تغير المناخ: الخطة “المجنونة” لإنقاذ الجليد البحري في القطب الشمالي
- Author, مارك بوينتينغ
- Role, مراسل بي بي سي نيوز للمناخ
مرتدين معاطفهم الثقيلة، يقف العلماء على الجليد البحري قبالة الساحل الشمالي لكندا، ويراقبون المياه المالحة تتدفق فوق المحيط المتجمد.
ما الذي يفعلونه؟ يحاولون إبطاء ظاهرة الاحتباس الحراري.
ومع اختفاء الجليد البحري، يمكن لسطح المحيط الداكن أن يمتص المزيد من طاقة الشمس، مما يؤدي إلى تعجيل ظاهرة الاحترار. لذلك يريد الباحثون زيادة سماكة الجليد لمنع ذوبانه.
مرحبا بكم في الجانب الأكثر جموحا وجنونا من الهندسة الجيومناخية، والتي تتدخل عمدا في النظام المناخي للأرض، في محاولة لمواجهة الضرر الذي ألحقناه به.
وتشمل الهندسة الجيومناخية بذل المزيد من الجهود الراسخة لاحتجاز الغازات المسببة للاحتباس الحراري، مثل زراعة المزيد من الأشجار ودفن الكربون تحت الأرض.
لكن المزيد من التدابير التجريبية تهدف إلى المضي إلى أبعد من ذلك، حيث تسعى إلى تقليل الطاقة التي تمتصها الأرض.
ويعارض العديد من العلماء ذلك بشدة، ويحذرون من أن مثل هذه المحاولات تصرف الانتباه عن الخطوة الحاسمة المتمثلة في خفض انبعاثات الكربون وتخاطر بإحداث أضرار أكثر من نفعها.
لكن عددا قليلا من مؤيدي ذلك المنحى العلمي يزعمون أن أساليبهم يمكن أن تقدم يد العون للكوكب في الوقت الذي يحاول فيه الإنسان الحد من الضرر الذي يحدثه في الكوكب.
وهدف تجربة القطب الشمالي هو زيادة سماكة الجليد البحري بما يكفي لإبطاء ذوبان الجليد أو الحيلولة دونه، كما يقول الدكتور شون فيتزجيرالد، الذي يقف فريقه في مركز إصلاح المناخ بجامعة كامبريدج وراء المشروع.
هل سينجح الأمر أم أنه، كما وصفه أحد العلماء، “مجنون تماما”؟
يعترف الدكتور فيتزجيرالد: “لا نعرف في الواقع ما يكفي لتحديد ما إذا كانت هذه فكرة جيدة أم سيئة”.
يواجه الباحثون الظروف المناخية القاسية في خليج كامبريدج، وهي قرية كندية صغيرة تقع في الدائرة القطبية الشمالية.
وقال لي أندريا تشيكوليني من شركة رييل آيس Real Ice، وهي شركة بريطانية تقود الرحلة، بأن “الجو بارد جدا”، وذلك في اتصال عبر زووم من داخل خيمة بيضاء تضربها الرياح.
وأضاف: “تبلغ درجة الحرارة حوالي -30 درجة مئوية مع رياح قوية، مما يجعل درجة الحرارة تصل إلى -45 درجة مئوية مع عامل البرودة”.
ويقوم العلماء بحفر حفرة في الجليد البحري الذي يتشكل بشكل طبيعي في الشتاء، ويضخون حوالي 1,000 لتر من مياه البحر في الدقيقة عبر السطح.
وعند تعرض مياه البحر لهواء الشتاء البارد، تتجمد بسرعة، مما يساعد على زيادة سمك الجليد في الأعلى، كما يقوم الماء بضغط الثلج. وبما أن الثلج المتكون حديثا يعمل كطبقة عازلة جيدة، مما يجعل تكوين الجليد أسهل أيضا على الجانب السفلي المتصل بالمحيط.
ويوضح تشيكوليني: “الفكرة هي أنه كلما زاد سمك الجليد [في نهاية الشتاء]، استمر وجوده لفترة أطول عندما ندخل في موسم الذوبان”.
وأثناء حديثهم معي في نهاية رحلتهم، فقد لاحظوا بالفعل أن أنشطتهم أدت إلى زيادة سماكة الجليد ببضعة عشرات من السنتيمترات. كما ستتم مراقبة الجليد من قبل السكان المحليين في الأشهر المقبلة.
ولكن لا يزال من السابق لأوانه القول ما إذا كان نهجهم يمكن أن يحدث فرقا فعليا في الانخفاض السريع في الجليد البحري في القطب الشمالي.
ويحذر مارتن سيغيرت، عالم الجليد ذو الخبرة في جامعة إكستر، والذي لم يشارك في المشروع، قائلا: “تعتقد الغالبية العظمى من العلماء القطبيين أن هذا الأمر لن ينجح أبدا”.
إحدى المشكلات هي أن الجليد الأكثر ملوحة قد يذوب بسرعة أكبر في الصيف.
وهناك أيضا التحدي اللوجستي الضخم المتمثل في توسيع نطاق المشروع إلى مستوى معقول، حيث تثير التقديرات إلى الحاجة إلى حوالي 10 ملايين مضخة تعمل بطاقة الرياح لزيادة كثافة الجليد البحري عبر عُشر مساحة القطب الشمالي فقط.
تقول جوليان ستروف، أستاذة المراقبة والنمذجة القطبية في يونيفرسيتي كوليدج لندن: “من الجنون في رأيي أن يتم تنفيذ ذلك على نطاق واسع في المحيط المتجمد الشمالي بأكمله”.
وتتضمن بعض اقتراحات الهندسة الجيولوجية الأكثر تجريبية محاولة جعل السحب ذات قدرة أكبر على عكس طاقة الشمس عن طريق توليد رذاذ بحري إضافي، ومحاكاة الانفجارات البركانية لتعكس المزيد من طاقة الشمس إلى الفضاء.
وحذر عدد من العلماء، بما في ذلك هيئات المناخ والطقس التابعة للأمم المتحدة، من أن هذه الأساليب يمكن أن تشكل مخاطر جسيمة، بما في ذلك تعطيل أنماط الطقس العالمية. ويريد العديد من الباحثين حظر مثل هذه الأساليب تماما.
وتشرح ليلي فور، مديرة برنامج الاقتصاد الأحفوري في مركز القانون البيئي الدولي، أن “تقنيات الهندسة الجيولوجية تأتي مصحوبة بشكوك هائلة وتخلق مخاطر جديدة على النظم البيئية والناس”.
وقالت “إن القطب الشمالي ضروري للحفاظ على أنظمتنا الكوكبية: فضخ مياه البحر إلى الجليد البحري على نطاق واسع يمكن أن يغير كيمياء المحيطات ويهدد شبكة الحياة الهشة”.
وهناك اهتمام أكثر جوهرية وواسع النطاق بهذا النوع من المشاريع.
وحذر البروفيسور سيعيرت من أن “الخطر الحقيقي هو أنه يوفر مصدر إلهاء، وسيستخدمه الأشخاص ذوو المصالح الخاصة كذريعة لمواصلة حرق الوقود الأحفوري”.
وقال: “بصراحة، إنه أمر جنوني ويجب إيقافه. إن طريقة حل هذه الأزمة هي إزالة الكربون: إنها الطريقة الأفضل والوحيدة للمضي قدما”.
ويدرك الباحثون في القطب الشمالي تماما هذه المخاوف. ويؤكدون أنهم يختبرون هذه التكنولوجيا ببساطة، ولن يطلقوا العنان لها على نطاق أوسع حتى يتم التعرف على المخاطر بشكل أفضل.
ويؤكد الدكتور فيتزجيرالد: “نحن لا نروج هنا لهذا الأمر باعتباره الحل لتغير المناخ في القطب الشمالي.. نحن نقول إنه يمكن أن يكون [جزءا منه]، ولكن يتعين علينا أن نكتشف الكثير قبل أن يتمكن المجتمع بعد ذلك من أن يقرر ما إذا كان هذا أمرا معقولا أم لا”.
ويتفق الباحثون على أن الهندسة الجيومناخية ليست الحل السحري لمعالجة تغير المناخ، وأن التخفيضات الحادة في الوقود الأحفوري والانبعاثات الكربونية تشكل أهمية بالغة لتجنب أسوأ العواقب المترتبة على الاحتباس الحراري.
لكنهم يشيرون إلى أنه حتى مع اتخاذ إجراءات سريعة، فإن العالم لا يزال يواجه مستقبلا صعبا.
ومن المرجح أن يصبح المحيط المتجمد الشمالي خالياً تقريبا من الجليد البحري بحلول نهاية الصيف مرة واحدة على الأقل بحلول عام 2050، وربما حتى قبل ذلك. وهو يشهد بالفعل انخفاضات حادة منذ الثمانينيات.
وقال طالب الدكتوراه جاكوب بانتلينغ، الباحث في مركز إصلاح المناخ الذي تحدى الرياح الجليدية في خليج كامبريدج: “نحن بحاجة إلى حلول أخرى.. علينا أن نقلل من الانبعاثات، ولكن حتى لو قمنا بذلك في أسرع وقت ممكن، فإن القطب الشمالي سيستمر في الذوبان”.