“نقابة البيجيدي” تثير الجدل باستعمال تقرير قضائي في دعم تزويج القاصرات
لم تلقَ دعوة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الذراع النقابية لحزب العدالة والتنمية، إلى “تحديد الحد الأدنى للزواج دون سن الأهلية في 16 سنة، مع الاعتماد على الخبرة الطبية أو إجراء بحث اجتماعي أو هما معا وفق تقدير القاضي” ترحيبا حقوقيا من الجهة ذات المرجعية الحداثية، التي ما زالت تتمسك برفض أي اتجاه لـ”قتل الطفولة، باسم الزواج”، على الرغم من أن المرجعية المحافظة تدافع عن “زواج القاصر”.
ويبدو أن النقطة التي أثارت جدالا حقوقيا هي حين استشهدت مذكرة النقابة حول تعديل المدونة بتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية الصادر في يناير 2023، للتلويح بأن هناك “دوافع موضوعية” لهذا الزواج؛ منها ما هو مرتبط بأسباب اقتصادية واجتماعية راجعة إلى الأوضاع الصعبة التي تعيشها أسرهن كالفقر والهشاشة والهدر المدرسي ومحدودية الدخل”، ما اعتبرته جهات حقوقية “ورقة تبريرية لتزويج بنات الفقراء”.
“مقترح لا يستقيم”
عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، قال إن “تبرير الاستثناء من أجل إباحة تزويج القاصرات بالظروف الاقتصادية والاجتماعية لا يستقيم؛ لأن على أصحاب هذا التبرير أن يطلعوا عن المآسي التي يتخبطن فيها النساء ضحايا تزويج القاصرات قبل أن يفكروا في هذا المقترح، لأن العقليات الحالية ليست ذاتها في الأزمنة الماضية”.
وشدد الخضري، في تصريحه لهسبريس، على أن “المناطق المنعزلة التي تعاني من ظروف اقتصادية واجتماعية مزرية تتحمل الدولة مسؤولية وضعيتها الحالية، بسبب فشل السياسات التنموية”، لافتا إلى أنه “من غير الأخلاقي اعتبار هذا الوضع تبريرا مقبولا لإباحة تزويج فتيات ما دون سن 18 سنة، وإلا فسنسقط في فضيحة التمييز بين المواطنين، بحيث نقر بأنه لا ضير أن يجبر الآباء فتياتهم بالمناطق النائية أو “المغرب غير النافع” على الزواج في سن مبكرة ما دون 18 سنة رغما عن إرادتهن”.
وعدّ المتحدث ذاته “الأمر غير مقبول، من الناحية الإنسانية والحقوقية، وينبغي أن يكون كذلك من الناحية القانونية؛ فنحن في القرن الحادي والعشرين، وعلى الفتيات أن يتهيأن للحياة الزوجية، من خلال التعلم واكتساب مهارات الحياة، وتمكينهن معرفيا واقتصاديا، قبل ولوج الحياة الزوجية، من أجل مشاركة أزواجهن في تحمل المسؤولية الأسرية، حتى لا يقعن فريسة إكراهات الحياة؛ فالإحصائيات الرسمية تؤكد أن أغلب حالات زواج القاصرات اليوم تنتهي بالطلاق”.
“ليس حلا”
على الرغم من أن النقابة المذكورة اعتبرت في مذكرتها، التي تتوفر هسبريس على نسخة منها، أن “زواج القاصرات لم يعد يشكل ظاهرة اجتماعية متفشية، بحيث لا يشكل من مجموع طلبات الزواج المسجلة سوى 5 في المائة”، فإن فتيحة شتاتو، المحامية وعضو فيدرالية رابطة حقوق النساء، قالت إن “هذا التلميح أو حتى التصريح، الذي تضمنته المذكرة بخصوص إقرار الزواج في 16 سنة، لا يمكن أن نقبله أو نزكيه؛ لأنه يتعارض مع التزامات المغرب لحماية حقوق الأطفال”.
وأفادت شتاتو، في تصريحها لهسبريس، بأن “التجربة بينت، طيلة السنوات الأخيرة، أن الفتاة التي يتم تزويجها في سن صغيرة لا تستطيع تحمل المسؤوليات الأسرية وتتعرض باستمرار للعنف الزوجي ولمختلف أشكال الاغتصاب من طرف أزواجهن. ولهذا الفتاة التي تقل عن 18 سنة مكانها الطبيعي هو المدرسة وليس بيت الزوجية”، داعية إلى “إقرار إجبارية عامة في التعليم بالنسبة للإناث على مستوى التراب الوطني، حتى نساعدهن في الظفر بكافة حقوقهن الأساسية”.
وشددت المتحدثة عينها على “أهمية أن تستجيب المدونة الخاضعة للتعديل للدعوات الحقوقية لمعالجة هذه الأزمة التي تشكل مصدر قلق كبير للحركة الحقوقية، لا سيما على مستوى المناطق القروية”، مؤكدة الأسباب التي استشهدت بها نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب؛ ولكنها “لا يمكن أن تعتبر تبريرا أو تبييضا لواقع مأساوي، بالقدر الذي يتعين أن نناضل لأجل واقع أكثر إنصافا للفتيات في كل مكان”.
تجدر الإشارة إلى أن هسبريس تواصلت مع خالد سطي، المستشار البرلماني عن نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، لمنحه حق التعليق والرد على هذا “الرفض الحقوقي” لمحتويات المذكرة في ما يخص تزويج الطفلات، قبل أن يلقي بالكرة في ملعب محمد زويتن، الأمين العام للنقابة ذاتها؛ وقَبِل هذا الأخير التواصل مع الجريدة في الموضوع قبل أن يغلق هاتفه ولم ينجح الاتصال به، رغم محاولات كثيرة.