حزب “فوكس” الإسباني.. صوت نشاز وسط دينامية شراكات الرباط ومدريد
في عز أيام صحوة العلاقات بين المغرب وإسبانيا أبى حزب “فوكس” اليميني إلا أن يتقدم بمقترح قانون يدعو من خلاله حكومة بيدرو سانشيز إلى دفع المغرب نحو الاعتراف بالسيادة الإسبانية على مدينتي سبتة ومليلية ومختلف الجزر المحتلة، غير أن الأمور لم تسر كما خطط لها، على اعتبار أنه بقي وحيدا في الدفاع عن مقترحه على مستوى لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الإسباني.
ووجد فوكس نفسه وحيدا مقابل إجماع مختلف الكتل السياسية الأخرى على رفض مقترحه، بما في ذلك الأحزاب اليمينية الأخرى، من بينها الحزب الشعبي نفسه، الذي أكد على ضرورة “استحضار الجدية”، بينما اعتبر تحالف سومار مقترح القانون المذكور “محاولة لاصطناع مشكلة”، في وقت تعيش العلاقات بين الرباط ومدريد أزهى أيامها، لاسيما بعد الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى المغرب.
وليست هذه المرة الأولى التي يتقدم فيها حزب فوكس اليميني بهكذا مقترحات، على اعتبار أنه يظل معروفا بـ”مناهضته المصالح المغربية”، فيما أكد مراقبون، تحدثوا لهسبريس، أنه “يبقى محسوبا على التحركات السياسية الشعبوية”، لافتين إلى أن الأحزاب الأخرى “تُدرك ثقل المقترح، خصوصا في ظل هذه الفترة، وأنه يهدف إلى إثارة الخلاف بين مدريد والرباط لا غير”.
عبد الحميد البجوقي، كاتب ومحلل سياسي مختص في الشأن الإسباني، قال إن “الدينامية الإيجابية التي تعرفها العلاقة بين الرباط ومدريد كانت من الأسباب التي وقفت وراء الرفض المطلق لمقترح حزب فوكس على مستوى لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الإسباني؛ ذلك أن المقترح كان يهدف أساسا إلى خلق التوتر بين الرباط ومدريد، وإثارة التشنج خلال هذه الفترة تحديدا”.
وبيّن البجوقي، في تصريح لهسبريس، أن “الموقف الإيجابي للأحزاب اليمينية الأخرى يعكس نوعا من إيمانها بضرورة التريّث وعدم مساندة مبادرة تروم إحداث الشرخ على مستوى العلاقات البينية بين المملكتين، رغم كونها تسير بدورها في اتجاه مزايدات سياسية خلال الفترات الانتخابية”، لافتا إلى أن “الحزب الشعبي لم يكن ليناصر هذا المقترح باعتباره حزب دولة ويراعي مصالح البلاد، وهو أمر ليس بالمستغرب”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “مقترحات فوكس التي تكون مناهضة للمغرب عادة ما يكون مصيرها الرفض على مستوى البرلمان، كما حدث في الفترة الحالية بلجنة الشؤون الخارجية؛ في حين أن عدم دعم سومار المقترح الأخير يرجع أساسا إلى كون التحالف يبقى غير متحمس لموضوع مدينتي سبتة ومليلية، عكس تحمسه لموضوع الصحراء”، مشيرا إلى أن “التشكيلات الحزبية الأخرى على مستوى كتالونيا تحديدا ليس لديها أي مشكل في هذا الجانب، بالنظر إلى أنها تناصر مغربية الثغريْن”.
ولفت المحلل السياسي المختص في الشأن الإسباني إلى أن “العلاقات المغربية الإسبانية تظل مركبة ويتداخل فيها السياسي بالاقتصادي، على اعتبار أن البلدين الجارين يستعدان لاستضافة كأس العالم سنة 2030 بشكل مشترك، وهو الواقع الذي لا يمكن أن تؤثر عليه هذه التحركات السياسية التي تظل حبيسة دائرة الشعبوية السياسية فقط”.
من جهته قال خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، إن “المقترح الذي تقدم به حزب فوكس إلى البرلمان الإسباني يظل مبادرة داخلية تهم الشأن السياسي الداخلي للبلاد، ولا يهم المغرب في شيء، على اعتبار أن فوكس بنفسه يعلم أن الرباط لا يمكنها أن تقدم موقفا كهذا، بالنظر إلى أن المدينتين تظلان في نظرها خاضعتين للاحتلال بالقوة”.
وأوضح الشيات، في تصريح لهسبريس، أن “المسألة لدى المغرب تظل محسومة، فقضية مدينتي سبتة ومليلية ثابتة وغير قابلة للتفاوض بشأن مغربيتهما وضرورة رفع إسبانيا يدها عنهما”، لافتا إلى أن “حزب فوكس أعاد طرح هذا الموضوع مباشرة بعد السجال الذي أثير حول قانون العفو عن الانفصاليين الكاتالونيين”.
وبين المتحدث ذاته أن “العلاقة مع المغرب تظل آلية من الآليات التي تلجأ إليها الأحزاب بإسبانيا، كما تبقى مادة خامة لإثارة النقاش بشكل دوري بين الحكومة وأحزاب المعارضة، كما جرى تحديدا خلال الانتخابات الماضية”.