاء الرجال اليهود المتشددين من الخدمة العسكرية.
وبين الاستطلاع الذي نشر في سبتمبر الماضي أن 68% من الجمهور العام يعارضون منح إعفاء للحريديم من الخدمة العسكرية.
ووجد الاستطلاع أيضاً أن نحو ثلث الآباء الذين لديهم أطفال تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً قالوا إنهم لا يشجعون أطفالهم على الانضمام إلى الوحدات القتالية.
وفي الوقت نفسه، قال 25% من المستطلعين إنهم يؤيدون مشروع القانون الذي يمنح إعفاء للحريديم من الانضمام إلى الجيش، وقال 7% إنهم غير متأكدين.
في إسرائيل، معظم الرجال اليهود مُلزَمون بالخدمة العسكرية لمدة ثلاث سنوات تقريباً، تليها سنوات من الخدمة الاحتياطية، فيما تخدم النساء اليهوديات لمدة عامين.