الدولة الإدارية وحدود الديمقراطية .. كديرة يفسر صعود الديكتاتوريات الرئاسية
صدر لرشيد كديرة، أستاذ التعليم العالي في القانون العام بجامعة ابن زهر بأكادير، تخصص القانون الدستوري والإداري، كتاب جديد بعنوان “الدولة الإدارية وحدود الديمقراطية، نقد لاهوت الدولة الدستورية الليبرالية، كارل شميت مواجها هانس كلسن”، في 740 صفحة.
ويحاول الكتاب الصادر في جزءه الأول عن “الأكاديمية المدنية للديمقراطية وحقوق الإنسان”، والذي قدم له الأستاذ رشيد العلمي الإدريسي، الإجابة عن مجموعة الأسئلة الشائعة في العمل السياسي من قبيل: من يحكم ومن يقرر؟، استنادا إلى النظرية التفسيرية القرارية الألمانية والأمريكية، وكذا تقديم تفسيرات علمية لصعود الدولة القرارية أو “الدولة العميقة” على حساب دولة القانون.
في هذا الإطار، قال رشيد كديرة، أستاذ القانون الدستوري والإداري بجامعة ابن زهر بأكادير، إن “الفكرة الأساسية للمشروع العلمي للكتاب، تقوم على محاولة تفسير مآلات دولة القانون والديموقراطية في ضوء الوقائع والأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية التي تعيشها المجتمعات اليوم”، مشيرا في هذا الصدد إلى أن “الوعي المجتمعي بات مُشككا في قدرة فكرة القانون وفكرة الديموقراطية على الصمود في وجه الديكتاتوريات الجديدة، والأنظمة السياسية ذات البعد الواحد للسلطة، التي تنعت في اللغة التداولية بالدولة العميقة أو الدولة القرارية الإدارية بالمفهوم العلمي”.
وأضاف كديرة، في تصريح لهسبريس، أن “الجزء الأول من هذا العمل، هو محاولة لتقديم تفسير علمي لاندحار دولة القانون، وأزمة سلطاته الدستورية وتواريها في تمثيل الإرادة العامة والسيادة الشعبية والوطنية، وصعود دكتاتوريات رئاسية إدارية تتحكم بقوتها القرارية في السلط الدستورية القانونية، وتجد في النظرية القرارية لكارل شميث مرتكزا نظريا تفسيريا قويا”.
وزاد شارحا: “حتى نُبسط الأمر للقارئ، يمكن القول أن ثمة وعيا باستعصاء فكرة القانون و الديموقراطية على التعين الواقعي والممارسة العملية، فعدة قضايا في المغرب مثلا، لا تحسم فيها الدولة الدستورية بسلطاتها التقليدية: البرلمان و الحكومة و القضاء، فهناك رؤساء حكومات يعترفون أنهم مجرد موظفين لدى السيادة القرارية، أي الدولة القرارية الإدارية التي تعد المؤسسة الملكية قطب رحاها، والبرلمان فقد بدوره وظيفته التشريعية ليفوضها لممثلي الدولة الدستورية في الأمور العادية وللدولة القرارية في الأمور الاستراتيجية، كما في مسألة التطبيع أو التعليم والأحوال الشخصية”.
ولفت إلى أن هذا العمل في جزءه الأول “يقدم براديغما لتفسير الغموض والالتباس في الوعي السياسي المعاصر في أيلولة السيادة وتمثيلها لصاحب القرار الذي يملك السيادة والقرار بتعبير شميث، وهذا المبدأ العلمي يُقوض الكثير من أوهام يوتوبيا دولة القانون والديموقراطية الحالمة، ويعيدها إلى الفكرة التي تنبأ بها ألكسيس دي توكفيل بأن العالم يتجه نحو مزيج من مركزية القرار ومزيد من المطالب الديموقراطية”.
وعن الجزء الثاني من كتابه المرتقب صدوره قريبا، أوضح الأستاذ الجامعي ذاته أن “هذا الجزء يكمل الجزء الأول الذي قصدنا فيه الاستئناس بالمتون العلمية الحديثة عن الدولة الإدارية في منشئها الأول مع كارل شميث لحظة صعود النظام النازي في ألمانيا، ثم في أمريكا مع مطالبة الرئيس الأمريكي روزفلت في خطته نيو ديل New Deal بتمكينه من سلطات واسعة، تقيد مبدأ فصل السلط وأدوات رقابتها، وهو ما تم بإحداث وكالات إدارية سميت بالفرع الرابع، تطور دورها لتشكل نظاما قراريا وصفه أحد أعلام الفكر القانوني الحديث الجامعي ب.فيرمول بالدولة الإدارية الامريكية الشميثية أو الدولة العميقة في اللغة الإعلامية التداولية”.
وهي الدولة ذاتها التي قالها عنها كديرة إنها “تلك الدولة التي يقرر فيها الرئيس بعيدا عن باقي السلط الدستورية ويستحوذ فيها عن مجالات التشريع والتنفيذ والقضاء بفضل شرعية جديدة اكتسبتها الوكالات الإدارية لقدرتها على حل الأزمات المالية والصحية والقضايا الأمنية والتكنولوجيا الحديثة المعقدة، لما سمي الدولة الإدارية الرقمية أو الالية، والتي دعا الرئيس ترمب في حملته الانتخابية الى ضرورة تفكيكيها، وفي الكتاب مواقف الإدارات الأمريكية السابقة من الدولة الإدارية إلى حدود إدارة بايدن”.
وأشار إلى أن “قوة الفكر الغربي هو قدرته على التصالح مع أزماته: أزمة القانون، أزمة الدستور كما وضعه الآباء المؤسسون، أزمة الديموقراطية مع نهاية التمثيليات الكلاسيكية السياسية والمدنية والنقابية، والتفكير في سبل الخروج منها، إذ لم يقف الفكر النقدي الغربي عند حدود العجز القانوني والديمقراطي، ولا عند شرعنه عمل الدولة العميقة، بل حاول من رحمها استيلاد الديموقراطية التداولية كما بسطناها في الكتاب وتسليط الضوء على عتمات صنع القرار السيادي”.
وخلص إلى أن “هذه القناعة الأخيرة، هي التي اعتبرناها غاية المشروع الذي نشتغل عليه في جزءه الرابع الأخير، وهو الوصول إلى براديغم نظري لتفسير أفول السلط الدستورية التقليدية، البرلمان والحكومة والقضاء، أمام قوة مركز القرار السيادي الحاسمة في القضايا الاستراتيجية، وبالتالي تفسير نهاية الدولة الدستورية الحديثة وهيمنة دولة قرارية يمكن أن تكون ديموقراطية”.