اليوم العالمي للسعادة: من تصدر قائمة السعادة والتعاسة في العالم العربي في تقرير 2024؟
لأول مرة منذ أن بدأ الخبراء برصد معدلات السعادة والرفاهية في العالم وإصدار التقارير التحليلية سنويا، قدم التقرير العالمي للسعادة لهذا العام 2024 تصنيفات منفصلة على أساس الفئة العمرية، وهذا يشكل اختلافا كبيرا عن تصنيف الأعوام السابقة.
وتوجت هذا العام فنلندا بلقب أسعد دولة في العالم للعام السابع على التوالي. وخرجت الولايات المتحدة الأمريكية من قائمة أفضل عشرين دولة للمرة الأولى منذ بدء نشر التقرير، إذ تراجع معدل سعادة الشباب لديها مع انخفاض مستوى جودة الحياة، واحتلت أفغانستان المركز الأخير من حيث متوسط السعادة ولا تزال تعتبر بحسب التقرير “الأتعس” في العالم.
كما وصلت دول الشمال الأوروبي المتبقية – النرويج والسويد وأيسلندا والدنمارك – إلى المراكز العشرة الأولى. وأظهر التحليل “انخفاضا مثيرا للقلق في مستوى سعادة الشباب خاصة في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية”.
وتتصدر ليتوانيا قائمة الأطفال والشباب السعداء الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما، في حين أن الدنمارك هي أسعد دولة في العالم لمن هم في سن 60 عاما فما فوق.
تأتي تلك البيانات بالاعتماد على تقرير السعادة العالمي الذي يصنف سنويا الدول والأجيال الأسعد في العالم.
ويقيس التقرير مستوى الرفاهية في 140 دولة، ونشرته شبكة التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، معتمدة على بيانات استطلاع غالوب العالمي، وبالتنسيق مع مركز أبحاث الرفاهية في جامعة أكسفورد البريطانية، وحلل البيانات عدد من أبرز علماء الرفاهية في العالم.
ولا تعتمد تصنيفات التقرير وفقا للباحثين على أي مؤشر مثل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ومستوى الدعم الاجتماعي، ومتوسط العمر الصحي، والحرية، والوفرة، ومعدل الفساد، ووجود داعمين للشخص عن الحاجة، إذ تعتمد النتائج على تقييمات الأفراد لحياتهم ومن ثم يحاول خبراء متعددو التخصصات في مجالات الاقتصاد وعلم النفس وعلم الاجتماع وخارجها شرح الاختلافات بين البلدان باستخدام العوامل السابقة.
أين العالم العربي في قائمة السعادة والتعاسة؟
من الوافدين الجدد على قائمة الدول العشرين الأفضل من حيث مستوى السعادة الكويت، وظلت لبنان الدولة الأقل سعادة بعد أفغانستان.
وتشير النتائج أيضًا إلى أن رفاهية الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عامًا قد انخفضت في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا منذ عام 2019 – لكنها ارتفعت في بقية أنحاء العالم.
على المستوى العالمي تراجعت ألمانيا من المركز الـ16 إلى المركز الـ24.
ومن بين الدول التي تمتعت بسعادة متزايدة العديد من الدول الأفريقية وكمبوديا وروسيا والصين. كما سجلت صربيا أكبر زيادة في معدل السعادة.
لكن ماذا تعني السعادة؟
تعريف السعادة ليس مطلقا، لكن لو أخذنا مثال فنلندا التي تعتبر الأولى في العالم من حيث معدل سعادة شعبها نجد أن السعادة فيها لا تعني أن الجميع يبتسمون دائما أو يقهققون من الضحك أو أن الأجواء الاحتفالية في كل شارع. فدولة الشمال الأوروبي تتمتع بالسعادة القائمة على السياسات الديمقراطية العالية الجودة والمؤسسات العامة الداعمة لها. فللوهلة الأولى يلاحظ الزائر السياسة التي تساعد البلاد في الحفاظ على سعادتها.
وقال جوكا سيوكوساري، سفير فنلندا في لندن، إن بلاده تمكنت من إنشاء “بنية تحتية للسعادة” بما في ذلك “بيئة آمنة ومأمونة”، وفرص ميسورة التكلفة للناس للتعبير عن أنفسهم ثقافيا، ودخل متساو نسبيا. وقال: “كل شيء يبدأ بمستويات عالية من الثقة بين المواطنين ومؤسساتنا”.
وبحسب زوار فنلندا فلدى الناس هناك بشكل عام إحساس عالٍ بالثقة تجاه بعضهم البعض لا يقلقون من الغرباء في الشارع حتى لو كان لديهم نوايا خبيثة. وتستطيع التعبير عن آرائك السياسية بحرية دون عبء الرقابة الذاتية أو ردود الفعل العنيفة.
ويعتقد البعض أن العنصر الأساسي المهم أيضا وراء السعادة في فنلندا هو نظام الرعاية الاجتماعية الشامل، أي من “المهد إلى اللحد” وهذا يوفر إحساسًا قويا بالأمان. أضف إلى هذا الرعاية الصحية المجانية والتعليم المجاني في كل مراحله بما في ذلك التعليم العالي.
الفئة العمرية الأتعس بحسب التقرير
يقول البروفيسور جان إيمانويل دي نيفي، مدير مركز أبحاث الرفاهية ومحرر الدراسة “إن الاعتقاد بأن الأطفال في بعض أنحاء العالم يعانون بالفعل من أزمة تعادل أزمة منتصف العمر، هذا يتطلب اتخاذ إجراءات فورية لمواجهتها”.
فانخفاض الشعور بالسعادة وبمعدل مقبول من الرفاهية في أمريكا الشمالية في فئة الأطفال والشباب يتتناقض مع فكرة أن الأطفال يبدأون حياتهم سعداء قبل أن ينزلقوا نحو أزمة منتصف العمر،
فعندما سُئل الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا فقط عن السعادة، احتلت أغنى دولة في العالم المركز 62 – خلف غواتيمالا والسعودية وبلغاريا.
وظهر هذا أيضا في بريطانيا إذ احتل البريطانيون الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا المرتبة 32 في تصنيف السعادة، خلف دول مثل كوسوفو والسلفادور، التي لديها أحد أعلى معدلات الجريمة في العالم.
وقال غالبية المراهقين البريطانيين لمستطلعي الرأي إنهم يتوقعون أن تكون حياتهم أسوأ من الجيل السابق. وعلى النقيض من ذلك، وصل البريطانيون الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا إلى قائمة أفضل 20 من أسعد الأجيال الأكبر سناً في العالم.
وعلى الرغم من احتفاظ المملكة المتحدة بتصنيفها، فقد ذكر تقرير حديث صادر عن مؤسسة سابين لابز الأمريكية الخيرية ويعنى بالصحة العقلية على مستوى العالم، أن المملكة المتحدة هي ثاني أكثر الدول بؤسًا وجاءت في المرتبة التالية لأوكرانيا، وأشار التقرير إلى أن عوامل مهمة تساهم في هذه النتيجة مثل امتلاك هاتف محمول في سن مبكرة، وتناول الأطعمة السريعة، وعدم وجود علاقات اجتماعية بشكل كاف.
وبشكل عام انخفض معدل الشعور بالسعادة في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، في جميع الفئات العمرية، ولكن بشكل خاص في فئة الشباب، لدرجة أن الشباب الآن، هم الفئة العمرية الأقل سعادة”.
ما أسباب شعور الشباب بفقدان السعادة؟
وجد الباحثون بعض النتائج المذهلة. فالتنوع كبير بين البلدان عند قياس السعادة بين الصغار والكبار، وأظهرت الدراسة تغيرا كبيرا على مدى السنوات الـ12 الماضية.
لا يكشف التقرير عن أسباب التغيير في مستوى سعادة الأطفال والشباب، لكن التغير كما ذكرالتقرير يأتي وسط قلق متزايد بشأن تأثير الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، وعدم المساواة في الدخل، وأزمة الإسكان، والمخاوف من الحرب والاحتباس الحراري.
فالمراهقون في الولايات المتحدة يقضون بحسب بعض الدراسات ما يقرب من خمس ساعات يوميا على وسائل التواصل الاجتماعي في المتوسط، ويسهر ثلثهم حتى منتصف الليل في ليالي الأسبوع على أجهزتهم.
كما يواجه الشباب أزمة العزلة والوحدة التي تفاقمت بعد اعتماد نظام العمل من المنزل. رغم أن الشعور بالوحدة يمكن أن يكون في المنزل أو في مكتب مزدحم، لكن الأبحاث أظهرت علاقة بين تفاقم الشعور بالعزلة بسبب ضعف التواصل مع زملاء العمل بعد التحول من العمل في المكتب إلى العمل عن بعد.
وهذا برأي خبراء الصحة يمكن أن يكون له عوقب وخيمة إن لم يعالج، إذ قد تؤدي “الوحدة والعزلة وانعدام التواصل” في جميع أنحاء البلاد إلى أزمة صحية عامة، قد يكون لها علاقة بأمراض القلب والأوعية الدموية، والخرف، والسكتة الدماغية، والاكتئاب، والقلق، والموت المبكر.
بطبيعة الحال، لا يرغب الجميع في العودة إلى العمل من المكتب طوال الوقت، لكن عندما يتعلق الأمر بتخفيف الشعور بالوحدة، فقد يكون الحضور إلى العمل هو أفضل دواء.
وبمقارنة الأجيال، فإن أولئك الذين ولدوا قبل عام 1965، في المتوسط، أكثر سعادة من أولئك الذين ولدوا منذ عام 1980. أما الذين ولدوا في الألفية الثانية فمعدل السعادة لديهم ينخفض مع تقدم العمر كل سنة .
لكن كبار السن تزداد سعادتهم ورضاهم عن الحياة مع تقدم العمر.
ويبحث العلماء إن كان هناك علاقة بين الرفاهية والخرف، وإن كان الشعور بالسعادة في سن الشباب قد يؤثر إيجابيا على الإنسان عند الكبر ويقلل من احتمالات الإصابة بالخرف.