عهد جديد للعلاقات بين مصر وأوروبا.. كيف ينعكس على حقوق الإنسان؟
- Author, هشام المياني
- Role, بي بي سي – القاهرة
“لا توجد شروط واضحة حول ملف حقوق الإنسان ولا مسؤولية مصر بشأن الأموال التي يمنحها الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأوروبي أعطى أموالا لمصر ومن قبلها تونس دون شروط تخص الالتزام بالديمقراطية”.
هكذا عبرت عضوة بالبرلمان الأوروبي في حديث لبي بي سي عن موقفها الرافض للاتفاقات التي تمت بين القاهرة والاتحاد الأوروبي، وعلى النقيض عبر حقوقي مصري عن سعادته البالغة بالخطوة.
وقع الاتحاد الأوروبي، مساء الأحد، اتفاقات مع مصر تضمنت حزمة تمويل بقيمة 7.4 مليار يورو (8.06 مليار دولار) على مدى أربعة أعوام، تشمل قروضا واستثمارات وتعاونا في ملفي الهجرة إلى أوروبا ومكافحة الإرهاب، بعد أيام على إبرام التكتل الأوروبي اتفاقات مماثلة مع بلدان في شمال إفريقيا.
الإعلان عن حزمة التمويل تلك جاء ضمن اتفاقية ترفع مستوى العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر إلى “شراكة استراتيجية”، خلال زيارة وفد من زعماء الاتحاد للقاهرة بداية الأسبوع الجاري.
قروض ومنح وديمقراطية ومساواة
وحسب المعلن رسميا من جانب الاتحاد الأوروبي والقاهرة تتضمن تلك الاتفاقات تقديم منح وقروض وغيرها من أشكال التمويل على مدى السنوات الثلاث المقبلة لدعم الاقتصاد المصري المتعثر.
وبحسب الخطة فإن التمويل المقترح يشمل قروضا ميسرة حجمها خمسة مليارات يورو واستثمارات بقيمة 1.8 مليار يورو.
كما سيقدم الاتحاد منحا قدرها 600 مليون يورو من بينها 200 مليون لمواجهة مشكلات الهجرة.
ووفق وثيقة صادرة عن الاتحاد الأوروبي واطلعت عليها بي بي سي تتضمن الحزمة “تمويلا مباشرا عبارة عن قروض ميسرة بقيمة 5 مليار يورو (منها تمويل طارئ بقيمة مليار يورو يُصرف العام الجاري)”.
وشملت الوثيقة أن الاتفاق يشمل تقوية العلاقات الأوروبية المصرية من خلال عقد قمة مشتركة كل عامين، والعمل على الترويج لقيم الاستقرار والديمقراطية والحريات والمساواة بين الجنسين والفرص المتساوية.
الحل الأمثل لمواجهة الهجرة
تم توقيع الاتفاقات في العاصمة المصرية من جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين في حضور رؤساء خمس دول وحكومات أوروبية.
وأشادت فون دير لاين بهذا الاتفاق موضحة أنه يتضمن مجالات تعاون متعددة بدءا “من التجارة وصولا الى الطاقة النظيفة مرورا بإدارة الهجرة”.
ويرى الزعماء الأوروبيون الذين حضروا الاتفاقات أنها أفضل طريقة للتصدي لتدفق المهاجرين إلى أوروبا.
وفي يناير كانون الثاني الماضي كشفت وكالة الحدود الأوروبية، “فرونتكس”، عن زيادة هائلة في معدلات الهجرة غير الشرعية إلى دول الاتحاد الأوروبي خلال العام الماضي.
وذكرت الوكالة، أن الأعداد بلغت أعلى مستوى منذ عام 2016، وبزيادة بلغت نحو 64 بالمئة عما كانت عليه عام 2021.
وبحسب أرقام الوكالة، تم تسجيل 330 ألف دخول غير نظامي إلى أوروبا، حيث دخل نحو 45 بالمئة إلى الاتحاد الأوروبي عن طريق البلقان، وجاء العبور من البحر المتوسط في المرتبة الثانية.
وقالت فرونتكس إن المصريين يشكلون أكبر مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا الذين وصلوا عبر طريق البحر الأبيض المتوسط، والذي استخدمه أكثر من 100 ألف مهاجر في عام 2022.
يبحر معظم المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا على متن قوارب تنطلق من الموانئ الليبية أو التركية والتي يسافرون إليها أولاً بالطائرة، وفقًا لتقرير صدر في يوليو 2022 عن وكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي (EUAA).
استقرار مصر يطمئن أوروبا
وفق أحدث إحصاء تستضيف مصر، نحو تسعة ملايين مهاجر ولاجئ من بينهم أربعة ملايين سوداني و1.5 مليون سوري، بحسب المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.
ويمثل هذا العدد ضغطا كبيرا على اقتصاد الدولة الأكثر تعدادا للسكان بمنطقة الشرق الأوسط والتي تعاني منذ عدة أعوام من شح في النقد الأجنبي بعد تراجع عائدات النقد الأجنبي الرئيسية كالسياحة وتحويلات المصريين في الخارج وعائدات قناة السويس.
إلا أن أزمة النقد الأجنبي بدت في طريقها للحل بعض الشيء منذ الشهر الماضي بفعل تدفق مليارات الدولارات ضمن ما يسمى مشروع تطوير منطقة رأس الحكمة على الساحل الشمالي للبلاد وكذلك الإعلان عن اتمام اتفاق تمويل مع صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار.
وعلى ما يبدو أن الحكومات الأوروبية وجدت ضالتها في الدفع بحزم التمويل والاستثمارات لتخفيف قلق العواصم الأوروبية الدائم من خطورة عدم الاستقرار في مصر بحسب تقارير إعلامية أوروبية منها صحيفة الغارديان التي نقلت عن ديميتريس كيريديس وزير الهجرة اليوناني قوله إنه ” قلت لزملائي، إننا بحاجة إلى دعم مصر التي كانت مفيدة جدًا في إدارة الهجرة ومهمة جدًا لاستقرار شمال إفريقيا والشرق الأوسط الأوسع”.
تمويل بأعين مغمضة
لكن على النقيض أثار الإعلان عن حزمة التمويل انتقادات من جانب كبار أعضاء البرلمان الأوروبي ووجدوها دعما لأنظمة حكم “غير ديمقراطية” وفق تعبيرهم.
من بين تلك الأنظمة “تونس” التي حصلت على تمويل أوروبي العام الماضي بقيمة 150 مليون يورو لمجابهة الهجرة غير الشرعية وتحقيق التنمية، ولكنها انتهت في يد الرئيس قيس سعيد لاستخدامها في غير الغرض المتفق عليه، بحسب ما نقلت صحيفة الغارديان عن أعضاء بالبرلمان الأوروبي.
الدنماركية كارين ملكيور، منسقة لجنة العدالة في البرلمان الأوروبي قالت لبي بي سي إن “الاتحاد الأوروبي يجب أن تكون له علاقات مع جميع البلدان، ولكن لا يمكن إعطاء أموال مقابل ذلك، لا يجب على الاتحاد الأوروبي أن يعطي أموالا للبلاد غير الديموقراطية بأعين مغمضة”.
وتابعت :”نحن ندعو إلى احترام حقوق الانسان تجاه المسجونين السياسيين أو الأوروبيين المسجونين في تلك البلدان وخاصة مصر، ولا يمكن إعطاء أموال لمثل تلك البلاد”.
ورغم الاتهامات والانتقادات التي تلاحق مصر بدعوى وجود عدد كبير من المسجونين أو المحتجزين بلا محاكمات في قضايا سياسية فإنه لا يوجد إحصاء رسمي بذلك، إلا أن ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات صرح قبل عامين بأن وأوضح رئيس الهيئة العامة للاستعلامات وعضو مجلس أمناء المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، “مصر بها120 ألف سجين وتحتل المرتبة 127 عالميًا في أعداد السجناء، ونسبة أعداد المسجونين في مصر 36 سجين بين 100 ألف مواطن”.
ليست ورقة ابتزاز
وعن أهمية تلك التمويلات في مواجهة الهجرة غير الشرعية تقول ملكيور: “من المهم أن يكون لدينا علاقات مع كل البلدان فيما يخص الهجرة، ومصر لديها مسؤولية لحماية اللاجئين لكن لايجب أن نخضع للابتزاز بالتهديد بإرسال لاجئين لأوروبا”.
وفي عام 2020 خلال قمة جمعته برئيس وزراء اليونان ورئيس قبرص، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن “مصر تعمل على وقف تدفقات الهجرة غير الشرعية منذ 2016 اعتمادا على قدراتها الذاتية وانطلاقا من مسؤولياتها الأخلاقية، ولم تلجا في أى مرحلة لاستخدام هذه المسألة كورقة للتفاوض أو الابتزاز مع الشركاء الأوروبيين لتحقيق استفادة مادية أو سياسية”.
وكان متحدث باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي قال بيان ردا على تلك الانتقادات “إن أعضاء البرلمان الأوروبي يحق لهم التعبير عن آرائهم، لكن من الأفضل بناء شراكات لتحسين الديمقراطية وحقوق الإنسان بدلاً من قطع العلاقات ورؤية الوضع يتدهور”.
وقال المتحدث: “ما يمكنني قوله هو أننا مقتنعون تمامًا بضرورة العمل مع الدول المجاورة لنا، مع الأخذ في الاعتبار الحقائق على الأرض، نحن نعرف الانتقادات المتعلقة بحقوق الإنسان في تلك البلدان، لكننا نفرق بين هذه القضية وتلك ونتناول تلك القضايا مع تلك البلدان”.
وأضاف المتحدث أن هناك “آليات محددة لمناقشة حقوق الإنسان مع دول المنطقة، بما في ذلك مصر”.
ويرتبط الاتحاد الأوروبي مع مصر بعلاقات طويلة الأمد وكثيرا ما قدم الاتحاد تمويلات ومنح وقروض بشأن التنمية والاستثمار في مصر، بغض النظر عن النظام الحاكم حتى أنه في عهد الرئيس السابق المنتمي لجماعة الإخوان محمد مرسي خصص للقاهرة حزمة تمويل بخمسة مليارات يورو.
وفي نهاية عام 2022 أصدر البرلمان الأوروبي تقريراً، دعا فيه إلى “مراجعة” علاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر، في ضوء ما وصفه بـ”تقدم بسيط” في سجل حقوق الإنسان.
وتسبب التقرير في انتقادات واسعة في القاهرة وقتها حتى أن البرلمان المصري أصدر بيانا وصف فيه تقرير البرلمان الأوروبي بـ”المخيب للآمال ويستند لوقائع كاذقبة بشأن حقوق الإنسان في مصر”.
في مجاروة الديمقراطية إفادة
من جانبه وصف نجاد البرعي المحامي الحقوقي المصري ومدير المجموعة المتحدة للاستشارات القانونية، خطوة رفع العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي إلى المستوى الاستراتيجي “بالخطوة الممتازة” وذلك على المستويين الاقتصادي والسياسي.
وقال لبي بي سي إنها خطوة يجب أن نحيي ونشكر الحكومة المصرية عليها بشأن حرصها على تعزيز العلاقات والتعاون مع الديمقراطيات القديمة والعتيدة بدلا من غيرها، وأن هذا بالقطع سيعود بالنفع على مصر.
وأضاف أنه من المؤكد أن التعاون مع الدول الديمقراطية سيفيد الوضع السياسي والحقوقي في مصر.
ولفت إلى أن رفع مستوى العلاقات سيجعل هناك قبول من جانب القاهرة لأية نصائح من جانب الدول الأوروبية باعتبارها دول صديقة وليست عدوة، مع الوضع في الاعتبار أن القاهرة قرارها مستقل ولا تقبل الإملاءات ولكن من المؤكد أن الأصدقاء يقبلون النصح والمساعدة من بعضهم.
وأوضح أن هذا الاتفاق سيدعم منظمات المجتمع المدني، لأن الشراكة الاستراتيجية ستجعل مصر حريصة على ذلك، وأيضا فإن التواصل بين منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني في مصر وأوروبا.
وختم بأن منع المعونات والتمويل لم يساعد يوما في دعم أو تحسين حقوق الإنسان في أي دولة، بل عواقبه تكون أسوأ على الشعب على الدول، والأفضل استمرار التعاون والمحاولات من أجل تحقيق التحسن المنشود على كل الأصعدة سياسيا واقتصاديا وحقوقيا.