الانتخابات الروسية: لماذا لا تزال الانتخابات مهمة، ولماذا يتكبد الكرملين عناء تنظيمها؟
- Author, سيرجي جورياشكو
- Role, الخدمة العالمية – بي بي سي
تجري روسيا عملية انتخاب رئيس لمدة ثلاثة أيام، من 15 إلى 17 مارس/آذار. يعتقد الكثيرون أنه من المؤكد أن الرئيس الحالي فلاديمير بوتين سيعلن النصر ويصبح رئيساً للمرة الخامسة، لذا لماذا يتكبد الكرملين عناء تنظيم الانتخابات في الأساس، وماذا قد يخبرنا ذلك عن شعبية الرئيس بوتين الحقيقية؟
يدير فلاديمير بوتين روسيا فعلياً منذ عام 2000. وقد تم تعيينه كأول رئيس مؤقت من قبل سلفه الرئيس بوريس يلتسين، وفاز بأول انتخابات له في مارس/آذار 2000.
بين عامي 2008 و2012، قام بتبديل الأدوار، ليصبح رئيساً للوزراء لكنه ظل مسيطراً بشكل كامل. في ذلك الوقت، كان الدستور الروسي يسمح للرئيس بفترتين متتاليتين فقط، لكن هذه الخطوة سمحت له بإعادة ضبط عدّاد سلطته والترشح مرة أخرى.
وفي عام 2020، تم تغيير الدستور، ومن المتوقع أن يبقى الرئيس بوتين في السلطة حتى عام 2036.
وبحلول ذلك الوقت، سيكون قد أصبح الحاكم الأطول عمراً في تاريخ روسيا، متغلباً على الزعيم الشيوعي جوزيف ستالين والإمبراطورة كاثرين العظيمة في القرن الثامن عشر، اللذين ظلا في السلطة لأكثر من 30 عاماً.
إظهار الدعم
نادراً ما تكون الانتخابات في روسيا حدثاً مثيراً للاهتمام، ولكنها مهمة لإضفاء الشرعية على من هم في السلطة وإظهار أن رأي الناس مهم.
هذه المرة، ليس الفوز هو المهم فقط لفلاديمير بوتين، ولكن أيضاً رؤية الإقبال الكبير على مراكز الاقتراع والنسبة العالية للدعم، حيث أن البلاد متورطة في حرب واسعة النطاق ستكون لها عواقب دائمة على روسيا.
بالنسبة لمسؤولي الدولة، ستكون الانتخابات بمثابة اختبار لقدرتهم على حشد الموارد الإدارية وتحقيق مكاسب انتخابية غير متوقعة للرئيس.
أفاد موقع الأخبار الروسي المستقل “ميدوزا” أن الكرملين يأمل في تحقيق نسبة مشاركة لا تقل عن 70%، مع حوالي 80% من الأصوات لفلاديمير بوتين، وبهذا سيتجاوز نسبته البالغة 76.7٪ في عام 2018.
ووجد البحث الذي أجرته بي بي سي أنه لتحقيق هذه النتائج، تهدف السلطات إلى تعبئة موظفي القطاع الحكومي – أولئك الذين يعملون في السلطات المركزية والمحلية، وكذلك الشركات المملوكة للدولة – الذين سيتم تشجيعهم بقوة على المشاركة في الانتخابات ودعمهم للرئيس الحالي.
ويحق لنحو 112.3 مليون شخص التصويت في الانتخابات.
ويشمل هذا الرقم أولئك الذين يعيشون في الأراضي المحتلة في أوكرانيا – شبه جزيرة القرم وأجزاء من منطقة دونباس، التي استولت عليها روسيا بشكل غير قانوني في عام 2014، بالإضافة إلى أجزاء أخرى من شرق وجنوب أوكرانيا التي تم احتلالها منذ فبراير/شباط 2022.
ويحق لـ 1.9 مليون مواطن روسي آخرين يعيشون في الخارج التصويت، بما في ذلك 12 ألفاً في كازاخستان المجاورة.
الحرب والانتخابات
ظهر فلاديمير بوتين في العديد من الفعاليات خلال حملته الانتخابية، وكان أبرزها لقاءاته مع الطلاب والعمال في مناطق مختلفة في روسيا.
ورغم أنه تجنب الحديث عن “العملية العسكرية الخاصة” – المصطلح الذي أطلقته موسكو على الغزو – فإن الحرب حاضرة على الدوام في الحياة الروسية: عقوبات دولية، خيارات سفر محدودة، عدد أقل من السلع الأجنبية، وشعور بالعزلة، على الأقل عن أوروبا وأمريكا الشمالية.
لقد كلفت الحرب حياة العشرات، إن لم يكن مئات الآلاف من الجنود الروس.
وقد غادر مئات الآلاف من الروس، معظمهم من الشباب والمتعلمين والأثرياء، البلاد في الأشهر الأربعة والعشرين الماضية، إما لأنهم لم يوافقوا على الحرب أو لأنهم لا يريدون أن يتم تجنيدهم في القتال.
وحتى عندما يتم استبعادها من الحملة، تظل الحرب عنصراً أساسياً في الروايات الإعلامية ولا يمكن للروس تجنبها.
إن الإقبال والدعم الكبير للرئيس سيضيف الشرعية إلى قراراته اللاحقة، والتي سيكون الكثير منها مرتبط بشكل مباشر بالغزو.
من هم المرشحين؟
بالإضافة إلى فلاديمير بوتين، هناك ثلاثة مرشحين آخرين مسجلين: ليونيد سلوتسكي، وهو محافظ قومي. ومرشح الحزب الشيوعي نيكولاي خاريتونوف. وفلاديسلاف دافانكوف، رجل أعمال من حزب “الشعب الجديد” الذي تأسس مؤخراً، والذي يتمتع بتمثيل صغير في البرلمان الروسي.
وقد أعرب ثلاثتهم عن دعمهم للحرب الروسية على أوكرانيا وللرئيس بوتين، ولا يشكل أي منهم تهديداً حقيقياً.
وقد سُجن منافسوه الحقيقيون أو تم “القضاء عليهم” أو فروا من البلاد. إذ توفي ألكسي نافالني – أبرز معارضي بوتين – في سجن شديد الحراسة في فبراير/شباط الماضي.
وعندما سأله مراسل بي بي سي ستيف روزنبرغ عما إذا كان يعتقد أنه سيكون رئيساً أفضل من فلاديمير بوتين، أجاب نيكولاي خاريتونوف بأنه ليس من حقه أن يقول ذلك، وأن الناخبين “سيقررون كل شيء”.
في الوقت نفسه، يدعو خاريتونوف إلى “التحول اليسار لمستقبل أفضل”. ويخضع خاريتونوف لعقوبات غربية منذ عام 2022.
واجه ليونيد سلوتسكي، عضو البرلمان عن الحزب الديمقراطي الليبرالي الروسي (LDPR)، اتهامات متعددة بالتحرش الجنسي. وقام بتنظيم زيارات رسمية إلى شبه جزيرة القرم المحتلة ويخضع لعقوبات دولية منذ عام 2014.
وكان فلاديسلاف دافانكوف، الوافد الجديد من الحزب الجديد، أقل حضوراً إعلامياً.
حصل دافانكوف، المؤسس المشارك لشركة مستحضرات التجميل، على ما يزيد قليلاً عن 5% من الأصوات في انتخابات عمدة موسكو لعام 2023. أثناء دعوته إلى “السلام والمفاوضات” في الحرب مع أوكرانيا، صوّت لصالح ضم الأراضي الأوكرانية، مما أدى أيضاً إلى وضعه تحت العقوبات الدولية.
وفشل المرشح الرئاسي المناهض للحرب بوريس ناديجدين في التسجيل كمرشح من قبل السلطات، على الرغم من اصطفاف عشرات الآلاف من الروس لتقديم توقيعاتهم لدعمه.
إجراءات التصويت
ولأول مرة في تاريخ الانتخابات الرئاسية، يدلي الروس بأصواتهم على مدار ثلاثة أيام، في الفترة ما بين 15 إلى 17 مارس/آذار.
واختبر هذا التنسيق لأول مرة خلال تصويت عام 2020 على تعديلات الدستور لحماية الصحة العامة أثناء وباء كورونا. واعتمدت عملية الأيام الثلاثة مرة أخرى لهذه الانتخابات، على الرغم من انتقاد المراقبين المستقلين لها، قائلين إنها تعقّد ضمان شفافية عملية التصويت.
بالإضافة إلى ذلك، سيكون نظام التصويت عن بعد عبر الإنترنت متاحاً لأول مرة، خاصة في المناطق المعروفة بالتصويت “الاحتجاجي” أو حيث تكافح السلطات لضمان الإقبال.
كما تعرضت روسيا لانتقادات لإدراجها الأراضي المحتلة في أوكرانيا في هذه الانتخابات، حيث وردت تقارير عن وجود ضغوط على السكان المحليين.
وكانت الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ترسل مراقبيها إلى روسيا منذ عام 1993، إلا أن ذلك توقف في السنوات الثلاث الماضية.
ما الذي من المحتمل أن يتغير؟
لا توجد استطلاعات رأي مستقلة في روسيا، ويحصل معظم الروس على أخبارهم من وسائل الإعلام الحكومية، المتحيزة بشدة لصالح فلاديمير بوتين وسياساته.
ومع ذلك، يعتقد الخبراء أن عدداً أكبر من الروس يشككون في الحكومة أكثر مما قد يبدو، لكنهم يخشون التحدث علناً. وبسبب خوفهم من التعرض لعقوبات قاسية حتى ولو كانت مظاهر دعم بسيطة للمعارضة، فإنهم لا يعبرون عن معارضتهم علناً.
ودعت يوليا، أرملة أليكسي نافالني، مواطنيها إلى مقاطعة التصويت، كما دعت الحكومات الأجنبية إلى عدم الاعتراف بنتائج هذه الانتخابات.
وفي حين أن الأخير غير مرجح، فإن الأول ممكن. إذ نقلت وسائل الإعلام المستقلة “ميدوزا” عن مصدر مقرب من إدارة بوتين الرئاسية قوله إن هناك مخاوف حقيقية بشأن خطر انخفاض نسبة الإقبال على التصويت.
والنتيجة الأكثر ترجيحاً لهذه الانتخابات هي الفوز المقنع لفلاديمير بوتن، على الورق على الأقل. لكن انخفاض نسبة المشاركة سيعني أن الدعم للرئيس قد ضعف، وهذا بدوره قد يؤدي إلى تشديد رقابة الدولة وزيادة انزلاق روسيا إلى جو من الخوف والقمع.