النقاشات حول تعديلات مدونة الأسرة تتخطى المجتمع نحو أنفاق السياسة

يوما بعد يوم، تقترب مهلة ستة أشهر التي وردت ضمن الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة بخصوص تعديل مدونة الأسرة، من الانتهاء، حيث من المنتظر بعد أسابيع قليلة أن تكشف اللجنة المكلفة بمراجعة القانون الأسري الوطني عن طبيعة التعديلات التي من المنتظر أن يتم اعتمادها، وذلك بعد أسابيع من المشاورات مع مختلف الفرقاء المجتمعيين، من أحزاب سياسية ومنظمات مدنية وهيئات وطنية.
غير أن اللافت خلال الفترة السابقة، كما يرى مراقبون، هو “دخول النقاش حول مدونة الأسرة نفق السياسة بدلا من نفق القانون والفقه، حيث بدا أنه انتقل من نقاش مجتمعي وأكاديمي إلى نقاش حزبي بين زعماء محض سياسيين، على الرغم من أهمية هذا الورش الذي تقبل عليه المملكة بعد عشرين سنة على الانتقال من مدونة للأحوال الشخصية إلى مدونة للأسرة المغربية، في وقت غابت فيه مراكز التفكير والجامعات عن إثارة النقاش حول هذا الورش.
“سوسيوبوليتيك”
محمد شقير، كاتب محلل سياسي، قال إن “النقاش المجتمعي حول مدونة الأسرة كان مستمرا خلال العشرين سنة الماضية، منذ إقرار مدونة سنة 2004، حيث أدت النواقص والاختلالات التي كانت مطروحة إلى إثارة موضوع التعديل من قبل المنظمات المدنية والهيئات الحقوقية بشكل مستمر، وبالتالي فالنقاش ليس وليد اليوم، بل هو نقاش مستمر بخصوص الموضوع، وتحديدا بخصوص قضايا تزويج القاصرات والإرث والنفقة”.
وأوضح شقير، في تصريح لهسبريس، أن “وسائل الإعلام بدورها سبق لها أن طرحت هذا الموضوع للتداول في أوقات متفرقة، وهو ربما ما استوعبته المؤسسة الملكية بمرورها إلى حث الحكومة على تعديل المدونة في ظرف ستة أشهر، وتنصيصها على إشراك مختلف الهيئات والفعاليات الحزبية والمدنية”، لافتا إلى أن النقاش المجتمعي كان حاضرا بقوة في الفترة التي تلت الرسالة الملكية إلى أخنوش”.
وبين المتحدث أن “النقاش السياسي ربما كان طاغيا على موضوع المدونة خلال الفترة الأخيرة، مع محاولة بعض الزعماء الحزبيين الاستثمار في الموضوع وإعطاء مسألة التعديلات أكثر من حجمها، فضلا عن محاولة إعادة التموقع على مستوى المشهد السياسي الوطني”، موضحا أن “الخرجات الأخيرة لعبد الإله بنكيران نقلت النقاش من صلبه المجتمعي إلى نطاق آخر سياسي، خصوصا مع مهاجمته لكل من المجلس الوطني لحقوق الانسان وحزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية”.
وبين الكاتب والمحلل السياسي أن “تعديل المدونة ظل تلك الآلية التي سعى عدد من الفرقاء السياسيين من خلالها إلى تصريف خصوماتهم السياسية مع نظرائهم، وبالتالي صرنا أمام نوع من تسييس وتحزيب النقاش، على الرغم من صعوبة التأكيد على طغيان هذا الجانب السياسي على مثيله المجتمعي”، مشيرا إلى أن “كل هذه المحاولات لن تؤثر في الأخير على الصيغة النهائية لمدونة الأسرة، على اعتبار أن الملك كرئيس للدولة له صلاحية الحسم في موضوع التعديلات”.
“طغيان السياسة”
شريفة لموير، أستاذة العلوم السياسية باحثة في القانون الدستوري، قالت إن “النقاش حول تعديلات مدونة الأسرة أخذ منحى سياسيا أكثر منه قانونيا وفقهيا، على الرغم من أن المواضيع التي من المفترض أن يتناولها هذا التعديل صار لزاما ملاءمتها مع متطلبات المجتمع، وعلى رأسها الإرث وتزويج القاصرات؛ فهذه المواضيع لا يخفى أنها خلقت النقاش لوقت طويل، في حين إنه لم يتم يتناولها بالشكل الكافي في ضوء هاته التعديلات”.
وأوضحت لموير، في تصريح لهسبريس، أن “المنحى الذي أخذه النقاش حول تعديلات المدونة يُظهر بشدة غياب الجدية في تناول هذه التعديلات والنقاش بشأنها، حيث صرنا أمام محاولة لافتعال مواجهة مع التيار الحداثي والحركات النسائية من طرف التيار الإسلامي، وهو ما جعل من ورش إصلاح مدونة الأسرة معركة رئيسية، على اعتبار أن هذا التيار يحاول إعادة سيناريو خطة إدماج المرأة قبل عقدين من الزمن”.
وأكدت الأكاديمية ذاتها ضرورة استحضار أن هذا الورش الذي تعرفه مدونة الأسرة أتى بمبادرة ملكية، إذ أزال الملك اللبس عن توجهات التعديل عندما شدد على أنه لن يحلل حراما ولن يحرم حلالا، وأن التعديل سيتم أساسا في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية وانسجاما مع خصوصيات المجتمع المغربي، “وبالتالي كان خطاب الملك بمثابة الضامن للتوازن المنشود”، لافتة إلى أن “هذه النقطة كانت كفيلة بإيقاف اللغط السياسي الذي أخذه الموضوع والذي طغى على النقاش المجتمعي”.