أخبار العالم

الوردي تقارب نزع ملكية العقارات الجزائرية بين القانون الدبلوماسي والخاص



سلطت سعاد الوردي، الإطار المكلف بنزع الملكية بمديرية أملاك الدولة، الضوء على الجدل الذي أثاره شروع الدولة في سلك مسطرة نزع الملكية عبر نشرها مشروع مرسوم يعلن أن المنفعة العامة تقتضي توسعة مبان تابعة لوزارة الشؤون الخارجية ونزع ملكية العقارات اللازمة لهذا الغرض، من بينها عقارات تعود ملكيتها للدولة الجزائرية، بالجريدة الرسمية، مشيرة إلى أن “الحدث أثار لغطا واسعا في إعلام الجارة الشرقية وصخبا من طرف وزارة خارجيتها للتنديد بـما تم وصفه بـ [الاستفزازات] التي يقوم بها المغرب”.

وسجلت الدكتورة في الحقوق، في مقال توصلت به جريدة هسبريس الإلكترونية بعنوان “نزع ملكية عقارات مملوكة لدولة الجزائر لاعتبارات المنفعة العامة بين القانون الدولي الدبلوماسي والقانون الدولي الخاص”، أن “بيان وزارة الخارجية الجزائرية يحمل عديد المغالطات بشأن الحصانة التي تكتسيها مقرات البعثات الدبلوماسية”، محاولة الغوص بالتفصيل والتدقيق في “بعد وكنه هذه الحصانة طبقا لاتفاقيات فيينا وحدود تطبيق مقتضيات هذه الأخيرة، مع الوقوف على حالات انتفاء صبغة دار البعثة عن هذه المقرات، ثم على القانون واجب التطبيق في كل هذه الحالات”.

نص المقال:

لقد أثار شروع الدولة “الملك الخاص” في سلك مسطرة نزع الملكية عبر نشرها مشروع مرسوم يعلن أن المنفعة العامة تقتضي توسعة مبان تابعة لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ونزع ملكية العقارات اللازمة لهذا الغرض، من بينها عقارات تعود ملكيتها للدولة الجزائرية، بالجريدة الرسمية “نشرة الإعلانات القانونية والقضائية والإدارية عدد5811 بتاريخ 13 مارس 2024″، لغطا من قبل إعلام الجارة الشرقية وصخبا من طرف وزارة خارجيتها للتنديد بـما تم وصفه بـ”الاستفزازات” التي يقوم بها المغرب، حيث اعتبرت الوزارة المذكورة، في بيان صادر عنها، أن “المشروع يمثل انتهاكا صارخا لحرمة وواجب حماية الممثليات الدبلوماسية للدول السيّدة، وهي الالتزامات التي يكرسها القانون والعرف الدوليان”.

ورفعا لكل المغالطات التي جاء بها بيان وزارة الخارجية الجزائرية، سنحاول التفصيل والتدقيق في بعد وكنه الحصانة التي تكتسيها مقار البعثات الدبلوماسية طبقا لاتفاقيات فيينا وحدود تطبيق مقتضيات هذه الأخيرة، مع الوقوف على حالات انتفاء صبغة دار البعثة عن هذه المقرات، ثم على القانون واجب التطبيق في كل هذه الحالات.

فعلى مستوى حدود الحصانة المخولة لدور البعثات من خلال اتفاقيات فيينا، فإن التمثيل الدبلوماسي كان ولا يزال عصب العلاقات الدولية، خاصة مع تزايد الاتصال بين الدول وتداخل مصالحها السياسية والاقتصادية، حيث غدا لزاما عليها أن توفد بعثات دبلوماسية تنفيذا وتمثيلا لوجهة نظرها السياسية لدى الدول المعتمدة.

ولكي يتسنى لهذه البعثات القيام بمهمة التمثيل الدبلوماسي الموكلة لها على أتم وجه، عمد المجتمع الدولي إلى صياغة مجموعة من الأوفاق الدولية ضمنها عددا من الامتيازات والحصانات التي تحول دون المساس بمقار البعثات، منقولاتها، محفوظاتها وأعضائها.

ولأجله، فقد أقرت كل اتفاقيات فيينا (سواء اتفاقية فيينا الخاصة بتبادل العلاقات الدبلوماسية بـين الدول لعام1961، أو اتفاقية فينا للعلاقات القنصلية المبرمة في 24 أبريل 1963، أو تلك المتعلقة بتمثيل الـدول في علاقاتهـا مـع المنظمـات الدوليـة لعـام 1975) بحدود متفاوتة، بأن للبعثـات الدائمة التمتع بحق الحصانات والامتيازات الدبلوماسية التي تشمل دور البعثـة الدبلوماسـية، موجوداتها، وثائقهـا ووسـائل الاتصال الضرورية لعملها، إضافة إلى أفـرادها الـذين يتمتعون بحصانة شخصية تمنع التعدي علـيهم وحصـانة قضـائية تعفـيهم مـن اختصـاص القضاء المحلي، رغبة من المجتمع الدولي في توفير المناخ الملائم لاشتغال هذه البعثات وتجسيدا منه لاحترام سيادة الدول المعتمدة، وهو ما يتضح من خلال مقتضيات المادة 22 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 التي تنص على ما يلي:

“تتمتع مباني البعثة بالحرمة، وليس لممثلي الحكومة المعتمدين لديها الحق في دخول مباني البعثة إلا إذا وافق على ذلك رئيس البعثة.

على الدولة المعتمد لديها التزام خاص باتخاذ كافة الوسائل اللازمة لمنع اقتحام أو الإضرار بمباني البعثة وبصيانة أمن البعثة من الاضطراب أو من الحط من كرامتها.

لا يجوز أن تكون مباني البعثة أو مفروشاتها أو كل ما يوجد فيها من أشياء أو كافة وسائل النقل عرضة للاستيلاء أو التفتيش أو الحجز لأي إجراء تنفيذي”.

فمقتضيات هذه المادة تؤكد بجلاء حرص المنتظم الدولي على تمكين أعضاء البعثات الدبلوماسية من أداء ما تقتضي وظيفتهم باستقلالية تامة من جهة، وعلى حماية المقار ومشتملاتها من الاعتداءات والانتهاكات تحت طائلة المسؤولية الدولية.

كما أكدت المادة 31 من اتفاقية فينا للعلاقات القنصلية المبرمة في 24 أبريل 1963 على حرمة مباني القنصلية، حيث نصت على مل يلي:

1. تكون حرمة الدور القنصلية مصونة إلى الدرجة المحددة في هذه المادة.

2. لا يجوز لسلطات الدولة المضيفة دخول القسم من الدور القنصلية المخصص كليا للأعمال القنصلية إلا بموافقة رئيس البعثة القنصلية أو ممثله بموافقة رئيس البعثة الدبلوماسية للدولة الموفدة. ويمكن افتراض حصول هذه الموافقة عند حدوث الحريق أو أي كارثة أخرى تستوجب اتخاذ إجراءات وقائية سريعة.

3. مع مراعاة أحكام الفقرة (2) من هذه المادة، يتوجب على الدولة المضيفة بشكل خاص اتخاذ كل الخطوات المناسبة لحماية الدور القنصلية من أي اعتداء أو ضرر ولمنع تعكير صفوها أو المس بكرامتها.

4. تكون الدور القنصلية وموجوداتها وممتلكات البعثة القنصلية ووسائل نقلها محصنة ضد أي شكل من أشكال المصادرة لأغراض الدفاع الوطني أو المنفعة العامة. وإذا كان الاستملاك ضروريا لمثل هذه الغايات، فيجب اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لتفادي إعاقة ممارسة الوظائف القنصلية ولدفع التعويض الملائم والفاعل والسريع للدولة الموفدة.

يبدو من خلال هذه المادة أن اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية، على عكس اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، قد خولت للدولة الموفد إليها حق نزع الملكية للمنفعة العامة شريطة الالتزام بعدم عرقلة العمل القنصلي ودفع تعويض عادل للدولة الموفدة.

لكن السؤال المهم هنا في نازلة الحال (وهي إقدام السلطات المغربية على نزع ملكية العقارات المضمنة بالمرسوم الذي أوردناه أعلاه خاصة العقارات التي تعود ملكيتها للدولة الجزائرية)، هو: هل العقارات التي تم الشروع في نزع ملكيتها من طرف الدولة المغربية “الملك الخاص” تدخل في هذا الإطار؟ أو بمعنى أدق، هل هذه المباني تكتسي الصبغة الدبلوماسية أو القنصلية وتدخل تحت طائلة هذه المواد أم هي عقارات انتفت عنها الصبغة الدبلوماسية؟ وبالتالي أصبحت مجرد عقارات عادية تعود ملكيتها لأجانب.

وهو ما سنلامسه من خلال انتفاء الصبغة الدبلوماسية عن العقارات المقرر نزع ملكيتها والمملوكة للدولة الجزائرية: فإذا كانت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية في مادتها 22 لم تعالج بطريقة صريحة مسألة تحديد شروط اكتساب صفة مقر البعثة الدبلوماسية، ولا كيفية انتفاء هذه الصفة عن هذه المقرات، فإن قرار محكمة العدل الدولية الصادر في 11 ديسمبر 2020 في قضية غينيا الاستوائية ضد فرنسا قد فتح المجال لإعادة النظر ومناقشة مسألة شروط وظروف اكتساب الصفة الدبلوماسية لمقر البعثة، وذلك عندما لجأت هذه المحكمة إلى تفسير المادة 22 من الاتفاقية طبقا للفصل الثالث من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات في مادتها 31 المتعلقة بالقاعدة العامة في التفسير، التي تنص على ما يلي:

“1. تفسر المعاهدة بحسن نية ووفقاً للمعنى الذي يعطى لألفاظها ضمن السياق الخاص بموضوعها والغرض منها.

2. بالإضافة إلى نص المعاهدة، بما في ذلك الديباجة والملاحق، يشتمل سياق المعاهدة من أجل التفسير على ما يلي:

(أ) أي اتفاق يتعلق بالمعاهدة ويكون قد تم بين الأطراف جميعاً بمناسبة عقدها؛

(ب) أي وثيقة صدرت عن طرف أو أكثر، بمناسبة المعاهدة، وقبلتها الأطراف الأخرى كوثيقة لها صلة بالمعاهدة.

3. يؤخذ في الاعتبار، إلى جانب سياق المعاهدة، ما يلي:

(أ) أي اتفاق لاحق بين الأطراف بشأن تفسير المعاهدة أو سريان نصوصها؛

(ب) أي تعامل لاحق في مجال تطبيق المعاهدة يتضمن اتفاق الأطراف على تفسيرها؛

(ج) أي قاعدة ملائمة من قواعد القانون الدولي قابلة للتطبيق على العلاقات بين الأطراف.

4. يعطى معنى خاص للفظ معين إذا ثبت أن نية الأطراف قد اتجهت إلى ذلك”.

وقد لجأت محكمة العدل الدولية في قرارها سابق الذكر إلى قواعد التفسير هذه لعدم دقة صياغة المادة 22 من اتفاقية فيينا فيما يتعلق بالآليات والظروف التي يكتسب بها مقر ما صفة دار بعثة، حيث لم تتعرض هذه الأخيرة بطريقة صريحة وواضحة لهذه المسألة، ولم تكن دقيقة في تحديد شروط وملابسات اكتساب صفة مقر البعثة الدبلوماسية، بل اكتفت بتعريف مصطلح مباني البعثة الدبلوماسية، هذا التعريف الذي استشفت منه محكمة العدل الدولية من خلال مصطلح “الاستعمال” معيارا مهما استخدمته الدول في ممارساتها كشرط عملي لاكتساب صفة مقر البعثة الدبلوماسية وهو معيار الاستخدام الفعلي للمبنى، حيث افترضت أنه قد تحقق في قضية غينيا الاستوائية بالنسبة للمبنى المتنازع على مركزه القانوني، مما جعلها تستجيب لطلب هذه الأخيرة المتعلق باتخاذ تدابير مؤقتة وفقا للمادة 41 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.

فاستخدام الاتفاقية مصطلح “الاستعمال” التقطته الممارسة الدولية وأكدته الاجتهادات القضائية، سواء من خلال محكمة العدل الدولية أو غيرها من المحاكم كما هو الأمر بالنسبة للمحكمة الفيدرالية بسويسرا من خلال قرارها المؤرخ في 28 يوليو 1989 الذي لم يكتف بحصول دولة أجنبية على عقار موجه لأغراض البعثة الدبلوماسية والموافقة عليه من قبل دولة سويسرا، وهي الدولة المعتمد لديها، وإنما اشترط إضافة إلى ذلك أن يتبع هذا الإجراء بالإقامة الفعلية والاستخدام الفعلي للعقار ليكون بداية للحماية المقررة للمقر واكتسابه صفة مقر البعثة الدبلوماسية.

هذا المعيار بالضبط هو الذي يسقط عن العقارات المملوكة لدولة الجزائر-التي شرعت الدولة المغربية “الملك الخاص” في مسطرة نزع ملكيتها-صبغة دار بعثة دبلوماسية، فهي عقارات شاغرة منذ مدة كبيرة، لا يقيم فيها أي موظف من البعثة الدبلوماسية الجزائرية ولا تستخدم لأي غرض دبلوماسي، وقد سبق لوزارة الخارجية المغربية أن كاتبت نظيرتها الجزائرية في هذا الشأن بواسطة رسائل عدة أفرج عنها مؤخرا ونشرت في الصحافة الوطنية.

بل إن السلطات المغربية كانت قد تقدمت لدى السلطات الجزائرية خلال سنة 2022 بطلب لشراء هذه العقارات عن طريق التراضي على أساس أنها شاغرة منذ تغيير مقر السفارة الجزائرية في الرباط، وهو الأمر ذاته الذي سلكته مع دول أخرى بشأن اقتناء مقراتها كدولة كوت ديفوار ودولة سويسرا، حيث مرت عملية نقل ملكية هذه العقارات بسلاسة ودون أية مشاكل تذكر.

فإذا كان تحديد الصفة القانونية للمبنى هو الذي يثبت حق إثارة المسؤولية الدولية من عدمها، وإذا كان معيار الاستعمال الفعلي كما بينته محكمة العدل الدولية وسارت عليه الممارسة الدولية هو شرط أساس لتكييف الفعل الدولي، فإن وصف هذا الفعل بأنه غير مشروع طبقا للشروط والمعايير الواردة في المشروع النهائي للجنة القانون الدولي العام بشأن المسؤولية الدولية لعام 2001، الذي ينص في المادة الثانية منه على أنه: “ترتكب الدولة فعلا غير مشروع إذا كان التصرف المتمثل في عمل أو إغفال ينسب إلى الدولة بمقتضى القانون الدولي، ويشكل خرقا لالتزام دولي على الدولة”، هذا الوصف ينتفي بانتفاء صفة مقر البعثة الدبلوماسية عن العقارات المزعوم انتهاكها ويسقط وصف هذا الفعل بأنه انتهاك للالتزام الدولي الوارد في نص المادة 22 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961.

وعليه والحالة هاته، فإن السلطات المغربية حينما سلكت مسطرة نزع ملكية عقارات تعود ملكيتها للدولة الجزائرية ولا تكتسي أية صبغة دبلوماسية، تكون قد مارست حقها المشروع في إطار القانون وفي احترام تام للقانون الدولي وللأوفاق الناظمة للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية.

وبانتفاء صبغة المقر الدبلوماسي عن هذه العقارات حسب ما تم تبيانه، نكون أمام حالة تصرف قانوني واقع على عقارات تعود ملكيتها لأجانب تطرح مشكلة القانون الواجب التطبيق عليها: تعد القضايا ذات العنصر الأجنبي مرتعا خصبا لتنازع القوانين، تحتل فيها قاعدة الإسناد مركزا مهما لارتباطها الوثيق بهذا التنازع، وإحالتها على القانون واجب التطبيق لحل النزاع في مثل هذه القضايا.

وفي نازلة الحال، وحيث قررت الدولة “الملك الخاص” الشروع في نزع ملكية مجموعة من العقارات لاعتبارات المنفعة العامة، من ضمنها عقارات تعود ملكيتها لدولة الجزائر، فإن القانون الواجب التطبيق هو قانون موقع العقار كما تنص على ذلك المادة 17 من ظهير الوضعية المدنية للأجانب بالمغرب، وهو الأمر الذي سلكته السلطات المغربية تماشيا مع مقتضيات قواعد الإسناد في القانون الدولي الخاص وفي توافق تام مع مقتضيات الشرعية الدولية، حيث استندت في قرارها إلى القانون رقم 7.18 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت، دون أن يحمل هذا القرار في طياته أية إشارة سياسية أو تصعيد دبلوماسي.

وتبقى الخرجات الإعلامية والشطحات الدبلوماسية للجارة الشرقية غير موفقة وغير مبنية لا قانونيا ولا دبلوماسيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى