لقاء يرصد إسهامات المرأة المغربية المتصوفة
في إطار “أنشطتها الفكرية الرمضانية” وفي خضم النقاش المحتدم الذي يسبق تعديلات مدونة الأسرة بالمغرب، قاربت “منظمة النساء الحركيات” موضوع “حضور المرأة في بناء النموذج المغربي للتصوف”، عبر مائدة مستديرة جمعت حولها، ليل أمس الأربعاء بالرباط، نخبة من المشاركين من هيئات علمية دينية رسمية إلى جانب علماء وأساتذة باحثين في مجالات العلوم الشرعية والفكر الإسلامي والعقيدة والأديان والتصوف.
وبحضور الأمين العام للحزب، محمد أوزين، وقياداته، أجمعت مداخلات متنوعة المشارب والتخصصات لتسليط الضوء على الموضوع على “ضرورة التوقف عند إسهام المرأة في مجالات متنوعة بما جعلها حقا فاعلة متفاعلة مع مجتمعها وتنميته”، لا سيما عبر “استحضار إسهامها الكبير في الإحسان والوقف وإغناء الفكر الصوفي وتطوره بالمغرب”.
ومن بين أبرز ما لفت المشاركون في هذا اللقاء الفكري الذي حضرته هسبريس الانتباه إليه، “انفتاحُ المرأة المتصوفة المغربية عبر العصور التاريخية المتعاقبة على التصوف المعتدل المعاصر والإسهام الفاعل في حركية المجتمع بمختلف مناحي الحياة، وعدم اقتصارها على طقوس الرهبنة أو الاعتزال للتعبّد فقط”، وفق تعبير الأستاذة كريمة بوعمري، المشرفة على مختبر الدكتوراه للعقائد والأديان بجامعة محمد الخامس بالرباط.
وتحدثت بوعمري في مداخلتها بعنوان “التصوف النسائي بالمغرب: خصائص ونماذج”، عن “إسهام فاعل وبصمة واضحة تركتها المرأة المغربية في بناء التصوف المغربي السُّني المعتدل الذي يشكل أحد ثوابت الأمة المغربية تاريخياً (إلى جانب العقيدة الأشعرية، والفقه المالكي)”، مستحضرة عبر نماذج مشرقة عطاءات وإسهامات إحسانية في تعليم الأجيال وبناء المساجد والمستشفيات وتوقيفها (فاطمة الفهرية ومسجد القرويين بمدينة فاس).
كما ناقش المشاركون “أسباب اقتصار جُلّ الكتابات التاريخية والبحثية المتوفرة حول تجربة التصوف السني بالمغرب على إسهامات المتصوفة من الرجال رغم حضور النساء المتميز في بناء النموذج المغربي للتصوف وإسهامهن في تشكل الهوية الدينية والروحية للمغاربة، تَمثُّلاً وممارسة ونشرا وكتابة وتدريساً وتربية وبناءً وعمراناً، باعتبارهن عالمات وفقيهات ومتصوفات ووليات صالحات”.
في هذا الإطار، رصدت نجية الزهراوي، عضو المجلس العلمي الأعلى “شمولية أشكال حضور المرأة في الحركة الصوفية المغربية، سواء كمريدة أو وليّة”، وكذا بمرتبة “مُصلحة سياسية” مؤثرة في محيطها، قبل تفصيلها في “الأبعاد التنموية للتربية الروحية التي جعلت المرأة المغربية الصوفية نموذجاً”.
محمد أمين الإسماعيلي، أستاذ العقيدة والأديان، قارب الموضوع من زاوية “التخلية والتحلية للمرأة المغربية”، قبل أن تستعرض حكيمة الشامي، باحثة جامعية في قضايا الفكر الإسلامي، “دور المرأة في تشكيل الحدث الصوفي المغربي”.
وتخللت اللقاء، الذي سيّر أطوار نقاشه الأستاذ الباحث في الشؤون الدينية عضو الحزب عبد النبي عيدودي، مداخلات كل من امبارك آيت عدي، مدير البحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بعنوان “النساء المتبرّك بهن في سوس ودورهن في تأطير المجتمع”، وثريا إقبال، شاعرة وكاتبة وباحثة في التصوف، حول “المرأة بين الولاية والتلقين: لالا زهراء الكوش وليّة مراكش نموذجا”، فضلا عن مداخلات حول “حضور المرأة في الموسيقى الروحية بالمغرب”.
من جانبها، أكدت خديجة الكور، رئيسة منظمة النساء الحركيات، أن تنظيم هذه المائدة المستديرة هدفه إبراز امتدادات الموضوع تاريخياً، “إنصافاً لمسارات نسائية جسدتها المتصوفات اللائي لم ينَلْنَ في أغلب الكتابات حول تجربة التصوف السني بالمغرب” حقهن، معتبرة أن “التجربة النسائية الصوفية المغربية بصمت أهميتها وحضورها وتأثيرها وإشعاعها بشكل يضاهي المتصوفات في المشرق العربي”.
المائدة المستديرة سعت، بحسب القيادية في “الحركة الشعبية”، إلى “التداول حول أدوار الجامعة والبحث العلمي والإعلام والمجتمع المدني في التعريف بحضور المرأة، تاريخيا وراهناً، في بناء النموذج المغربي للتصوف”.
ولفتت إلى أن “إدراك جوانب من انفتاح نساء المغرب المتصوفات على الأبعاد الفكرية والإبداعية الجديدة، التي تشغل بال النساء المغربيات والمجتمع ككل، يستهدف تكييف المشروع الصوفي نفسه مع مشروع الحداثة العام، تبعا لانفتاح مفهوم التصوف المعاصر على مجالات وموضوعات أخرى متداخلة”.