فواجع النقل المزدوج تستدعي الصرامة وتأطير السائقين بقواعد السلامة

بعيداً عن “مسلسلات رمضان وجدل مشاهدها”، لا تكاد تفتر “فواجع النقل الطرقي” للمسافرين بالمغرب حتى تتبدى في فصول مأساوية جديدة، فارضةً مشاهِدها الأليمة على المغاربة حتى خلال شهر الصيام.
ولعل حادث انقلاب حافلة للنقل المزدوج على “الطريق الجهوية رقم 302″، الرابطة بين آيت بوكماز وآيت بواولي في إقليم أزيلال (الذي راح ضحيته 10 مواطنين ومواطنات فضلا عن 12 آخرين جرحى) ليس الأخير-لا قدّر الله-خاصة أن نُدوب حادث مفجع بكل من دمنات وناحية خريبكة (ضِمن تراب الجهة نفسها) تظل شاهدة على استمرار مسلسل دموي يبصم “مأساة الطرق المغربية”.
تفاعُل المغاربة مع الحادث وتعاطفهم مع الضحايا وأُسَرهم على مواقع ومنصات التواصل كان قويا، بينما اعتبرت النائبة البرلمانية فاطمة التامني، في سؤال كتابي إلى وزير النقل، أن “طرقات إقليم أزيلال، على غرار العديد من المناطق القروية والحضرية، لا تزال تحصد أرواح المغاربة”، واصفة “استعمال النقل المزدوج” بالمُرادف لـ”وسيلة للموت”، مستفسرة عن “جهود الوزارة في تهيئة الطرق والمسالك من أجل حل أزمة النقل، بالإضافة للطرقات الوعرة والمنحدرات الخطيرة التي تهدد حياة المغاربة”.
الضوابط القانونية
أكد إلياس سليب، رئيس المرصد الوطني للسلامة الطرقية بالمغرب، بعد الترحم الواجب على ضحايا “فاجعة أزيلال”، أن “المغرب يعتمد ضوابط قانونية صارمة فيما يتعلق بصنفيْ النقل السياحي ونقل المستخدَمين (بشكل جماعي) سواء من حيث الحمولة (تحديد عدد المقاعد والسرعة)، على عكس صنف النقل المزدوج الذي يبقى نمط النقل المعتمَد بشكل كبير في القرى والمناطق النائية، نظراً لأن أغلب الطرقات القروية (الإقليمية والجهوية) لا تسمح بمرور حافلات كبيرة الحجم”.
وبكل “أسف”، سجل سليب، في تصريح لهسبريس، أن “سائقي هذا الصنف من النقل لا يحترمون عادة الحمولة القانونية المسموح بها للمركبات، كما لا يحترمون السرعة الموصى بها، مما ينتج عنه كوارث حقيقية”، وفق وصفه.
وتابع مفصلا بالشرح: “من المعلوم بالضرورة بين المهنيين أن الحمولة الزائدة تؤثر على الفرامل، وكذا على مسافة التوقف اللازمة في حال وقوع حوادث”، رافضا الفكرة القائلة بأن “حالة الطرق دائما هي السبب في فواجع النقل المزدوج”.
السلامة الطرقية
“من الواجب على سلطات الدولة أن تهيّئ طرقات تناسب حركية السير وأن تكون أكثر أماناً لساكنة تلك المناطق”، يقول الفاعل المهني النشط في مجال السلامة والتربية الطرقية، مشددا على “إلزام سائقي مركبات النقل المزدوج بمسؤولية احترامهم تفاصيل الواقع المعيش وبيئة القيادة التي تستدعي طرائق خاصة في القيادة”، موردا أن “كثيرا من السائقين يجهلون قواعد التربية والسلامة الطرقية التي تختلف عن رخصة نيل السياقة بمدارس تعليم السياقة”.
وسجل رئيس مرصد السلامة الطرقية بالمغرب أن “البطاقة المهنية وثيقة لتكملة رخصة السياقة لكنها أساسية. ورغم ذلك، فحسب معطياتنا، لا يتوفر عليها العديد من السائقين في مجال النقل الجماعي للمسافرين، سواء بالقرى أو بالمدن”، منبهاً في سياق ذاته إلى “معضلة شراء شواهد التكوين/البطائق المهنية الضامنة لإتقان واستيعاب قواعد السير التي تتيح تربية ميدانية لتعامل السائق باحترافية مع مشاكل الطريق”.
وخلص سليب إلى أن “حادث أزيلال يُجدد بشدة مطلب تهيئة الطرق بحواجز جانبية آمنة تضمن سلامة مستعمِليها من ركاب وسائقين، حتى نتجنب الأسوأ”.
تقنين النقل المزدوج
يتفق عمر أوزياد، فاعل جمعوي بإقليم أزيلال، مع جسامة وعِظَم “المسؤولية الأولى لهذا الحادث المروع” التي تظل ملقاة-في تقديره-على كاهل مسؤولي وزارتيْ التجهيز والنقل، ثم مختلف السلطات الإقليمية المنتخبة على الخصوص”، مفيداً في سياق استحضاره “فاجعة دمنات” بـ”إحصاء ما لا يقل عن 43 ضحية لحرب الطرق في إقليم أزيلال لوحده في أقل من سنة”.
أوزياد شدد، في حديث لهسبريس، على أن “كل ما يتعلق بالأرواح لا يجب التساهل معه”، مبرزا أن تقنين النقل المزدوج والمختلط يبقى مطلبا ملحا نظرا للطبيعة الجغرافية بالمناطق القروية النائية والجبلية.
وفي سياق استحضاره المسؤولية المباشرة لوزارتي النقل والتجهيز، بحكم “انعدام التشوير والحواجز الجانبية للطرقات، مع عدم تكوين وتأطير سائقي النقل المزدوج بالمنطقة”، أكد الفاعل الجمعوي نفسه، القاطن غير بعيد عن مكان وقوع فاجعة أزيلال، أن “المطالب كانت سابقة لحادث أزيلال بخصوص تفعيل لجان التتبع والمراقبة والافتحاص في صفقات تجديد حظيرة مركبات النقل المزدوج”، مشيرا إلى أن “إقليم أزيلال بات بحقٍّ نقطة سوداء في مآسي الطرق بالمغرب، فضلا عن العزلة والتهميش وعدم صيانة وتجهيز الطرقات”.
كما نبه المصرح ذاته إلى خطورة ترك قطاع النقل المزدوج بعيدا عن التكوين والتأطير اللازم للسائقين، الذين مازال بعضهم يتجاوز العدد المسموح به من الركاب رغم ترخيص الدولة بعدد محدد، ما يفضي، بحسبه، إلى “حالة من انعدام حس المسؤولية”.
ولم يفُت أوزياد استحضار “العشوائية” التي تخص عمليات “منح تراخيص أذونات النقل المزدوج”، والدعوة إلى “احترام المعايير بشكل صارم ودقيق قبل منح صفة المهنية لكل سائق”.