حرب غزة: كندا بعد التصويت لصالح حل الدولتين تحظر بيع الأسلحة لإسرائيل
مع تزايد حدة القصف الإسرائيلي على مختلف مناطق قطاع غزة والحديث عن كارثة إنسانية تهدد مئات الآلاف من سكان القطاع، تجاوزت كندا التصريحات إلى الإجراءات العملية واتخذ البرلمان الكندي والحكومة الكندية ثلاثة مواقف تعبر عن بداية تحول في الموقف الكندي تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وكيفية التعامل معه. ولكن هل ستغير هذه المواقف والإجراءات من الوضع على الأرض في ظل التأييد الأمريكي الواضح لإسرائيل؟
لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال وسنكتفي باستعراض بعض المعطيات.
فقد اتخذ البرلمان الكندي والحكومة الكندية موقفا مختلفا عن مواقفه السابقة والداعمة لإسرائيل.
فقد قررت كندا وقف جميع شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، وقبل هذا بيوم صوت البرلمان لصالح حل الدولتين، كما أعلنت كندا قبل أيام استئناف تمويل وكالة اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة، لتصبح من أوائل المانحين الدوليين الذين يعلنون عن مثل هذه الخطوة.
وأثار قرار البرلمان غضب إسرائيل التي تواجه انتقادات دولية متزايدة بسبب حربها في قطاع غزة.
ويشهد قطاع غزة المحاصر كارثة إنسانية إذ تهدد الحرب المستمرة منذ أكثر من خمسة أشهر مئات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين بالمجاعة.
وتزود كندا الحليف الرئيسي للولايات المتحدة إسرائيل بمساعدات عسكرية سنوياً، لكنها خفضت بالفعل شحناتها من الأسلحة إلى إسرائيل لتقتصر على عتاد غير فتاك مثل أجهزة الاتصالات وذلك بعد الحرب التي أعلنتها إسرائيل على غزة عقب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الذي قتل فيه 1200 إسرائيلي واحتجزت حركة حماس أكثر من 200 رهينة.
وصرح مسؤول كندي لوكالات الأنباء طالبا عدم الكشف عن هويته بأن الأوضاع على الأرض تجعل من الصعب على كندا تصدير أي نوع من المعدات العسكرية إلى إسرائيل.
وأكدت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي لصحيفة تورونتو ستار أن أوتاوا ستوقف صادرات الأسلحة المستقبلية.
وتثير قضية تسليم أسلحة إلى إسرائيل غضبا شعبيا في عدد من بلدان العالم وأدت إلى اتخاذ إجراءات قانونية في العديد منها.
وعبر رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو عن قلقه الكبير من الهجوم الإسرائيلي المحتمل على مدينة رفح التي تؤوي مئات الآلاف من النازحين.
وكندا ليست الأولى في قرار تعليق مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، فقد سبقتها إليه هولندا واليابان وإسبانيا وبلجيكا، كما قالت العديد من الدول الأخرى إنها لن تشتري الأسلحة الإسرائيلية بعد الآن.
وفي الأسبوع الماضي، قالت مجموعة من المنظمات غير الحكومية الدنماركية إنها ستقاضي الدنمارك لوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، مشيرة إلى مخاوف من استخدام أسلحتها لارتكاب جرائم خطيرة ضد المدنيين خلال الحرب في غزة.
وفي الوقت نفسه، أمرت محكمة هولندية في فبراير هولندا بمنع جميع صادرات أجزاء الطائرات المقاتلة من طراز “إف 35” إلى إسرائيل بسبب مخاوف من استخدامها في انتهاك القانون الدولي في غزة.
كيف كانت ردود الفعل؟
نددت إسرائيل بقرار تعليق بيع الأسلحة وعلق وزير خارجيتها يسرائيل كاتس بالقول إن القرار “يقوض حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في وجه إرهابيي حماس”.
وكتب عبر منصة إكس “التاريخ سيحكم بقسوة على تصرف كندا الراهن”.
لكن السناتور الأمريكي بيرني ساندرز رحب بالخطوة الكندية وكتب عبر إكس “نظرا إلى الكارثة الإنسانية في غزة بما يشمل انتشار الجوع وتفاقمه ينبغي على الولايات المتحدة التوقف عن إرسال أي سنت إلى آلة حرب نتانياهو”.
وتعد إسرائيل من أبرز مستوردي الأسلحة الكندية، إذ تلقت عتادا عسكريا بقيمة 21 مليون دولار كندي في عام 2022، وفقا لراديو كندا، وسبق ذلك شحنات بقيمة 26 مليون دولار عام 2021.
ويضع هذا إسرائيل في قائمة أكبر 10 متلقين لصادرات الأسلحة الكندية. لكن مسؤولا حكوميا كنديا أوضح أن بلاده لم ترسل أي صادرات إلى إسرائيل منذ بداية العام الحالي.
ورفعت هذا الشهر مجموعة من المحامين الكنديين ونشطاء من أصول فلسطينية دعوى على الحكومة الكندية تطالب بتعليق صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، معتبرين أن أوتاوا بهذه الصادرات تنتهك القانون المحلي والدولي.
كواليس تصويت البرلمان على الاعتراف بالدولة الفلسطينية
قدم حزب الديمقراطيين الجدد ذو التوجه اليساري، مشروع قرار للتصويت عليه في البرلمان الكندي لإعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينة بسبب ما وصفه الحزب بعجز كندا عن القيام بما يكفي لحماية المدنيين في غزة.
لكن التصويت تأخر بسبب محاولات تعديل صيغة المسودة الأولى.
إذ كانت المسودة الأولى تدعو إلى “الاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية” – وهي خطوة لم يتخذها أي عضو في مجموعة الدول الصناعية السبع.
ثم وافق البرلمان في النهاية لصالح الدعوة فقط إلى حل الدولتين بأغلبية 204 أصوات مقابل 117.
وصوت أيضا لصالح القرار التجمع الحزبي ومعظم أعضاء مجلس الوزراء المنتمين إلى الحزب الليبرالي الحاكم- ومن بينهم يارا ساكس، وهي عضوة يهودية.
ورغم أن القرار غير ملزم ويدعو فقط المجتمع الدولي إلى العمل على حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، فقد أثار ردود فعل غاضبة في إسرائيل، إذ علق الوزير بيني غانتس على خطوة البرلماني الكندي في منشور على موقع إكس قائلا إن “الاعتراف الأحادي الجانب (بالدولة الفلسطينية)، خاصة بعد السابع من أكتوبر، يأتي بنتائج عكسية”.
وانتقد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بشكل متزايد إسرائيل مع ارتفاع عدد الضحايا من المدنيين في غزة، بالرغم من تأكيده المستمر على حقها في الدفاع عن نفسها.
وتظل الولايات المتحدة رغم تحذيراتها الصارمة أحيانا الممول الرئيسي لإسرائيل ماديا وعسكريا، لكن هذه التحذيرات بحسب المحللين السياسيين لا تزال في إطار الكلمات والتصريحات وليس الفعل، على الأقل هذا ما يبدو في العلن.
حتى أن موقع “فورين بوليسي” ذكر أن نفوذ واشنطن على إسرائيل أقل من المتوقع.
وزودت واشنطن إسرائيل الجزء الأكبر من المعدات الدفاعية، بما في ذلك القنابل الخارقة للتحصينات التي تزن 2000 رطل. ووافقت على حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 14 مليار دولار.
هذا بالإضافة إلى الدعم السنوي الذي يبلغ 3 مليارات دولار سنوياً من المساعدات العسكرية.
وانتقد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في 12 فبراير/شباط، ما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن تعليقا على رد فعل إسرائيل على هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول واصفا إياه بأنه “مبالغ فيه”.
وقال بوريل للصحفيين: “حسنا، إذا كنت تعتقد أن عددا كبيرا جدا من الناس يقتلون، فربما عليك توفير أسلحة أقل من أجل الحد من قتل هذا العدد الكبير من الناس”.
ويسلط الموقف الكندي الضوء على التحول في الرأي العام العالمي تجاه إسرائيل والانتقادات المتزايدة لتصرفات إسرائيل في غزة والأزمة الإنسانية الحادة.
ومع دخول حرب غزة يومها الـ166 أعلنت وزراة الصحة ارتفاع أعداد الضحايا من الفلسطينيين في غزة بشكل مروع نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل لمختلف مناطق القطاع وقاربت الأعداد من 32 ألف قتيل و 74 ألف جريح منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول بالإضافة إلى الآلاف تحت الركام.